عندما قلنا إنّ مرسى جاء للسلطة باتفاق مع «العسكر» تحقيقاً للرغبة الأمريكيّة فى الإجهاز على الثورة واستبدال التابع العلمانى بتابع جديد يتماشى مع التوجه «الدينى» لدى الشعوب فى المنطقة -مضمونه ألّا يمسّ مجموعة- ليست بالقليلة من الملفّات، ولا يقترب -كذلك- من مجموعة -ربما أكثر- من الأشخاص، اتّهمنا الإخوان وحلفاءهم بالادعاء والافتراء على الرجل وجماعته، لكنّها الأيّام و«الغباء» يثبتون صحّة ما قلناه رغم استمرار نفيه منهم على طول الخط. أرجو منك -أولاً- ألّا تتعجب عزيزى القارئ من «أيامنا السودة» التى قرأتها فى عنوان المقالة، فإننى حقاً لم أجد «أسود» من هذه اللفظة للتعبير عن حالة الانقلاب الصريح على كلِّ ما وُعِدْنا به من قبل، فلا أظن أحد منّا -أنا وأنتم- يقدر على عدِّ وحصر عدد المرات التى ادّعى فيها محمد مرسى -كذباً- انتماءه لمعسكر الثورة وتعهّد بالحفاظ على مسارها، ولا عدد التصريحات العنتريّة التى ترفض «الفلول» وتعاديهم وتعد بتطهير كلِّ موقع فى وطننا منهم. لكنّها الدنيا، دوام الحال فيها من المحال، و«اللى تحسبه مرسى يطلع حسنى»، ومن وقف فى الميدان ليقسم اليمين الدستوريّة أمام الجماهير بالأمس، هو ذاته الذى يكرِّم عدوّاً صريحاً لذات الميدان وثورته اليوم، وربما يطلب القرب منه غداً!! الدكتور محمد مرسى -هو وجماعته- طالما فرّطوا فى دماء الشهداء وجراح المصابين وآلام المعتقلين، وأهدروا كرامة هذه الثورة وقت أحداث «مجلس الوزراء» التى قامت القوى الثوريّة فيها لترفض الجنزورى وحكومته باعتباره «فِلّاً» كبيراً، ورمزاً من رموز إغراق هذا البلد فى وحلٍ من الفساد والفشل اللا متناهى، لكنّ المصلحة وقتها كانت تقتضى بقبوله ودعمه حتى ولو جاء ذلك على حساب الشهداء والوطن ذاته، وبعد أن انقضت المصلحة وأصبح هناك «خناقة» مرتبطة بالسلطة التى طالما استموت عليها الإخوان أعلنوا رفضهم للجنزورى واتهموه بكل الاتهامات بدءاً من الفلوليّة ووصولاً للفشل، والحقّ أن كليهما فيه لكنّها كلمات حقٍّ لم تخرج إلّا فى وقت باطل. هذه المعركة طويلة الأمد التى كانت مقتضيات الصفقة مع «العسكر» تحدّد معالمها فى النهاية، شنّ فيها كوادر الإخوان و«صغائرهم» كلّ ما أوتوا من هجماتٍ على الجنزورى انقضت الآن بعد أن رأوا أن الشعب «المغفّل» -فى وجهة نظرهم- قد نسى ما فات، فقرّر مرسى تكريمه -لا أدرى على أى إخفاقاته بالضبط- وأضافوا كنوعٍ من البجاحة الزائدة إلى ذلك تعيينه مستشاراً لمرسى، وكأنهم يقولون للجميع: الوطنى من نراه وطنياً عندما نريد ذلك، والخائن من نقرر أنه خائن فى الوقت الذى نريده أيضاً، وربما يكون الوطنى هو ذاته الخائن فى شرع الإخوان إذا اقتضت المصلحة، ألا لعنة الله على الكراسى!! الجنزورى الذى أتى للوزارة على جثث الشهداء، وأكمل فيها فشله وإخفاقه حتى وصل الأمر لذروته، وشهدت البلاد فى عهده -البائد- ما لم تشهده فى عهد البائد الأكبر -مبارك- يُكرّم بعد أن كان خائناً، ويُعَيَّن بعد أن كان مطروداً، ولا أدرى فى الحقيقة طالما أنهم أدركوا الآن قيمة الرجل وأهميته، فلماذا كانت إقالته أيضاً؟؟ أهو نوع من تغيير العتبات مثلاً؟؟ أم أن تغيير الوشوش لعبة برع فيها الإخوان ويعرفون قواعدها جيداً؟؟!!، والحقيقة أننى سعيدٌ للغاية بقرار مرسى بحق الجنزورى، فالفلول على أشكالها تقع، ولا فرق بين «فِل» قتلنى بالأمس، و«فِل» خاننى اليوم، وكلاهما فى «الهمِّ» سواء، ولعلّنا نرتاح من نغمة «جرِّبونا أولاً» التى اعتاد غناءها الإخوان علينا منذ سنين، وقد جرّبناهم كما جرّبنا غيرهم.. .. و«القطنة ما بتكدبش»! «المجد للشهداء.. . النصر للشعوب»