منذ نهايات النصف الأول من القرن الماضي والجيش المصري لم ينقطع عن انتمائه للأفراد، فاضطر الضباط الأحرار إلى الاستعانة باللواء محمد نجيب من خارج التنظيم لكيلا يتعرضوا لمقاومة ومحاولات للانشقاق داخل صفوف قوات الجيش التي لا تعرفهم، ولا تنتمي لهم، ولا تدين لهم بالولاء، وبات اسم وشعبية وانتماء معظم ضباط الجيش للواء محمد نجيب هو الواجهة التي قدموها ليصلوا إلى السلطة. تعمد جمال عبد الناصر بعدها أن يطيح بكل أذرع القوة التي لا تنتمي للتنظيم وله شخصياً في أفرع وأسلحة القوات المسلحة ليضمن السيطرة الكاملة عليها، وهو ما تحقق بتعيين الرائد عبد الحكيم عامر قائداً عاماً للقوات المسلحة، وانتشار الصف الثاني والثالث من الضباط الأحرار في قيادات الجيش حينئذ، قبل أن ينجح عبد الناصر ب "كاريزمته" المعروفة، وظروف البلد وقتئذ، والصلاحيات التي منحها للجيش في فرض الانتماء على كل أفراده، ليدين الجيش من منتصف الخمسينيات وحتى بداية السبعينيات للزعيم جمال عبد الناصر. بوصول السادات إلى سدة الحكم لم تتمنى القوات المسلحة المهزومة والتي تستعد لاستعادة كرامتها والقتال واستعادة سيناء سوى إلى النصر، والبحث عن إزالة آثار هزيمة يونيو 67، وهو ما استفاد منه السادات وحقق نصر أكتوبر، لتتحول القوات المسلحة إلى الانتماء ببطل الحرب وقتها، ومعيد الكرامة للعسكرية المصرية، ولكن بعد رحيل السادات ووصول مبارك المنتمي للقوات الجوية الأقل عدداً وتأثيراً، كان لابد من وجود رجل في حجم وقيمة اللواء عبد الحليم أبو غزالة - أو قل المشير فيما بعد - بكل شعبيته وقوته في صفوف الجيش. وهو ما ساعد مبارك على الاستقرار في الحكم، حيث كان الجيش يدين بولائه ل أبو غزالة بينما يدين أبو غزالة نفسه بالانتماء لمبارك، فاطمأنت معادلة الرئاسة، خاصة مع انتماء مبارك في الأساس للمؤسسة العسكرية. ومع نهاية الثمانينيات وتحديداً عام 89 عندما قرر مبارك خلع أبو غزالة، بأوامر مباشرة من القيادة الأمريكية، اختلت المعادلة، فكان المعادل الأمريكي المطروح وقتئذ، هو إنهاء أسطورة الانتماء للأفراد داخل القوات المسلحة، وهو ما بدا صادماً في أول خطواته بتعيين اللواء يوسف صبري أبو طالب قائداً عاماً للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع بعد خروجه من الخدمة وتوليه منصب محافظ القاهرة. ثم إصدار قوانين الخدمة الجديدة، التي بدأ الضباط في الخروج إلى المعاش على إثرها في رتبة العقيد والعميد، وفي بداية الأربعينيات من العمر. ثم تولى المشير محمد حسين طنطاوي وزارة الدفاع بعد مشوار عسكري مثير للجدل، بدء من ثغرة الدفرسوار في حرب أكتوبر 73، ثم وجوده ملحقاً عسكرياً في باكستان إبان الدعم المصري السعودي الأمريكي للقوات الأفغانية ضد القوات الروسية، ثم توليه قيادة الحرس الجمهوري، وعلاقته المميزة بعائلة الرئيس. حرص طنطاوي المنتمي للرئيس ساعتها على تقليص صلاحيات القوات المسلحة والمزايا الممنوحة لأفرادها، ومع اهتمام الدولة بالشرطة لمواجهة موجة الإرهاب التي ضربت البلاد في التسعينيات، وتحول القوات المسلحة لعبء اقتصادي على دولة يعلن رئيسها مراراً وتكراراً أنه طلن يحارب"ن توسع طنطاوي في العمليات الاقتصادية ليضمن رضاء الرئيس ويستفيد من القوة البشرية في صفوف قواته التي تحول انتمائها في ظل ظروف أزمة اقتصادية طاحنة يمر بها ضباط الجيش الأصغر، إلى المنصب والكرسي، وهو نجح فيه المشير طنطاوي تماماً . ومع تنحي مبارك وخلعه من الحكم وتولي المجلس العسكري برئاسة طنطاوي إدارة البلاد، حاول المشير دفع العجلة إلى الوراء، واستعادة ولاء وانتماء الضباط لذاته من خلال العديد من المزايا العينية والمادية، والعمل الدءوب للشئون المعنوية وهو ما نجح فقط في إبعاد الجيش عن الثورة وكراهيته لها، لكن لم ينجح أبدا في ضمان الولاء للمشير. وهو ما استفاد منه الرئيس المنتخب محمد مرسي، حيث نجح بالاتفاق مع بعض عناصر المجلس العسكري ذاته في إحالة طنطاوي ورئيس أركانه المخلص سامي عنان إلى التقاعد، ليسمعا الأمر الرئاسي ويعلماه من التلفاز – وهي معلومة مؤكدة على الرغم من تصريحات العسكري لوكالات الأنباء - حيث قام مرسي بالاتفاق مع مدير المخابرات العسكرية اللواء عبد الفتاح السيسي والفريق مهاب مميش قائد القوات البحرية الذي قدم استقالته منذ شهور طويلة للمجلس اعتراضا على طريقة إدارته للبلاد وبقى في منصبه بعد ضغوط شديدة، والفريق عبد العزيز محمد سيف الدين قائد قوات الدفاع الجوي اللا منتمي للشلة الطنطاوية، والذي يصفه أعضاء المجلس بالقائد الصدفة، الذي اضطر المشير لتعيينه مؤقتاً لحين تصعيد أحد رجاله ثم قامت الثورة، على أن يحيل مرسي طنطاوي ورجاله إلى المعاش ويتولى السيسي وزارة الدفاع، وهو ما وافق عليه السيسي المنتمي للمنصب والكرسي. ويخرج كل رجال طنطاوي الأكبر رتبة إلى المعاش تلقائياً بتوليه قيادة القوات المسلحة، التي لن تثور لطنطاوي ولن تتحرك لرحيله، ليلتف الحبل الذي ساهم في صناعته حول رقبته في النهاية. ويبقى تعيين اللواء العصار مستشاراً لوزير الدفاع إشارة قوية على علم الولاياتالمتحدة التام بالعلمية ورضاها الكامل عنها. ويبقى أن ننتظر من الرئيس مرسي قراراً بإعادة محاكمة كل من حوكم أمام القضاء العسكري للقضاء المدني، والإفراج عن كل المعتقلين. ويبقى علينا أن نضغط لمحاكمة المتهمين بجرائم ضد الإنسانية طوال عام ونصف، حيث لا تسقط جرائمهم بالتقادم، ولا خروج آمن لمجرم .. ومبارك أمامنا عبرة.