لأول مرة منذ يوم 25 يناير 2011 يتسلل اليأس إلى نفسى فى اللحظة التى عرفت فيها أن المواطن المسحول حمادة صابر هلالى قال إن الشرطة بريئة من سحله أمام قصر الاتحادية ليلة الجمعة الماضية وأن الذين سحلوه مرتزقة مأجورون. لست متشائما بطبعى، لكن قصة هذا المواطن بكل تفاصيلها تعنى شيئا واحدا وهو «مفيش فايدة»، وأن استمرار التفكير بهذا المنطق داخل جهاز الشرطة يعنى أيضا أنه ارتد إلى عصر ما قبل حبيب العادلى، ويعنى أشياء كثيرة كلها سلبية. هناك احتمال بنسبة واحد فى المليون أن المواطن المسحول عضو فى جمعية محبى الشرطة وفى جمعية «أنصار الاستقرار» ومن مريدى السيد رئيس الجمهورية، وأنه قرر النزول من بيته لدعم الرئاسة والداخلية، وأنه تعرض للضرب والتنكيل والإهانة من قبل المتظاهرين الذين جردوه من ملابسه!. وهناك احتمال آخر أن يكون المتظاهرون أبرياء من هذه الجريمة، وأن مرتكبيها هم «كائنات فضائية» نسبة إلى الفضاء وليس إلى المحطات الفضائية المعارضة للرئيس. لنفترض أن أى جهة هى التى ارتكبت هذه الجريمة غير أفراد الشرطة فالسؤال البسيط هو من اذن الذين ظهروا فى الفيديو وهم يسحلون حمادة صابر؟!. إذا كانت الكائنات الفضائية أو الأرضية أو المرتزقة المأجورون هم الذين جردوه من ملابسه ثم ألقوه أمام قصر الاتحادية، فلماذا لم يستره جنود الشرطة الملائكيون الذين كانوا يحرسون المكان من المردة والشياطين؟!!. هل هناك احتمال افتراضى آخر أن الذين ظهروا فى شريط الفيديو يسحلونه هم متظاهرون خلعوا ملابسهم وارتدوا ملابس الشرطة حتى يشوهوا صورتها؟. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تضبطهم الشرطة بل سارعت إلى الاعتذار للشعب مساء الجمعة بعد الواقعة بدقائق.. ولماذا اعتذرت الرئاسة، وأشادت باعتذار الداخلية، ولماذا سارع معظم أركان الحكومة والرئاسة إلى الاعتذار طالما أن مرتكبى الجريمة هم من المرتزقة المأجورين؟!. وزارات داخلية عصر مبارك كانت ماهرة فى مثل هذا النوع من التلفيق والتدليس والغش والخداع، وكلنا نتذكر واقعة تعذيب سائق الميكروباص عماد الكبير الذى أنكر تعذيبه فى البداية بعد تهديده، ثم انطلق يحكى القصة الحقيقية بعد أن ضمن حماية الإعلام والرأى العام. ونعلم جميعا أن آخر «افتكاساتها» فى هذا الشأن هى واقعة خالد سعيد كانت أحد الأسباب الرئيسية فى اندلاع الثورة. كل وزراء الداخلية بعد ثورة 25 يناير اقسموا بأغلظ الأيمان أن عقيدتهم الأمنية تغيرت، وأنهم صاروا فعلا فى خدمة الشعب وليس النظام، وآخرهم الوزير الحالى الذى لم يمض على توليه منصبه شهر. كثيرون أشادوا بسرعة اعتذار الداخلية عن فعلة السحل الشنعاء واعتبروها دليلا على بداية التغيير باعتبار أن الذين ارتكبوها ربما يكونوا جنودا وقع عليهم ضغط عصبى، لكن الارتداد السريع وخروج «المسحول» ليقول إن الشرطة لم تلمسه بل ساعدته أهدر كل شىء. لا ألوم حمادة صابر لنفيه لأن الله وحده يعلم ما تعرض له، وعلينا ان نحيى شجاعة ابنته وبعض اقاربه لتأكيدهم على الضغوط التى تعرض لها. ألوم الداخلية على سلوكها باعتباره يمثل بقايا العهد الماضى الذى يصعب أن يزول بسهولة، لكن استغرب تماما هذا التماهى والتحالف الغريب بين هذا النوع من أجهزة الأمن وبين جماعة الإخوان الذين ذاقوا الأمرين من هذه الأجهزة، وفجأة صارا «سمنا على عسل». قصة المواطن المسحول من «الكائنات المجهولة» أفضل مثال على أن دولة مبارك لا تزال حية ترزق.