أصدرت مكتبة الأسرة كتاب «الحرية الدينية فى الإسلام» للشيخ عبدالمتعال الصعيدى، وبرغم أن الإصدار هو إعادة طباعة لكتاب قديم مؤلفه شيخ رحل عن دنيانا منذ أكثر من أربعين عاماً، فإننا كنا فى أمس الحاجة إليه لأننا نعيش الآن زمن التكفير وصياغة الدستور على هوى البعض ممن يعتقدون أنهم أوصياء على الدين، احتكروا صكوك غفرانه وأختام عقابه وآليات تفسيره، وترجع أهمية الكتاب فضلاً عن موضوعه إلى قامة وحجم مؤلفه العلامة الصعيدى وهو واحد من أهم المجددين المستنيرين من علماء الأزهر الذين تصدوا لأفكار التخلف والرجعية التى أرادت طمس جوهر الدين الإسلامى العقلانى ومصادرته لصالح أفكار متزمتة خرافية ناتجة عن نظرة قبلية ضيقة أو طموح سياسى انتهازى، كان نابهاً جريئاً وكان أول أقرانه فى امتحان العالمية، أى أننا باختصار أمام رجل لا نستطيع أن نشكك فى علمه. الدين لا يكون بالإكراه وحتى الردة عنه ليس لها عقاب دنيوى هذه هى فلسفة هذا الكتاب صغير الحجم عظيم القيمة والذى أدعوكم لقراءته لأن تلخيصه فى هذه المساحة سيظلمه ولكنى سأحاول اقتباس بعض اللقطات منه، يرد المؤلف على من قال إن آيات عدم الإكراه الدينى منسوخة بآية القتال، يرد بكلام الشيخ الإمام محمد عبده الذى أبطل هذا المفهوم بالنسخ وهاجم هذه التفسيرات بضراوة ودفع هذه التهمة البشعة عن انتشار الدين بسطوة السيف، وقال إن إيمان المكره باطل ولايصح. لم ترهب شيخنا عبدالمتعال الصعيدى كلمة الإجماع وقال إن الحق قد يكون مع الواحد دون الجماعة كما قال ابن حزم واستدل بأبى بكر عندما كان الوحيد الذى وافق على حروب الردة برغم رأى الجماعة المضاد! مع ملاحظة أن حرب الردة كانت حرباً سياسية لاستقرار الدولة ممن يهدمون مبدأ الدولة ووحدتها وليست حرباً دينية، أما الحديث الذى يعتمد عليه البعض فى قتل المرتد يقول عنه الإمام شلتوت «الحدود لاتثبت بأحاديث الأحاد، وأن الكفر بنفسه ليس مبيحاً للدم». هذا الكتاب كان معرضاً للمصادرة ومطارداً ولكن قدر له أن يفلت من المصادرة ويعيش ليقف حائط صد أمام جحافل الظلام، ذكرت فى مقال سابق إن الصراع ليس صراعاً بين إسلام وإلحاد فهذا لايوجد ومن يقول بوجوده فهو يخترع أشياء لاوجود لها إلا فى خياله، الصراع الحقيقى إسلام ضد إسلام، فهم إسلامى متجدد مستنير ضد فهم آخر متزمت متكلس محنط مقولب واقف عند شاطئ الماضى رقبته مشدودة إلى الخلف دائماً، يعيش أسير كبت وعقدة اضطهاد وإحساس بدونية أمام الآخر المتقدم الذى بدلاً من أن يتساءل كيف تقدم، يصر على تدميره!