يبدو أن الإيرانيات لم ييأسن من البحث عن حريتهن المفقودة والمطالبة بحقوقهن المسلوبة، يحاولن كسر القيود المفروضة عليهن.. وكلما سنحت لهن الفرصة، ليختبرن شجاعتهن في التعبير عن مطالبهن واهتماماتهن، اقتنصنها.. يسعين دوماً إلي مواجهة القيود القانونية والاجتماعية بخلق عالمهن الخاص، حتي وإن كان افتراضياً لاختلاس لحظات السعادة واستنشاق نسائم الحرية التي ظللن يحلمن بها لعقود طويلة. فعبر صفحات فيسبوك والشبكة العنكبوتية، تمردت الإيرانيات علي قوانين الحجاب وعلي المنظومة التي تكبل حريتها روحاني طلب من الشرطة إبداء التسامح أكثر في ارتداء الحجاب.. ويدخل في صدام مع المتشددين في خطوة غير مسبوقة، أطلقت "ماسيه علي نجاد" الصحفية الإيرانية المقيمة في بريطانيا، صفحة علي "فيسبوك" بعنوان "آزاد واش" أي "الحرية المستترة"، وبدأت بنشر صورها عليها دون الحجاب، متحدية هي وآلاف الإيرانيات، اللاتي حذون حذوها، قوانين الدولة التي تفرض عليهن هذا الزي. فالحجاب ملزم للمرأة في الجمهورية الإسلامية وتتعرض كل من تخالف إلي العقوبات، لكن كثيرات منهن خاطرن ونشرن صوراً دون حجاب علي هذه الصفحة، وقد تكلف النساء المتحديات لرغبات المحافظين، الاعتقال بتهمة خرق القانون. وقوبلت المبادرة، برد فعل واسع النطاق بعد أن جذبت أكثر من 300 ألف معجب عقب أيام من تدشينها، و نشر عليها صور لنساء علي الشاطئ، أو في الشارع، أو في الريف، كما تضمنت صوراً جماعية لأصدقاء وأزواج، لكن الشيء الوحيد المشترك بينها هو أن النساء يظهرن بها دون حجاب. وقد تم تداول الحملة أيضاًعلي تويتر. وتقوم فكرة الصفحة علي تشجيع النساء علي التعبير عن أنفسهن والتمرد علي قوانين الحجاب الذي فرضته السلطات منذ ثمانينات القرن الماضي. ويقول البعض منهن "إن طريقة اللباس ليست المشكلة الأساسية التي يتعين علي النساء مواجهتها، بل إن القضية الحقيقية هي حقوق المرأة في إيران". وكتبت واحدة من النساء المشاركات بالصفحة إن "المشكلة ليست في الاضطرار لارتداء الحجاب، ولكنها في عدم وجود خيار آخر." وكتبت أخري تقول "أريد ممارسة الحرية حتي وإن كانت للحظات." ولاقت الحملة اهتماماً واسعاً من الصحافة العالمية التي عرضت علي صفحاتها صور بعض النساء اللاتي خلعن الحجاب، لتسليط الضوء علي القمع الذي يمارس ضد النساء في إيران. كما أجرت بعض الصحف، وعلي رأسهما الجارديان البريطانية، حواراً مع صاحبة المباردة "ماسيه"، التي قالت إنها فور إنشائها الصفحة انهمرت عليها الصور التي تلتقطها السيدات الإيرانيات لأنفسهن خلسة دون حجاب، مشيرة إلي أنها لا تناهض فكرة الحجاب لكنها مع إتاحة حرية الاختيار وضد جعله إجبارياً بقوة القانون. وأشارت إلي أن هدفها بالأساس من إنشاء تلك الصفحة كان إعطاء مساحة للإيرانيات اللاتي لا يجدن وسيلة للتعبير، ومحاولة التغلب علي القيود التي تفرضها بلادهن. وأكدت نجاد أنها ليس لديها أية نية لتشجيع الناس علي تحدي الحجاب القسري، ولكنها تريد أن تعطي صوتاً للإيرانيات المضطهدات. وأشارت إلي أنه حان الوقت لكي يختار كل منهن بمفرده. وكتبت علي صفحتها علي "فيسبوك"، أنها تعرف