لأعوام ظلت أصغر دولة فى العالم دون سفير، الفاتيكان تفتقد طوال سنوات من يمثل مصر فيها، فلا سفير هناك يرعى الجالية المصرية ويكون وسيطا لتقريب المسافات بين مسلمى مصر ومسيحيى العالم.. حتى صدر قرار الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية، بتعيين نائبه المستشار محمود مكى سفيرا لمصر بتلك الدولة التى كان فراغ منصب السفير المصرى فيها سببا فى أزمات بين مؤسسة الرئاسة والقضاء. اختيار «مكى» كان مفاجئا ومثار جدل دبلوماسى؛ فالمنصب الذى رفضه المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام السابق، بعد إعلان مؤسسة الرئاسة تعيينه به، قبله «مكى» بعد أن ألغى الدستور الجديد النص على وجود نائب للرئيس. قدم المستشار محمود مكى استقالته من مؤسسة الرئاسة، طالبا عودته إلى البيت القضائى، لكن الرئيس مرسى أبقى عليه ليستكمل رئاسة جلسات الحوار الوطنى، وبعد الانتهاء من الجلسات قرر مكافأته بتعيينه سفيرا بالفاتيكان، وسط جدل دبلوماسى لم يتوقف؛ ففى الوقت الذى أعلن فيه سفراء سابقون أن نائب الرئيس لم يكن دبلوماسيا بوزارة الخارجية، وأن تعيين السفراء يجب أن يكون بترشيح من «الخارجية» ليصدر الرئيس قرار التعيين، أعلنت وزارة الخارجية ذاتها أنه لا يوجد ما يمنع من تولى القاضى محمود مكى هذا المنصب. ارتبط اسم المستشار محمود مكى بالفاتيكان منذ ثلاثة أشهر فى الموقعة الشهيرة الأولى للإطاحة بالمستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام الشرعى، الذى أقاله الرئيس بمعاونة «مكى» لاحقا وبشكل غير شرعى بإعلان دستورى وصفه خبراء القانون والقضاة ب«المنعدم». محاولة أُجبر فيها النائب العام على ترك منصبه بعرض منصب سفير مصر فى الفاتيكان عليه، ثم إعلان تعيينه قبل رفضه أو قبوله المنصب، ليضع مؤسسة الرئاسة فى حرج كبير، ويخرج نائب الرئيس مدافعا عن قرار الرئيس ومتهما الإعلام بأنه هو الذى فجر الأزمة، وأن عبدالمجيد محمود كان موافقا على توليه منصب السفير، لكن إعلان القرار فى وسائل الإعلام وتضخيمه وتناوله على أنه إقالة جعلت النائب العام يتراجع عن موافقته. دافع نائب الرئيس عن الإعلان الدستورى، ولم يبال بإهدار القانون، نسى الأعراف والتقاليد القضائية التى تربى عليها، انتقل من على منصة القضاء للعمل برئاسة الجمهورية نائبا للرئيس، مدافعا عن قراراته. ترك «مكى» الرئاسة بعد أشهر قضاها داخلها، أعد فيها قوانين الانتخابات، ورسم خارطة التشريعات والقوانين التى تمكن لدولة جماعة الإخوان المسلمين التى ينتمى لها رئيس الجمهورية، وذلك بحسب قانونيين وقضاة. خاتمة ملائمة للمستشار محمود مكى، خاصة أن عودته للقضاء بعد تركه منصب نائب الرئيس تبدو غير مقبولة، فى ظل رفض قضاة بمحكمة النقض، التى ينتمى إليها مكى، عودته للجلوس على المنصة مرة أخرى للفصل بين المتقاضين بعد أن تدثر بعباءة السياسة، وخلع عنه عباءة القضاء.