أعادنى ما يحدث فى اتحاد الكرة إلى فترة الستينيات وما كان يحكيه البعض عن القهر والضغط والجبر والظلم الذى تمارسه أجهزة الأمن على الناس لاغتصاب حقوقهم وإجبارهم على الاعتراف بما لم يفعلوه أو ترك ما يحبونه من أجل مصلحة الدولة العليا، فكل الجرائم فى كل العصور يجمعها هدف نبيل واحد هو مصلحة البلاد العليا، وإذا كان الرجل فى الأفلام المصورة لمرحلة الستينيات يُجبر على تطليق زوجته (إذا كانت جميلة ودلّوعة) حتى يتزوجها المسؤول الكبير الذى يضحى بحياته من أجل خدمة بلاده ولا أقل من أن يضحى رجل بزوجته أو ابنته من أجل راحة سيادته، استدعيت هذا المشهد الدرامى الحزين عندما سمعت أن أنور صالح المدير التنفيذى، قدم استقالته على طريقة طلق مراته، فالجهة الإدارية بعد أن اتخذت قرارها العنترى بإقالة المدير التنفيذى وتعيين مجلس إدارة جديد برئاسة عصام عبد المنعم، اكتشفت أن العنترية لا تصلح مع المؤسسات الدولية وأن البلطجة والصدر المفتوح أدوات لا يعرفها إلا المصريون، أما الناس الطبيعية فيتعاملون بالقوانين واللوائح والنظام، وجاء خطاب الفيفا بتحذير الحكومة المصرية من العبث والتدخل فى شؤون اللعبة ليضع الحكومة الإخوانية فى خانة اليك التى وجدت نفسها مجبرة على تقديم مبررات منطقية لما حدث، فاستدعت من ذاكرة الستينيات أفعال صلاح نصر، وهددت أنور صالح إما بتقديم استقالة بتاريخ سابق للقرار العنترى، وإما سنفتح ملفات فسادك ومخالفاتك ونحوّلك للنيابة، ولأن الراجل غلبان وبلغ من العمر أرذله ولا يتحمل تحقيقات النيابة ولا مشهدا واحدا من فيلم الكرنك فى زمن الإخوان (وما أدراك ما زمن الإخوان)، استجاب على الفور للطلب وقدم استقالته ليكون هو المبرر المنطقى لتدخل الدولة وتعيين مجلس مؤقت أمام الفيفا وهو كلام مردود عليه، حيث انتخبت الجمعية العمومية العادية لجنة من أعضائها لإدارة الاتحاد فى حالة وقوع أى ظرف طارئ كالذى نحن فيه الآن، لكن اللجنة لا يأتى أعضاؤها على هوى الجهة الإدارية ولا الحكومة الإخوانية التى تريد أن ترضى المتعصبين من جماهير الأهلى وتمنع القرارات الدولية بعودة المصرى، ولم تجد أشد تطرفًا من عصام عبد المنعم ليقوم بهذا الدور. اللطيف أن القهر والجبر والإذلال والإذعان لم يقف عند أنور صالح، بل طال الرأس الكبير الذى كان يهيمن على اتحاد الكرة وينتظر أيامًا ليتم تتويجه على رئاسة الاتحاد وهو (المش مهندس) هانى أبو ريدة الذى قامت الجهة الإدارية باستدعائه وذهب محنيًّا ليلتقى وزير الشباب ليعلن أمامه فروض الولاء والطاعة والحب والعرفان ويمتدح الاختيار الصائب للحكومة الإخوانية فى إعطاء الفرصة للشباب والجيل الثورى (على فكرة الوزير حزب وطنى زميل لهانى) ولم ينس أبو ريدة أن يتحف الوزير بأسطوانة «حب الوطن فرض عليّا أفديه بروحى وعينيّا»، فطلب منه الوزير أن يعالج مشكلة الفيفا وأن ترفع أيديها عن مصر وتتجاهل العقوبات، ولم يكن من أبو ريدة سوى أن يقول سمعًا وطاعة يا مولاى (فى الوش مراية فى القفا سلاية) وخرج بعدها مصرحًا بعنترية ووطنية يحسد عليها (مصر لن تعاقب طول مانا موجود فى الفيفا) والمضحك فى الأمر أن هانى أبو ريدة هو الذى دفع الفيفا لإرسال الخطاب بعد أقل من 24 ساعة من إقالة أنور صالح وتعيين المتطرف عبد المنعم، وهو الآن الذى سيعالج المشكلة التى صنعها، المهم أن أبو ريدة لم يذهب إلى الوزير إلا بعد أن وصلته هو الآخر تهديدات بأن الوزارة ستفتح مخالفات اتحاد الكرة السابق، وستعيد التحقيق فى (عقد قضية بوما) المتهم فيها الثنائى أبو ريدة وسمير زاهر وإلغاء مزايدة بيع حقوق الاتحاد ب200 مليون من أجل بيعها لعمرو عفيفى ب50 مليون جنيه، لم يدفع منها شيئًا حتى الآن، وهى الجريمة التى سيوجه فيها الاتهام لعمرو وهبى الذراع اليمنى لهانى أبو ريدة، الذى أضاع على الاتحاد ملايين الجنيهات، وهناك الذراع اليسرى علاء عبد العزيز، وهو الآخر لديه ملف من المخالفات تحقق فيها النيابة الآن، كل هذه التهديدات لم تجد صدى لدى هانى أبو ريدة، حيث إن أغلب المخالفات فى النيابة ولدى قضاة تحقيق منذ فترة وكلها متجمدة لسبب غامض، حتى وإن فُتحت، فسوف يضيع الرجالة ويهرب الرجل الكبير، ويواصل أبو ريدة تحديه للحكومة الإخوانية ويضرب وزيرها فى مقتل ويهزمه أمام الرأى العام ليستقيل عصام عبد المنعم وتعود لجنة الموظفين مرة أخرى!! المهم نفهم من ذلك أن التطهير الذى تتحدث الحكومة الإخوانية عنه هو ابتزاز الفاسدين لتنفيذ رغباتها، فالمخالفات موجودة وثابتة، لكن لا تستخدم لعقاب المخطئ بالقانون، إنما تستخدم لإرهابه وترهيبه حتى يخضع ويذعن وينفذ الأوامر فإذا فعلها عادت المخالفات للدرج مرة أخرى.. وسلملى على التطهير والمطهرين