سيناء الأرض والتاريخ والبوابة والمعبر والثروات الطبيعية والبشرية ورئة الحياة التى تمتلك آفاقا بلا حدود للحاضر والمستقبل.. سيناء العظيمة، ألح علىّ فى السنوات الأخيرة إحساسٌ غريبٌ بأنها على وشك أن يبتلعها خطر مخطط ومبيت.. أبناؤها تركهم النظام القديم يعيشون خارج حدود وحقوق المواطنة، وبعد قيام الثورة لا جديد إلا مزيد من الوعود والإهمال والفشل.. لم يكن الأمر يحتاج إلى مبصر ليرى علامات الخطر، كان الأمر يحتاج إلى أمناء على مصر ليتحركوا ويحكموا مخططات التأمين، وعلى رأسها اطمئنان أبنائها، وتأكيد انتمائهم لبلدهم، ورد اعتبارهم وحقوقهم، والاعتذار لهم عن سنوات القسوة والمرارة، باعتبارهم خطوط التأمين الأولى لبلدهم هناك. معرفة حقيقة ما يدور هناك، وكيف استغلت أحداث الثورة لاختراق الحدود. وكيف أسىء استغلال الأنفاق التى تمنينا أن تظل شرايين حياة لتأمين أبناء غزة دون قيام أى تعارض مع أمن مصر.. طالبنا بوضوح الرؤية والموقف من العدو الصهيونى وتحرشه بالحدود وأطماعه القديمة فى سيناء. فى مقال الأسبوع الماضى طالبت فرقاء الحكم بتوضيح الحقائق حول ما يحدث فى سيناء، ولم يتفضل بالرد مسؤول واحد، وجاء أقسى وأحقر رد فى عملية إجرامية قام بها، كما أوضح بيان للقوات المسلحة، مجموعة من 35 إرهابيا قتلت 16 جنديا وضابطا، وأصابت سبعة من أفراد الوحدة العسكرية.. إلى بقية ما جاء فى البيان وأخطره ما قيل عن تزامن الهجوم مع قيام عناصر من قطاع غزة بمعاونة المجموعة الإرهابية بقذف منطقة معبر كرم أبو سالم بمدافع الهاون! فى مقال الأسبوع الماضى تساءلت: هل يستطيع عاقل أن يصدق أن تأمين سيناء مهمة مستعصية على قواتنا المسلحة؟ ومن كان يحميها أيام حكم مبارك؟ وهل كانت الهيمنة الأمريكية والصهيونية هى ضمان التأمين؟ وأشرت إلى عناوين صحيفة «التحرير» الأحد 29 يوليو عن تنظيمات جهادية فى سيناء تعلن عن نفسها بالصوت والصورة وعن فيديو لمجموعات من الجهاد الإسلامى تقوم بتدريبات بالذخيرة الحية واستهدفت دورية إسرائيلية، وأن الفيديو يوضح عمليات استطلاع ورصد للحدود، وأن الجماعات تمتلك أسلحة ووسائل اتصال حديثة وملابس عسكرية.. وأن «شورى المجاهدين» أهدت عملية استهداف الدورية إلى بن لادن والظواهرى.. وأن أنصار «بيت المقدس» تبنت عمليات تفجير أنبوب الغاز فى آخر تسجيلاتها. تساءلت دون أن أحصل على إجابة واحدة: ماذا استفاد أبناء سيناء من إنشاء هيئة مستقلة لتنمية سيناء؟ وهل من لا يستطيع أن يحمى خط غاز يستطيع أن يحمى وطنا بأكمله؟! لماذا يريدون أن نصدق أن قواتنا المسلحة التى احترفت صناعة النصر تقف عاجزة أمام جماعات إرهابية تعبث بأمن سيناء؟ أم أن الحقيقة أن هناك من يمنعها من مهماتها القتالية دفاعا عن أمن بلادها؟! لا أعرف لماذا يذكرنى المشهد بأنه بينما كان الثوار 2 فبراير 2011 يتعرضون لمذبحة فى ميدان التحرير بينما كانت الشرطة العسكرية تحاصر الميدان، وحسب ما أدلى به أحد القادة العسكريين أمام المحكمة أنهم لم يقوموا بواجب حماية الثوار، لأن التكليف الصادر لهم كان فقط لتأمين المبانى وجمع القمامة! وهل لا توجد صلة ما بين ترك ميليشيات إجرامية تحت أى شعار ترتع وتقتل وتحدث إصابات خطيرة لعشرات من المصريين من أبناء سيناء ومن ضباطنا وجنودنا، وبين ترك ميليشيات البلطجة تروع المصريين فى جميع أنحاء مصر، من باب الصدف وحدها أن تخبو بل تنحسر تماما جماعات البلطجة عندما تصدر إليها الأوامر، أوضح الأمثلة ما حدث فى أثناء الانتخابات