علي الرغم من اقتراب موعد الاستفتاء علي الدستور المعدل، المقرر له يوما 14 و15 يناير المقبل، مازال الجدل دائراً بشأن النظام الانتخابي الذي سيتم اتباعه في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وخاصة في ضوء عدم حسم مؤسسة الرئاسة - التي تجري حواراً مجتمعياً في هذا الصدد حالياً أي الانتخابات سيكون أولاً: البرلمانية كما جاء في "خارطة الطريق" أم الرئاسية كما يطالب عدد كبير من القوي السياسية والثورية والشبابية. ويأتي هذا الارتباك في ظل تنامي الأصوات المطالبة باعتماد النظام "الفردي" وليس القائمة أو المختلط الذي ينادي به البعض، حيث يري أنصار "الفردي" أن نظام "القائمة" فشل أكثر من مرة، وهناك شواهد تاريخية عديدة علي ذلك، أبرزها حل برلمانات 1984 و1987 و2012 بسبب الطعن في عدم دستورية إجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية، ما يستدعي عدم تكرار التجربة مجدداً في انتخابات مجلس النواب القادم. وبحسب خبراء قانونيين فإن النظام الانتخابي هو مجموعة التشريعات والقوانين المعمول بها التي ينتج عنها انتخاب سياسي ممثل للشعب، كالبرلمان أو مجلس الشعب أو مجلس الشيوخ، أو غيرها من الأشكال التمثيلية المعمول بها في العالم، وليس هناك نظام انتخابي معياري تعتمد عليه الأنظمة الانتخابية المعمول بها في العالم، إذ تتنوع بتنوع الدول، وحتي في الدول التي تنتظم في اتحاد فيما بينها كالاتحاد الأوروبي، فإن الدول فيه تتخذ أنظمة انتخابية مختلفة تماماً عن بعضها البعض. ومن هنا فإن أهم ما يميز أي نظام انتخابي هو قدرته علي تمثيل الشرائح والطبقات والاتجاهات السياسية الموجودة والعاملة في المجتمع المعني، وكلما كان النظام الانتخابي قادراً علي تمثيل أكبر لهذه الفئات كان نظاما انتخابيا أكثر قوة وقدرة. تباينت آراء العديد من الأحزاب والقوي السياسية، حول النظام الانتخابي، للانتخابات البرلمانية المقبلة، فبينما طالب حزبا "المؤتمر، والمصري الديمقراطي"، بالنظام الفردي في الانتخابات، تمسكت أحزاب "التجمع والناصري، والتحالف الشعبي"، بنظام القوائم النسبية. في حين أكد صلاح حسب الله، نائب رئيس حزب المؤتمر، أن حزبه يفضل النظام الفردي، في الانتخابات البرلمانية، لأنه الأنسب، ويسهل عملية الانتخاب بشكل مباشر. موضحا أن النظام الفردي سيعمل علي تعويض حالة الجفاف الخدمي، بجانب الدور التشريعي، ويقلل من فرص المتاجرة بالدين. قال الدكتور مختار غباشي، رئيس وحدة السياسة ب"مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، إن النظام الفردي في الانتخابات البرلمانية هو الأفضل، لأنه يعطي الفرصة للطليعة السياسية، والديمقراطية، لأنه صراع بين شخصين فقط ويفرز الأنسب، والأقرب لفهم الناخبين. وأوضح غباشي، أن القائمة تجبر الناخب علي اختيار أناس ليسوا علي هواه، مشيرًا إلي أن ميزة القائمة أنها تتيح الفرصة للأحزاب لزيادة تمثيلها في البرلمان. وقال أحمد فوزي الأمين العام للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إنهم يفضلون نظام القائمة في الانتخابات البرلمانية، مشيرًا إلي أنه لو تم التوافق علي النظام المختلط سيوافقون عليه. مؤكدا أن نظام القائمة هو النظام الأمثل لجميع الطوائف، لأنه يعمل علي تقليل الإنفاق المالي، والعصبية، بعكس النظام الفردي الذي يعززها. وفي السياق، قال توحيد البنهاوي، الأمين العام للحزب الناصري، إن حزبه يفضل، النظام الانتخابي بالقائمة، في الدائرة الفردية، لأنه الأنسب، ويلائم الواقع.