المال له حرمة كبيرة لا يجوز المساس به أو الاعتداء عليه بدون حق، يقول سبحانه : » وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَي الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ»، ويقول سبحانه : » يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَي اللّهِ يَسِيرًا »، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : » إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، ويقول (صلي الله عليه وسلم) في خطبته الجامعة في حجة الوداع: »إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا »، ويقول (صلي الله عليه وسلم): »لا يدخلُ الجنةَ لحمٌ نبتَ من سحتٍ، وكلُّ لحمٍ نبتَ من سحتٍ فالنارُ أولي به»، وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ النَّبِيَّ (صلي الله عليه وسلم) قِيلَ لَهُ فِي رَجُلٍ كَانَ يُمْسِكُ بِرَأْسِ دَابَّتِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ: اسْتُشْهِدَ فُلَانٌ فَقَالَ: (إِنَّهُ الْآنَ يَتَقَلَّبُ فِي النَّارِ) قِيلَ: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ: (غَلَّ شَمْلَةً يَوْمَ خَيْبَرَ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَخَذْتُ شِرَاكَيْنِ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: (شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ)، وعن أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ (رضي الله عنه) أن النبي (صلي الله عليه وسلم) اسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَي الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي قَالَ فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَي لَهُ أَمْ لاَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَي رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّي رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاَثًا)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عَنِ النَّبِيِّ (صلي الله عليه وسلم) قَالَ: »يَأْتِي عَلَي النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ»، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) أن سيدنا سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : »يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَي بِهِ»، لذا كان بعض الصالحين يتركون بعض الحلال مخافة أن تكون فيه شبهة حرام. غير أننا نجد أنفسنا أمام نوعين من استحلال المال بدون حق، النوع الأول استحلال المال العام مع أموال المخالفين، سواء في الدين أم في المذهب أم في الجماعة، وهو ما تقوم به وتؤصله الجماعات الإرهابية المتطرفة من استحلال أموال المخالفين، واستحلال المال العام، واستحلال عمليات التزوير والتزييف سواء للعمولات أم للمستندات قصد الحصول علي التمويل الذي تمول به عملياتها الإرهابية، أو في قضاء شهوات عناصرها وملذاتهم، أو في شراء الضمائر والنفوس والذمم أو في تكوين ثروة اقتصادية هائلة للجماعة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد لدي هذه الجماعات المتطرفة إنما تجاوز ذلك إلي أن ما لا تستطيع أن تأخذه أو تنتزعه فعليك أن تتلفه، فاتخذت هذه الجماعات من تعطيل مرافق الدولة أو إفسادها أو إتلافها مسلكًا ومنهجًا، ورب العزة (سبحانه وتعالي) يحذر من الفساد والإفساد ومن هؤلاء الذين يتاجرون بمعسول الكلام ويتلاعبون بمشاعر الناس وعواطفهم، فيقول سبحانه : »وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَي مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّي سَعَي فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ». النوع الثاني : هم من يستحلون المال العام مال الدولة فيعتدون عليه، فهم كما قال الحق سبحانه: »سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ»، وهو ما حذر منه الحق سبحانه وتعالي فقال : » وَتَرَي كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ »، ويقول سبحانه : » سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ »، علمًا بأن المال الحرام سيكون وبالا علي صاحبه في الدنيا والآخرة، فهو مال ممحوق البركة، وحتي لو حج صاحبه به واعتمر أو تصدق به فحجه وعمرته مردودان عليه، وصدقته لا ترفع لأن الله (عز وجل) طيب لا يقبل إلا طيبا.