... من قبيل السخرية فقط نقول إن المرسى ومن حوله يؤسسون الآن لجمهورية المانجو على غرار جمهوريات الموز فى أمريكا اللاتينية. جمهوريات الموز سُمّيت كذلك تعبيرا عن هيمنة الشركات الأمريكية المهتمة بالموز على أنظمة الحكم فى بعض دول أمريكا اللاتينية وهو ما يمتص مناعة هذه الدول فتقع أسيرة عصابات المخدرات لتكتمل عناصر الموز. أما المانجو فهى الفاكهة المصرية الأكثر لذة وذوقا رفيعا فى المذاق، والأكثر احتياجا إلى الفوضى فى طريقة التهامها. لكنها بالنسبة إلى الرئيس المرسى هى حيلة الهروب من سؤال عن ارتفاع أسعار الخضراوات الأساسية ومن بينها الطماطم... رد المرسى «لكن المانجو رخصت..». المانجو هنا كشفت عن طريقة فى إدارة الحكم تبلورت قبل نهاية ال100 يوم.. وهى التغطية على السياسات الفاشلة بكلام يبدو بسيطا أو صادرا من رجل بلا وعى سياسى لكنه فى حقيقته يبعد التفكير عن الأصل. يقدم المرسى حبة المانجو مقابل عدم التفكير فى سياسة الأسعار، وهى سياسة مستمرة قبل أن يصل إلى الرئاسة، لماذا يدافع عما لم يكن مسؤولا عنه مسؤولية كاملة؟ لأنه ببساطة لا يملك البديل. ليست لديه سياسة جديدة، وكل ما يحلم به هو أعوان وحلفاء خارجيون يضخون مِنحًا واستثمارات يعيد بها بناء سياسة مبارك الاقتصادية والمالية. إنها المانجو كما كان الكنتالوب سحر عصر مبارك الزراعى... ما هى سياساتك يا سيادة الرئيس؟ وماذا فعلت فى ال100 يوم لتؤسس عليها سياسة جديدة تربط الأسعار بالمرتبات؟ ليس لدى الرئيس سوى المانجو. لا سياسات جديدة لتوفير السلع الأساسية.. ولا مشاريع تدرس الخروج من نفق سياسات مبارك لأنها نفس سياسات المرسى مضافا إليها سحر المانجو. حكومة قنديل ليس لديها شىء هى الأخرى.. تعلن عن إلغاء الدعم وتبدأ بالبنزين والغاز ولا تفكر مثلا فى ربط الدعم بسياسة جديدة للأجور أو بمزيد من الحلول المبتكرة لأزمة صعوبة الحياة على الفقراء. هكذا نحن أمام رئيس وحكومة بلا خيال سياسى تقريبا إلا إذا اعتبرنا الحيلة نوعًا من الخيال واعتبرنا المانجو يمكنها أن تحل مشكلات الحياة اليومية. عقل السلطة يتعامل على أن المواطنين عبء يفكرون فى ترويضه بالمسكنات، وهذا هو الفرق بين تجربة مصر والبرازيل فى العبور من مستنقع أزمات الفقر إلى آفاق النمو الاقتصادى القائم على العدل. فى البرازيل كان الاجتهاد فى سبيل الوصول إلى حلول مبتكَرة وخيال يؤسس سياسات جديدة لا يعيد القديمة فى أوانٍ جديدة. المانجو هى الحيلة المدهشة التى أنقذت المرسى من السؤال، لكنها أوقعته فى مصيدة السخرية وهذا ما سنعيشه فى الفترة القادمة، سخرية فى مواجهة محاولات بناء نظام التسلط، وهذه المرة تحت حماية دروع تضع اسم «الشريعة». تعترض على قانون الطوارئ فيخرج وزير العدل يقول لك إن الطوارئ مذكورة فى القرآن..؟ ماذا يمكن أن نقول بعد تصريح الوزير؟ أمامنا حلان: الأول أن نصمت لأنه لا يمكن معارضة كلام الله، والثانى أن ندخل فى دوامة: الطوارئ حلال أم حرام. وهذه هى المانجو التى يبيع بها المرسى ونظامه بضاعتهم القديمة. بدلا من التفكير فى حزمة قوانين تفتح مجال الحريات يفكرون فى تدعيم السلطة بقوانين تطارد حريات التعبير والاعتقاد والرأى، وبدلا من أن يتم تعديل قانون الطوارئ ليتخلص من نصوصه القمعية، وذلك فى ظل حزمة قرارات وقوانين تطور أداء الشرطة.. يطرح الطوارئ وحده... وباستخدام سلاح أنه فى الشريعة. هذه هى جمهورية المانجو.. تمرر النظام القبيح بعد أن تضع عليه ماركات مقدسة... هذه هى جمهورية المانجو.. إنهم يحمون الاستبداد بالقداسة الهابطة من السماء. هذه هى جمهورية المانجو.. ابتسم وأنت ترى الفقراء يزدادون فقرا، والديناصورات تتغير عناوين شركاتهم، والحريات تدخل مرحلة الندرة. هذه هى جمهورية المانجو.. ابتسم.. فلم تمر ال100 يوم بعد، وقد أدخل المرسى نوعا جديدا فى سلالة جمهوريات العصور الوسطى.