سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اخر اخبار مصر اليوم : خبراء الإسكان يقدمون للرئيس «روشتة» إنقاذ المدن الجديدة.. السياسة التى اتبعتها الدولة بالبناء فى الصحراء لم تحل مشكلة التكدس السكانى وعليها زيادة الخدمات التعليمية والصحية والاقتصادية
على طريق القاهرة - السويس الصحراوى تجد العديد من المدن الجديدة التى أنشأتها الدولة منذ عقود بهدف إعادة توزيع السكان بعيدا عن الشريط الضيق لوادى النيل ودلتاه من خلال غزو الصحراء وخلق تجمعات عمرانية جديدة بها توفر السكن والعمل وتتحول إلى مجتمعات متكاملة الخدمات، بعيدا عن المدن القائمة المكتظة وكمحاولة للحد من الزحف العمرانى على الأراضى الزراعية. لكن الواقع يقول إن هذه المدن لم يتحقق الهدف منها بالشكل الكامل، وتحول الكثير منها إلى مناطق طاردة للسكان وأصبح سكانها يتسابقون للتخلص من شققهم فيها بعدما يئسوا من تحولها إلى مدن سكنية تتوافر بها كل عناصر الحياة الكريمة التى تحفزهم للانتقال إليها بعيدا عن زحمة الوادى، وحتى بعض المدن التى استطاعت أن تحقق نجاحا فى جذب السكان وتوفير بعض الخدمات لم يستغن سكانها عن العاصمة. ويمكن القول إن كثيرا من هذه المدن العمرانية الجديدة تحول إلى مناطق استثمارات عقارية لرجال أعمال وذوى نفوذ، خاصة بعد تخصيص الكثير من الأراضى لهم بالأمر المباشر، وأصبح هؤلاء الكبار يستغلون فى هذه المدن أبناء الطبقات الفقيرة والشباب الذين أنشئت هذه المشروعات من أجلهم فى الأساس. لو سألنا سكان هذه المناطق الآن نجد أنهم فى انتظار تنفيذ ما وعد به الرئيس محمد مرسى فى برنامجه الانتخابى فيما يتعلق بحل مشكلة الإسكان وتنمية المجتمعات العمرانية، وهى الوعود التى أعطتهم أملا جديدا. الوعود تضمنت دعم السوق العقارية الموجهة إلى الأسر الفقيرة والمتوسطة -المستهدف الأول من هذه المدن- ودعم احتياجاتها من البنية التحتية والخدمات طبقا للمخططات العمرانية، حيث تعانى 23 مدينة سكنية أنشأتها الدولة على مستوى الجمهورية من نقص فى الخدمات والمواصلات العامة وغياب الأمن، ما أدى إلى هجرة السكان منها وليس إليها. وتعتبر مدينة «بدر» التى أنشئت بقرار من مجلس الوزراء فى 1982 على طريق القاهرة - السويس الصحراوى، إحدى المدن التى طالتها وعود الرئيس ومازال أهلها يعانون غياب الخدمات وإهمال المسؤولين. فى مدخل المدينة، تجد الأشجار تزين جانبى الطريق لتشعرك بالراحة والطمأنينة، التى تختفى بمجرد دخولك المدينة، حيث تواجه الأراضى والبيوت المصمتة، ويختفى البشر باستثناء بعض العمال فى البيوت تحت الإنشاء، وما إن تمشى قليلا حتى تظهر معالم الحياة بالمدينة الهادئة صباحا ومساء. استقبلنا الحاج أبوإسلام من سكان مدينة بدر -سمسار عقارات وأحد كبار المشايخ فى المنطقة- وقال لنا إن أكبر مشكلة تواجه سكان المدينة والمدن المجاور غياب المواصلات العامة، فلا يستطيع الأهالى الذهاب إلى أى مكان إلا من خلال الميكروباصات من منطقة الكيلو 4.5 التى يسيطر عليها البلطجية، ويتحكمون فى تعريفة المواصلات وفقا لأهوائهم وأحيانا لا ترغب هذه السيارات فى دخول المدينة ونضطر إلى السير باقى المسافة, وأوضح أبو إسلام أنهم عندما طلبوا من جهاز المدينة توفير اتوبيسات نقل لخدمة الأهالى منعهم سائقو الميكروباصات، مضيفا أنهم يخشون على أولادهم من الخروج وحدهم