استقبلت مصر عام 2017 بروح جديدة وخطط طموحة علي طريق ثورة الإصلاح الاقتصادي» التي بدأتها الحكومة المصرية بقوة عام 2016. وشهدت البلاد ولأول مرة منذ أكثر من نصف قرن أكبر »عملية تاريخية» - إن جاز التعبير- لبناء اقتصاد قوي وواقعي وعلي أسس حديثة. وانطلقت هذه العملية وفق مبدءين أساسيين: أن الشعب هو الهدف وصاحب المصلحة في التغيير وهو الشريك الرئيسي وصاحب القرار. الشفافية والمصارحة الكاملة بحقائق الوضع الاقتصادي وعرض خطوات الإصلاح مهما كانت صعوبتها علي الشعب الذي اقتنع وآمن بأن الإصلاح الجذري لابد أن يحدث »الآن وليس غداً». وهنا لابد أن نقول بأن المصريين الذين يدفعون هذه الأيام ثمناً باهظاً لفاتورة الاصلاح هم الأبطال الحقيقيون الذين يمهدون الأرض للأجيال القادمة التي ستجني ثمار اقتصاد عصري وقوي لا يقوم علي »أوهام الدعم» الذي لم يكن يذهب إلي مستحقيه الحقيقيين. ونحن عندما نري المؤسسات المالية الدولية وهي تقف مع مصر في خطتها الطموحة وتقدم أقوي دعم للاقتصاد المصري عبر قروض وتسهيلات كبيرة (وفي مقدمتها قرض صندوق النقد الدولي بإجمالي 12 مليار دولار) فهذا يعني شهادة ثقة في هذا الاقتصاد القادر علي تجاوز الصعاب وتحقيق قفزات مبشرة في النمو السريع والقدرة علي اجتذاب الاستثمارات المحلية والخارجية. وفي شهادة أخري وضعت مجلة الإيكونوميست الدولية مصر ضمن أفضل 12 وجهة جاذبة للاستثمار في 2017 ويتابع العالم كله هذه الأيام الإجراءات القوية والواعدة التي من شأنها تهيئة المناخ لجذب الاستثمارات وطمأنة المستثمر المحلي والأجنبي وتشجيعه علي الاستثمار وتعظيم عوائد مشروعاته في مصر ومن أهمها: تحرير سعر الصرف وهي الخطوة التي رحبت بها المؤسسات المالية باعتبارها حجر الأساس في إعادة هيكلة الاقتصاد المصري ولعودة الاستثمارات وتشجيعها، ولما لها من آثار كبيرة في دعم الصادرات وزيادة تحويلات المصريين بالخارج عبر البنوك المصرية وإنعاش القطاع السياحي. قانون الاستثمار الجديد » ويمثل هذا القانون نقلة نوعية لتحفيز وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، كما أنه سيحول مصر إلي مركز لوجيستي عالمي ويوفر الحماية للمستثمر من الوقوع تحت طائلة البيروقراطية الحكومية. ولكي يأتي هذا القانون بثماره فلابد أن يقوم البرلمان مع الحكومة بتعريف المجتمع الدولي بمزايا القانون عبر برلمانات العالم والسفارات المصرية. قانون الإفلاس، وهو من أهم خطوات الإصلاح التي تتيح الفرصة لهيكلة المشروعات المتعثرة قبل الدخول في مرحلة الإفلاس، والحد من آثار الإفلاس علي المستثمر حسن النية وطمأنة المستثمر وتشجيعه للدخول بأكبر قدر من استثماراته إلي مصر. ولعل مايحتاجه المصريون خلال الفترة القادمة هو تعزيز »ثقافة الادخار» بدلاً من »ثقافة الكاش» السائدة، وتشجيع المشروعات الصغيرة ودعم رواد الأعمال وفتح آفاق جديدة أمام المشروعات الجديدة والعصرية للشباب. لقد بدأت الدولة والقيادة السياسية بالفعل خطوات كبيرة في مجال إطلاق طاقات الشباب وتفعيل مشاركتهم في صنع القرار السياسي والاقتصادي وتمثل ذلك مؤخراً في المؤتمر الوطني الأول للشباب بشرم الشيخ الذي افتتحه وشارك في فعالياته الرئيس عبد الفتاح السيسي. البرلمان يجب أن يكون حامياً للاستثمار ومهيئاً للمناخ القانوني المطمئن للمستثمر المصري والأجنبي، وأي مستثمر يأتي بأمواله إلي مصر يجب أن يكون متأكداً أن البنية القانونية في مصر تضمن استثماراته. وقد اهتم مجلس النواب الحالي منذ دور الانعقاد الأول بالتشريعات الداعمة لخطوات الحكومة الرامية لإحداث إصلاح جذري في التوجه الاقتصادي للدولة بما يتلاءم مع احتياجات الدولة المصرية ومع مقتضيات العصر. ويتحمل البرلمان مسئولية تاريخية في تطهير الجهاز البيروقراطي الحكومي وملاحقة الفاسدين في المحليات وفي جميع القطاعات. ومما لاشك فيه أن أكثر ما يحتاجه المصريون في اعتقادي لكي تكتمل منظومة الإصلاح الاقتصادي هو إحداث تغيير شامل في ثقافة العمل وفي نظرتهم لقيمة العمل والإنتاج والإتقان والجودة. وهنا لابد أن نؤكد علي الأهمية القصوي لتطوير التعليم الفني في مصر الذي يجب أن يكون حجر الأساس في تغيير مفهوم ثقافة العمل. مصر أرض الحضارة، وحاضنة ثقافات العالم، وأرض الفرص الواعدة، شعبها علي مدار تاريخه يرحب بالزائرين ويحتضن المقيمين ويشعر كل من عاش فيها بالأمن والأمان. ولأن الانسان المصري صمد ونجح في »اختبار التحمل والتحدي» خلال السنوات الخمس الماضية، فهو قادر بالإرادة وبثقافة الإنتاج والعمل علي الانتصار في معركة البناء وعلي المضي قدماً في ثورة الإصلاح، وذلك لأنالهدف الأسمي هو تحسين مستوي معيشتنا نحن المصريين. إن العالم كله في حالة تنافس لجذب الاستثمارات العالمية والمستثمر لن يذهب إلا إلي الوجهة التي يقتنع أن لديها مقومات النجاح.