العيد من العود، ذلك أنه يعود من العام إلي العام، وهو نعمة تستحق الشكر، كونه مظهرًا من مظاهر البهجة والفرح والسعادة من جهة، وكونه فضلاً من الله تعالي يوسع فيه علي عباده بالخير واليمن والبركة من جهة أخري. ومما يستوجب الشكر دائمًا أن الأعياد في الإسلام تأتي مرتبطة بفضل الله (عز وجل) علي عباده المؤمنين بإتمام شعائرهم ونسكهم، فعيد الفطر يعرف بيوم الجائزة، يأتي عقب إتمام صوم رمضان، بما فيه من صيام، وقيام، وبر، وصدقة، وقراءة قرآن، ودراسة علم، مما يستوجب شكر الله تعالي علي هدايته وتوفيقه، وقد قال أحد الصالحين : كلما أنعم الله (عز وجل) عليّ بنعمة ثم وفقني إلي شكرها أدركت أن الشكر نعمة جديدة تحتاج إلي شكر جديد، وصولا إلي مرضاة الله (عز وجل) من جهة، ورغبة في دوام النعمة من جهة أخري، حيث يقول الحق سبحانه : » وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ» (إبراهيم : 7). أما عيد الأضحي فيأتي ختامًا للعشر الأول من ذي الحجة مع ما فيها من الفضل وعظيم الأجر، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَي اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ) يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: (وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)، ويقول (صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ). كما أنه يأتي إثر يوم عرفة يوم الحج الأكبر، وهو اليوم الذي أكمل الله لنا فيه الدين وأتم علينا النعمة، حيث يقول الحق سبحانه :» الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينًا»، وهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران، وهو يوم المباهاة، حيث يقول نبينا (صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَي يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ : انْظُرُوا إِلَي عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ( فَمَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ).. إضافة إلي فضل يوم النحر نفسه، وما فيه من شعائر الحج وشعيرة الأضحية، حيث يقول نيبنا (صلي الله عليه وسلم) : (إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ وَهُوَ الَّذِي يَلِيهِ)، ويقول أيضًا : (يومُ عرفة ويومُ النحرِ وأيامُ التشريقِ عيدُنا أهلَ الإسلامِ، وهي أيامُ أكلٍ وشُرْبٍ)، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : (مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَي اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا). علي أن للعيد فرحته وبهجته، وله آدابه، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي في كتابه العزيز : »قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» (يونس :58)، أما الآداب فمن أهمها: أن نجعل من العيد فرصة للتزاور والتراحم وإنهاء الخصومات، وصلة الأرحام، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : » إنَّ رَجُلاً زَارَ أَخَاً لَهُ في قَريَة أُخْرَي، فَأرْصَدَ الله تَعَالَي عَلَي مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً، فَلَمَّا أتَي عَلَيهِ، قَالَ : أيْنَ تُريدُ ؟ قَالَ : أُريدُ أخاً لي في هذِهِ القَريَةِ. قَالَ : هَلْ لَكَ عَلَيهِ مِنْ نِعْمَة تَرُبُّهَا عَلَيهِ ؟ قَالَ : لا، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في الله تَعَالَي، قَالَ : فإنِّي رَسُول الله إلَيْكَ بَأنَّ الله قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ»، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : » لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ : يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ »، ويقول (صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)، وفي الحديث القدسي : » قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: » أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنِ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ»، ويقول الحق سبحانه : » وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا » (النساء : 1)، ويقول سبحانه : » فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَي أَبْصَارَهُمْ » (محمد: 22، 23). أما الأمر الأهم الذي يجب أن نحرص عليه في هذه الأيام المباركة، فهو مواساة الضعيف والمكلوم، وتفريج كرب المكروبين، ومسح دموع المحزونين، وإدخال الفرحة علي الفقراء والمساكين، ابتغاء مرضاة رب العالمين.