وأكد البنهاوي، ضرورة أن تكون القائمة مفتوحة للأحزاب والمستقلين، لأن بها فوائد في توطيد العلاقة بين النائب والناخب، وأن كل حزب يستطيع طرح برنامجه في قائمته، ويقوي دور الأحزاب. وأشارت مي وهبهةعضو اللجنة المركزية لحملة تمرد إلي أن "تمرد" تفضل النظام الفردي عن القائمة والمختلط، مؤكدة أنه لو كانت مصلحة شباب الثورة في خوض الانتخابات علي رؤوس القوائم فإن مصلحة الوطن أن تجري الانتخابات بالنظام الفردي، داعية الأحزاب التي ما تزال ضعيفة إلي تفضيل مصلحة البلاد العامة. من جانبه، قال عاطف مغاوري، نائب رئيس حزب التجمع، إنهم ضد النظام المختلط، متمنيًا أن يكون نظام الانتخابات البرلمانية المقبلة، بالقائمة فقط، ويسمح فيه للمستقلين بأن يشكلوا قوائمهم. وأشار إلي أن نظام القائمة يعزز عودة الحيوية، والحركة للحياة الحزبية، وينهي السيولة السياسية، موضحا أن النظام الفردي يزيد التفتيت، مؤكدًا أن الديمقراطية لا تتحقق سوي بنظام حزبي قوي. وعلي جانب آخر يري معظم الباحثين في علم السياسة أن نظام التمثيل النسبي هو بلا منازع أكثر الأنظمة الانتخابية قدرة علي تمثيل مختلف مكونات المجتمع. وهو بالتالي يحقق بشكل مباشر المعني المراد من النظام الانتخابي. ويختلف تطبيق التمثيل النسبي باختلاف النظام الانتخابي المطبق في الدول التي تتبع التمثيل النسبي. فهو إما أن يكون تمثيلا نسبيا للأحزاب السياسية فقط، أو أن يكون تمثيلا نسبيا للأحزاب والمناطق، أو تمثيلا نسبيا للأحزاب والمناطق والهيئات العامة كالنقابات. والتمثيل النسبي يعني أن نسبة التمثيل في البرلمان تعتمد علي النسبة التي يحصل عليها الحزب أو التجمع في الانتخابات. وأغلب أنظمة التمثيل النسبي يعتمد نظام الدائرة الواحدة وانتخاب القائمة لا الأشخاص. وفكرة الانتخابات بنظام القائمة النسبية كما عرفها خبراء العلوم السياسية هي التصويت علي البرامج والأحزاب، وليس الأشخاص.وفي هذا النظام تكون الدوائر الانتخابية أقل عدداً وأكبر مساحة. وأهم مزايا نظام القائمة هو عدالة تمثيل الأصوات في مجلس الشعب، أي أن قيمة صوت أي ناخب متساوية، بصرف النظر عن حجم دائرته. ويرتقي هذا النظام بالمعركة الانتخابية إلي التنافس بالبرامج والأفكار، بدلاً من التركيز علي الأشخاص. في المقابل، ينتقد كثيرون في هذا النظام ضعف الارتباط بين النائب والناخب بسبب اتساع حجم الدائرة. ويري آخرون أنه يتطلب مجهوداً أكبر من الناخب للاختيار، ووجود أحزاب قوية. أما عيوب النظام الفردي انه يعطي المال وشراء الأصوات فرصة كبيرة للتأثير علي نتائج الانتخابات، كما يتيح للعصبيات والقبلية دوراً كبيراً في اختيار النواب في بعض الدوائر، استناداً إلي صلاتهم العائلية، بصرف النظر عن مؤهلاتهم وبرامجهم. ويأخذ كثيرون علي هذا النظام أنه ينتج برلماناً لا يعكس الحجم الحقيقي لأصوات الناخبين. فمن الممكن أن يصل مرشح إلي مجلس الشعب ب 10 آلاف صوت في دائرة صغيرة، فيما يفشل مرشح آخر رغم حصوله علي ضعف هذا العدد لأنه في دائرة أكبر. أخيراً، هناك النظام المختلط المعروف باسم نظام القائمة النسبية المفتوحة. وتقسم فيه الدوائر إلي مجموعتين تتوزعان بين الانتخابات بنظام القائمة والانتخابات بالنظام الفردي.