العديد من النساء اللاتي بدwأن في ممارسة المساواة، واختبار حرية ارتداء ما يحلو لهن في المطابخ الخاصة بهن، أو في ساحات منازلهن الخلفية، أو في الحقول والسهول والأحياء السكنية بشرط أن يكون ظهورهن بلا حجاب خفية بعيداً، عن أعين القانون وضباط الشرطة وآبائهن. هن نساء حاولن التمتع بتلك الحرية مع أنفسهن، لكن الآن هن يختبرن شجاعة التعبير عن تلك الحرية الخفية علناً، إنها ليست سوي مظهر بسيط للحرية التي لا تؤذي أحداً، إنها حرية اختيار الملابس." ورغم أن "ماسيه" الصحفية في الشأن السياسي ومؤسسة الصفحة علي فيسبوك، معروفة بأنها دائمة الانتقاد للحكومة الإيرانية، إلا أنها تصر علي أن تلك الصفحة لا تحمل أي هدف سياسي. وقد أثارت هذه الصفحة غضب سلطات الجمهورية الإسلامية، حيث اتهم الإعلام الرسمي للدولة "ماسيه" بأنها متآمرة وعميلة وأنها تخطط لإفساد المجتمع. فيما يري بعض المتابعين للشأن الإيراني أن الوجه الآخر لتلك الصفحة هو التحدي المباشر لتعنت النظام الإيراني والتحكم بحياة الشخصية للشعب وبخاصة النساء. ويبدو أن التحرك ما زال مقتصراً علي مناطق شمال طهران التي تسكنها غالبية مسلمة ميسورة الحال، الفئة التي كانت أثناء حكم الشاه، تتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي، والأكثر تعبيراً عن التحرر. ويشار إلي أن الرئيس الإيراني "حسن روحاني" يخوض منذ توليه الرئاسة في يونيو الماضي معركة حول الحجاب مع الجناح المتشدد في القيادة الإيرانية. وكان روحاني طلب من الشرطة الدينية إبداء التسامح أكثر في المسائل الاجتماعية خصوصاً قضية ارتداء الحجاب. وكانت الشرطة الإيرانية أنشأت قبل سنوات شرطة أخلاقية تعمل علي التحقق من ارتداء الحجاب وتفرض أحياناً غرامات علي المخالفات ويمكن أن يصل الأمر الي حد الاعتقال. ومن ناحية أخري، لاقت المبادرة انتقاداً قاسياً من الأصوليين الذين تجمعوا في طهران احتجاجاً علي نشر هذه الصور علي موقع "فيسبوك" ونددوا بما اعتبروه خروج النساء عن الزي الشرعي، وطالبوا بالتشدد في فرض ارتداء الحجاب في الأماكن العامة. وكان الحجاب الاختياري من الأمور الجدلية في إيران حتي في زمن الشاه "رضا بهلوي"، إذ منع الشاه الحجاب بالقوة، ولكن بعد أعوام في عهد حكومة ابنه الشاه "محمد رضا بهلوي" كان الحجاب طوعياً، والنساء كن يخترن ملابسهن وفقا لمعتقدات العائلة وثقافتها. وكان الكثير من النساء في القري والمحافظات يرتدين العباءات المزينة بنقوش الأزهار الملونة. وبعض النساء في المدينة كن يلبسن الملابس علي الطريقة الغربية، واختار المتدينون الذين يسكنون المدن الكبري الحجاب الإسلامي والعباءات السوداء. وبعد اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 جري النقاش حول شروط الحجاب وجعله إجبارياً بصورة جدية في المجتمع. ففرضت السلطات الإيرانية الحجاب في الأماكن العامة، ومن تخالف القانون تعاقب بالحبس أو غرامة مالية. إلا أن هذا الأمر لا يمنع بعض النساء في المدن الكبيرة كالعاصمة طهران، من عدم ارتداء الحجاب أثناء قيادة السيارة أو ارتدائه بطريقة تجعله يخفي جزءاً صغيراً من الشعر فقط.