فى عام 2006 غطيت الحرب بين إسرائيل وحزب الله كمراسل ل«بى بى سى»، إذاعة لندن. لم تكن المرة الوحيدة التى أغطى فيها صراعا مسلحا. لكنها كانت المرة الأولى التى أغطى فيها حربا من الجبهتين. فى النصف الأول من حيفا، وفى النصف الثانى من البقاع. من الناحية الإنسانية كانت أمرا مرهقا لأسباب كثيرة أهمها قرابتى اللبنانية، ولكن من الناحية الصحفية كانت فرصة عظيمة أن ترى نفس الحدث، بتفاصيله، بالتعليقات عليه، بالقراءة الاستراتيجية له، من طرفى الحرب. وسأشير هنا إلى سياسى عظيم، أكن له كل احترام منذ حرب لبنان حتى الآن، هو الأستاذ فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء اللبنانى وقتها. الشخصية التى كانت مبغوضة فى إسرائيل لحنكته السياسية التى خرجت بلبنان بأقل الخسائر، من حرب كان يمكن أن تطول ولا تكتفى بالقرار 1701. لكننى فوجئت إذ انتقلت إلى الجهة اللبنانية أن حزب الله الشيعى -هو الآخر- يشن حملة على السنيورة، بدافع سياسى/طائفى، ويتهمه بأنه كان عونا للإسرائيليين فى حربهم. نفس حملة الكره الشعبى التى شنها الحزب الشيعى على رفيق الحريرى من قبل، والتى انتهت باغتياله عام 2005، فى عملية يحتاج المرء إلى أن يكون مغفلا جدا لكى يصدق أن حزب الله ليس شريكا/منفذا فيها. لا سيما أن الاغتيالات بحق رموز سنية ومسيحية حليفة لها استمرت فى العام التالى، 14 اغتيالا لسياسيين وكتاب وصحفيين. وكانت الضاحية الجنوبية -عنوان الصمود والمقاومة هع- توزع الحلوى بعد كل اغتيال. قبل أحداث سورية كنت حين أقول هذا أوصف -كالعادة- بأبشع الأوصاف. بداية من التأمرك والتصهين، مرورا بانعدام الوطنية، وصولا إلى «خذلان المقاومة». ما علينا! اعذرينى لأننى آخذك من سنة إلى سابقتها، لكن لا مفر. هذه المنطقة منطقة أحداث وإشاعات فى آن واحد. يحدث الحدث فى العراق مثلا، لكنه يروى فى مصر بطريقة مختلفة تماما. وبكذب لا عن مجرد جهل، بل عن سوء طويّة، وفى أحسن الأحوال عن بطء فهم، وبطء الفهم فى السياسة قاتل. نحن الآن فى 2004، قضيت فى العراق شهرين أيضا مديرا منتدبا لمكتب «بى بى سى» العربية، من مارس وحتى مايو. والعراق، إن كنت لا تعلمين، غزاها الأمريكان عام 2003، بمباركة صامتة من محور الممانعة الإيرانى، الذى يهتف فى ميادين طهران: «الموت لأمريكا». وبمباركة فعالة من رجال المحور فى العراق، الأخ عبد العزيز الحكيم، والأخ مقتدى الصدر، يتقدمهم آية الله العراقى، السيد على السيستانى. لاحظى أن القيادة المركزية لهذا المحور فى طهران كانت تمهد الطريق لجيوش الأمريكان إلى العراق، بينما ترسل الأسلحة إلى حزب الله لافتعال حرب لم يكن لها داعٍ مع إسرائيل تحت دعوى تطهير أرض فلسطين من أذناب المؤامرة «الصهيو صليبية». ولاحظى أن أذنابه الإعلامية كانت تقدم له -عن جهل أو مقابل أموال- خدمات مجانية وتشهر مثلا بالأستاذ السنيورة فى مصر، تحت دعوى نصرة المقاومة. وكذلك كانت قناة «الجزيرة» القطرية تفعل فى عموم العالم العربى. لقد كانت قطر وقتها حليفا لذلك المحور. (انتبهى انتبهى انتبهى). كما كان غيرها من الإعلاميين المصريين «الوطنيين»، بداية من الكاتب الكبير، وانتهاء بالكاتب وطنى. نفس مؤيدى سياسة حماس فى غزة حاليا. وبنفس الادعاءات -أيضا- كراهية إسرائيل وحب المقاومة. هذا الخيط الذى سيستمر معنا فى المقال. فلا تستهينى به. وقبل أن تتهمينى بأننى أكتب مقالا مدفوعا طائفيا، أؤكد لك أن هذا أبعد شىء عنى. بل كتبت ما كتبت لكى أقول إن السياسة لا تحترم من ينظر إلى الوجه الظاهر، ومن يغتر بالشعارات. ما من كارثة سرنا إليها، إلا وكانت تحت شعار محبوب. ثم إننى، وهذا هو الأهم، رويت ما رويت من التاريخ الحديث، وسأروى المزيد، لكى أصل بك إلى أن هذا التلون من الأحزاب الجهادية الشيعية، هو بالضبط ما نراه الآن من الأحزاب الجهادية السنية، وحلفائها الإعلاميين. فى عام 2006 حدث فى مطار بيروت حدث مهم جدا جدا جدا لفهم ما يحدث فى القاهرةوغزة اليوم.. غدا نذهب معا إلى هناك.