لأن الكثير من السائقين مدمنون ومسجلون خطر، مطالبا بتوفير سيارات نقل عام تابعة للحكومة يمكن الاعتماد عليها فى تنقلاتهم وحتى لا يكونوا تحت رحمة سائقى الميكروباصات. اصطحبنا أبوإسلام بعد ذلك إلى مركز شباب المدينة الذى وصفه بأنه على أعلى مستوى، وعندما دخلناه لم نجد سوى بعض العاملين بالمركز، وحمام سباحة مغلق، وصالة ألعاب رياضية بدون أجهزة، ومكتبة مليئة بالكتب بدون قراء، وصالة صغيرة للاحتفالات، واستقبلنا وليد يحيى مدير المركز، وقال لنا إن مشكلة المركز تتمثل فى نقص التمويل الذى حال دون إصلاح ملعب النادى وحمام السباحة وتوفير أجهزة للمركز، مضيفا أن أزمة المواصلات بالمدينة وغياب الأمن يجعلان الأهالى يخشون التوجه إلى أى مكان غير العمل. ما سبق أكدته جيهان أحمد، مساعدة تمريض بمستشفى بدر العام، وقالت إنه لا يوجد أطباء مقيمون ولا تمريض ويستعينون بممرضين من مراكز طبية أخرى، ويقوم الموظفون الإداريون بتشغيل العيادات، ورغم كل ذلك يعملون بعقود مؤقتة ومهددون بالطرد. مدينة بدر تبلغ مساحتها 18.5 ألف فدان مقسمة إلى أحياء بمختلف المستويات، وتعد نموذجا ل23 مدينة أخرى تختلف فى أشكالها ومساحتها وأزماتها إلا أنها تجتمع فى عدم تحقيق الهدف المخطط لهذه المدن. الاستشارى صلاح حجاب، رئيس جمعية التخطيط العمرانى، قال إن إحياء المدن الجديدة يتطلب أن نعود إلى الهدف الرئيسى الذى أنشئت من أجله، وهو تقليل التكدس السكانى بالوادى ومنع الزحف على الأراضى الزراعية، ولن يكون ذلك إلا بإنشاء مجتمعات عمرانية تكون متضمنة الخدمات والمرافق من تعليم ووظائف وصحة وخدمات، إضافة إلى الأمن والراحة التى تحفز المواطنين على الانتقال إلى هذه المدن الجديدة. وأوضح حجاب حاجتنا إلى اتباع سياسة تنموية واضحة حتى نتمكن من إحياء المدن الجديدة، ويكون دور الدولة فيها هو دراسة الأوضاع الحالية للمدن القائمة والبحث عن وسائل تحفز المواطنين للقدوم إليها, وأكد حجاب أن السياسة التى اتبعتها الدولة لخلق تجمعات سكنية فى الصحراء دون أن توفر لها عناصر الحياة المتكاملة لم تساعد على حل مشكلة التكدس بل العكس زادت من خلال عودة سكان المدن الجديدة إلى العاصمة. من جانبه قال الدكتور هشام الهلباوى، مستشار البنك الدولى لتطوير العشوائيات، إننا فى هذه المرحلة من إعادة بناء الدولة يجب الوقوف أولا على أخطاء الماضى وحل المشكلات السابقة بدلا من إضافة مشكلات جديدة، موضحا أن لدينا فى مصر الآن 23 مدينة سكنية جديدة معظمها لم تصل إلى الهدف الذى أنشئت من أجله، والكثير منها يعانى مشكلات فى المواصلات والخدمات الصحية والتعليمية وغياب استثمارات توفر وظائف لسكان هذه المدن، موضحا أن هذا هو الهدف الذى قامت من أجله هذه المدن وفقا لرؤية حسب الله الكفراوى عندما كان وزيرا للإسكان والذى انتهت بخروجه من الوزارة جميع الخطط. وأضاف الهلباوى أن المدن الجديدة التى استطاعت أن تتحول لمناطق جذب سكانى نجحت بالصدفة نتيجة لوجود جامعات كبرى بها أو وجود خدمات. وأشار الهلباوى إلى أن التخطيط للمدن الجديدة يجب فيه مراعاة أن تكون مهيأة لكل الفئات وتضم الخدمات الصحية والتعليمية ووسائل النقل والمواصلات ولا تكون معدة لطبقات معينة، بحيث لا توفر مدارس أو مستشفيات حكومية أو وسائل مواصلات جيدة للطبقات الوسطى التى من المفترض أنها الهدف الأول لهذه المدن.