بعض من أجدع وأشجع وأروع شباب الثورة خرجوا فى جمعة أمس، كما فى جمعات كثيرة سابقة على مدى خمسة عشر شهرا، يرفعون شعارهم الأنصع والأسطع «يسقط يسقط حكم العسكر»، حيث كانوا أول من انتبه ونبه إلى خطورة ومأساة واستحالة استمرار مصر فى مرحلتها الانتقالية تحت حكم وسيطرة مجموعة من الفشلة سياسيا بكابات الشرف العسكرى، إنه الحكم الذى أريق فيه دم شهداء بيد سلطة متواطئة أو مخططة أو متفرجة أو مهملة أو مشاركة أو متعمدة أكثر مما نزف من دم الشهداء فى ثورة ضد مبارك. هذا الحكم الفاشل سقط فى هوة تخريب مصر نفسيا واقتصاديا وتجريف للثورة ونزع طاقة الأمل وحلم التغيير من قلوب كثير من المصريين، وهو الحكم الذى سلم البلد إلى إرهابيين عادوا من توبتهم عن الإرهاب، وقتلة سابقين ندعو الله أن لا يلحقوا بما سبق، ومتطرفين وكذبة متاجرين بالدين إلا من رحم ربى وصدقت نواياه منهم، حكم ساقط قولا وفعلا طولا وعرضا، وسيعلم الظالمون أى منقلب ينقلبون، وسيعلم الفاشلون أى منتهى ينتهون. هذا هو شباب مصر الذى طلع أنصح من كل مكتب الإرشاد على شيبته، وطلع أكثر مثالية واستقامة من كل شيوخ ودعاة ووعاظ السلفية الذين سمموا أفكار الناس على مدى أكثر من عام بالسب والطعن فى دين هذا الشباب وتخوينه واتهام قوى مصر المدنية وليبرالييها ويسارييها بأنهم كفرة وعملاء ومأجورون ويريدون هدم الدولة، حين كانوا يهتفون بسقوط حكم العسكر. والحقيقة أنه بدا أمس للجميع مَن الغافل ومَن العاقل ومَن المغفل ومَن المفكر.. لقد خرج التيار الإسلامى بكل ممثليه ينادى بسقوط حكم العسكر. لكن ليه إن شاء الله؟ لأسباب شخصية ومصالح ضيقة ولانتهازية مفرطة. لقد أخبرنا الدكتور محمد مرسى ود.عبد المنعم أبو الفتوح، وحذرا وأنذرا، كلٌّ فى مؤتمره الانتخابى وأضاف لنا خيرت الشاطر من الشعر بيتا وحسموا أمرهم وقالوا إن تزوير الانتخابات يعنى قيام ثورة ثانية، وها هم أنصارهم ومؤيدوهم أمس، يحاولون تقديم بروفة متواضعة للثورة الثانية. لكن دعك من أننا نعتبر الانتخابات البرلمانية قد شابها عوار تزوير سابق ولاحق لإجرائها، ومع ذلك لا أظن أحدا طالب بثورة ثانية، لأنه سقط فى الانتخابات، فضلا عن سكوت متواطئ من كل القوى المدنية على أن هذا البرلمان باطل دستوريا وقانونيا، رغم أن هناك من يزعم مطمئنا أن المحكمة الدستورية تخضع لابتزاز يومى من التيار الدينى حتى لا تعلن حكما ببطلان البرلمان خوفا من إرهاب الإرهابيين. ومع ذلك خلينا فى اللى احنا فيه. يعنى إيه انتخابات الرئاسة ستُزور. آه.. إن مفهوم التزوير عند مرسى وأبو الفتوح هو أن يخسر أحدهما مقعد الرئاسة، طبعا هذا هو التزوير من وجهة نظر المرشحَين الإسلاميَّين. حسب حساباتهما فإن المنافس الوحيد لهما هو عمرو موسى، وبلغت بهما الثقة المفرطة فى الذات عدم تصور قوة حمدين صباحى على المنافسة، ومن ثم لا خطر قادما إلا من موسى، ومن ثم فإنهم سيعتبرون فوز موسى تزويرا (يستبعدون دخول شفيق حلبة المنافسة على المقعد الرئاسى)، ولذلك يمهدون إلى اعتبار فوز موسى -إن تحقق- تزويرا. هذه خلاصة تحذيرات الإخوان الثلاثة «الشاطر ومرسى وأبو الفتوح» (وطبعا سوف يتهموننا -بالتدنى المعهود- أننا نخدم موسى وصباحى بما نكتب)، لكنهم يصادرون إذن على حق الجماهير فى الاختيار الحر، وكأن الناس لا يمكن أن تختار إلا واحدا منهم، كأنه من المستحيل أن يخسروا إلا بالتزوير، وترتفع العقيرة تحذر من اعتبار فوز أحد غير مرسى أو أبو الفتوح تزويرا، وسيقلبون مصر عاليها واطيها ويفجرون ثورة ثانية، وكانت الجمعات المليونية والمسيرات نحو وزارة الدفاع والهجوم على «العسكرى» والهتاف لأول مرة من حناجر الإسلاميين «يسقط يسقط حكم العسكر» عينة بينة لما يحاولون التهديد به تلميحا وتصريحا! إنه نفس ما فعله حازم أبو إسماعيل، فيبدو أن المرشحين الإسلاميين كلهم حازمون فعلا. إما أن يدخل الانتخابات بل ويفوز، وإما أن تبقى مؤامرة كونية عليه وخطة دولية محلية قضائية مدنية عسكرية باذنجانية للتزوير ضده، ومن ثم تتحول مصر جحيما، من أجل رجل لا يقول الحقيقة، ومريدين لا يصدقون أن شيخهم لا يقول الحقيقة! ها هو مرسى وأبو الفتوح يفعلان نفس الفعل، ويهيئ الإخوان جماهيرهم الإسلامية إلى فعل أفاعيل الحازميين. سنشعلها ثورة لو لم ينجح مرسى أو أبو الفتوح. لكن تيجى ناحية عمرو موسى تبقى تزوير.. المهم بل الأهم أن السيدَين مرسى وأبو الفتوح ممن دعوا -مع تيارهم الإسلامى المنغلق والمنفتح والمتوارب- لقول «نعم للاستفتاء على التعديلات الدستورية» التى صاغها أستاذهم طارق البشرى، ولم يلتفت العبقريان المرشحان إلى أنهما يدعوان الناس إلى الموافقة على مادة تحصن لجنة الرئاسة، وتجعلها صاحبة سلطة مطلقة فى إعلان رئيس البلاد، أين كانت عقلية ورشادة مرسى وأبو الفتوح يومها؟ وكيف يثق المصريون فى مرشح ماكانش عارف مصلحته ورجع فى كلامه ويخشى أن يسقط فى حفرة هو من حفرها لنفسه؟ الآن حصحص الحق وعرفنا أننا إما أن ننتخب مرسى أو أبو الفتوح وإما سيشعلان البلد نارا.. لقد وصلت الرسالة وشكرا لسعاة البريد.. فقط بقى أن ننتظر رد المرسل إليهم!