.. وقد كنت فى السابق كتبت مقالين طويلين يحملان العنوان أعلاه، وكان تعليقا على هيبة الدولة التى يقدسها البعض أكثر مما يقدسون الدم، والأعين الغالية، والكرامة الإنسانية. يفهم البعض، وهم محقون فى فهمهم، أن هيبة الدولة هى كسر أنف الفرد، وسحق الإنسان، حيث إن الدولة كيان اعتبارى، ومفهوم لا يوجد إلا فى الأذهان، خلقه أصحاب المصالح الذين يرغبون فى السيطرة على الموارد، والتحكم فى عباد الله، وأنَّى لك أن تتحكم فى من وُلد حُرًّا إلا بكسر أنفه وكرامته وإرهابه وبث الرعب فى نفسه من مؤسسات الدولة، ومن جيرانه فى المجتمع، ومن نفسه، فيبيت الإنسان يأتمن الدولة على نفسه وقوته ومقدراته ومستقبله وحياته أكثر مما يأتمن نفسه، ويقبل بصدر رحب أن يدفع الضرائب لمؤسسات تخفى عنه حقائق ما يجرى ويؤثر بشكل مباشر على حياته بوصفها «أسرار دولة»، ويقبل أن تُسفك الدماء وتُفقأ الأعين للحفاظ على «هيبة الدولة»! أبوكو على أبو هيبة الدولة على الدولة ذات نفسها... انتو مش خايفين من ربنا؟ لعب النادى الأهلى مباراة منقطعة الجماهير بعد أن فر اللاعبون هربا من جمهورهم الذى طالما شجعهم، وبذل الجهد والمال من أجلهم، وسافر خلفهم فى جميع المحافظات والعواصم العالمية، ذلك لأن الجمهور الذى صنع اللاعبين وخلق نجوميتهم طالبهم بالكف عن اللعب إلى حين القصاص للقتلى الذين ماتوا وهم يشجعونهم، فما كان من اللاعبين، عدا أبو تريكة الذى سيعاقَب على فعلته الشنعاء ألا وهى الولاء للدم، إلا أن تجاهلوا من صنعوهم: إيه يعنى شوية ناس ماتوا.. عايزين نلعب.. يعنى مانلعبش؟ وشارك أحباب الجماهير فى إرغام أنوف المكلومين بقتل أصدقائهم على أعينهم، ولعبوا المباراة حفاظا على «هيبة الدولة» التى لم تهتز لقتل 74 شابا وكانت ستهتز أيما اهتزاز إذا لم تقم احتفالية حصد الملايين بلعب مباراة كرة قدم. ودخل اللاعبون إلى الاستاد فى حماية الشرطة التى كانت قد فتحت أبواب استاد بورسعيد للبلطجية كى يقتلوهم، وهربوا من جمهور الألتراس الذى فدى اللاعبين بأرواح شبابهم حيث كان الشباب يصرخ فى البلطجية: اللعيبة لأ... موّتونا احنا. وإننى لست معنية بإدارة رجال الأعمال التى تقود النادى الأهلى، ولست معنية بمدحت شلبى اللى أمه نفسها مش طايقاه، ولا شوبير، ولا مجدى عبد الغنى، ولا أى من مجموعة الشبعة بعد جوعة، لكننى معنية بمجموعة شبعة من بعد جوعة تانية... سيادة الدكاترة اللواءات لاعبى النادى الأهلى... وكسة عليكو وعلى اللى لبسكوا بِدل وطلعكوا من اللعب بالكورة الشراب للتوقيع على الأوتوجرافات وعمل منكو بنى آدمين ولولاهم كان زمانكو شوية عيال فاشلة فى الدراسة قاعدة على القهوة مش لاقية شغلانة تلمها... هى كده؟ الواحد ينسى أصله كده؟ سلمتوا على مبارك المخلوع وقعدتوا مع الوزرا والفنانين ونسيتوا الحارة اللى جايين منها؟ يا ريتها كانت قعدت عليكو بططتكو ساعة ما خلفتكوا. لمن تلعبون المباريات إذن؟ إن لم تُلعب المباراة من أجل من يصرخ: جدووووووو يا جدو يا جدو.. أو يغنى: ارقص.. يا حضرى.. ويرنم: يوم ما ابطّل اشجّع، حاكون ميت أكيد.. وينام من أجلك على قارعة الطريق.. ويسافر خلفك فى أى مكان تحل فيه.. وأخيرا، مات وهو يفديك بروحه، إن لم تلعب من أجل هؤلاء، فلمن تلعب يا سيادة الضاكطور؟ هل تلعب من أجل رجل الأعمال الذى يمول المباراة بإعلاناته ويتعامل معك بوصفك عبدا يُباع ويُشترى فى سوق النخاسة؟ أم تلعب من أجل الشرطة التى أطلقت كلاب البلاطجة عليك أنت ومن يشجعك؟ أم تلعب من أجل هيبة الدولة التى حكم قضاؤها ببراءة القتلة؟ طب خلّى الدولة تنفعك. حين نزلت شارع محمد محمود للتضامن مع الألتراس، سمعت بأذنى، لأول مرة فى حياتى، أفراد من ألتراس أهلاوى يقولون: يا رب الأهلى يتغلب. ومن يعرف معنى كلمة «ألتراس» سيعى تماما عمق الجرح، انت فاهم يعنى إيه مشجع وقف يحمى بصدره لاعبى الأهلى ينتهى به الأمر للقول يا رب الأهلى يتغلب؟ ما هو اللى مش عارف الألتراس مش حيفهم معنى الكلمة.. دى حاجة كده زى واحد قرر يكفر مثلا. السادة اللاعبون.. تصدقوا بإيه؟ يلّا فى داهية.. أحسن، أصلا أصلا خسارة فيكو جدعان الألتراس، وخسارة محبتهم ليكو، وخسارة كل لحظة ضيعوها وهم بيشجعوكوا، وخسارة فيكو رباط الجزمة اللى انتو لابسينه أساسا، خلّى جدعان الألتراس تفوق وتعرف حقيقتكو.