وخروج عشرات لا ملايين المصريين ولم يظهر بلطجى واحد! وصلت محاولات تشويه الثورة والثوار إلى الربط بينهم وبين البلطجية، ونسب إلى المفرج عنهم من الثوار القيام بالاعتداء على أبراج «نايل سيتى»، وردت لجنة حماية الحرية الشخصية ببيان ينفى أى صلة للمفرج عنهم بالحادثة الإجرامية. غياب الشفافية.. وعدم احترام حق الشعب فى أن يعرف تماما كما كان يفعل النظام القديم.. والاكتفاء بالإدانة والشجب والحداد الواجب يعطى للاجتهادات الخاصة للمواطنين أن يفسروا ويقرؤوا المشهد الوطنى وفق ما تميله حالات القلق والاضطرابات والترويع والتهديد التى يبتكر كل يوم شكل جديد لها.. لا إجابات تبعث ببعض الاطمئنان.. لا معلومات عن حجم الجماعات التى اجتاحت سيناء وكيف تسربت وعششت هناك.. وكيف غاب دور أجهزة المخابرات المصرية بكفاءاتها العالية، خصوصا أنه بإجماع خبراء ومحللين عسكريين لم يتوقفوا عن تحليل الحدث أنه كان متوقعا ولم يكن مفاجئا ومقدماته واضحة، ودون حاجة إلى تحذيرات من إسرائيل التى تبدو أياديها ليست بعيدة عن تحريك خيوط الجريمة. المدهش كيف غاب الرصد والتوقع عن قواتنا ولم ترفع درجات الاستعداد مما كان يحقن الدماء الذكية التى أهدرت، وما معنى ما جاء فى بيان القوات المسلحة أنه تزامن مع الهجوم قيام عناصر من قطاع غزة بمعاونة المجموعة الإرهابية بقذف منطقة معبر كرم أبو سالم بمدافع الهاون؟!! إذا لم تعلن الحقائق فالاتهامات ستصيب. ستصيب كل من يتلامسون وحدودنا الشمالية الشرقية.. أكثر من خبير عسكرى أدان حماس واعتبر أن وجود تنظيمات جهادية فى سيناء جزء من مخطط إخوانى لتخفيف الضغط السكانى داخل غزة بتوطين مجموعة من أبنائها مساحة من شمال سيناء! وما حقيقة ما يشاع أن ما يغرق فيه المصريون من إظلام وبيع السولار فى السوق السوداء من أهم أسبابه مضاعفة ما يصدر إلى هناك، أثق أن الحفاظ على الروابط المصرية والوطنية والأخلاقية بيننا وبين القضية الفلسطينية لا يعنى المساس بالأمن القومى وبالتراب المصرى. حتى كتابة هذه السطور.. فجر الثلاثاء لا إضافة إلى الشجب والإدانة والوعيد بين جميع الأطراف المسؤولة فى مصر إلا فى إعلان واشنطن استعدادها حماية سيناء! لم نكن نحتاج إلى أدلة أنهم من الصناع والشركاء الأساسيين فى المشهد المأساوى الذى تعيشه مصر وهل ستقدم واشنطن على حماية مصر كلها من الأخطار والتهديدات التى تدار مع سبق الإصرار والترصد؟! ثم أليست إهانة وإدانة أن يهدد أمن مصر الداخلى والخارجى ويعتدى على حدودها وتقتل مجموعة من أبنائها وإدارة الحكم بين أيدى مجموعة من كبار القادة العسكريين، بل من المدهشات أن يعلن رئيس الجمهورية هذا الأسبوع فى لقاء مع قادة وضباط الجيش الثانى أن الجيش هو حامى الشرعية والديمقراطية.. ولا أعرف كيف يمكن أن تقوم شرعية وسيادة للشعب وديمقراطية دون توفير فرائض الأمن الداخلى وأمن الحدود وأمن السيادة وأمن الكرامة الوطنية وأمن الاستقرار والاستقلال. الفوضى المخططة أو الخلاقة ونشر الترويع والاستهانة بالأمن القومى والكرامة الوطنية هل يبررها كراهية الثورة وتشويه وجهها أكثر وأكثر؟! جميع الأسئلة تقدم إجاباتها مدى الجدية فى التعامل مع أطراف الجريمة التى ارتكبت فى سيناء، ونرجو أن لا تكون جريمة بلا فاعلين كما كل الجرائم التى ارتكبت وأهدر فيها دماء آلاف الشباب منذ قيام الثورة.. وما زال البحث عن الفاعل مستمرا.. ونرجو أن لا يكون الطرف الثالث الذى وجه إليه الاتهام فى جميع الجرائم قد انتقل إلى سيناء.