سيطرت الأزمة السياسية التى خلفها حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، على أجندة الأحزاب السياسية، التى اختلفت فيما بينها بشأن التعامل مع الحكم، والالتزام به أو معارضته واعتباره انقلابا عسكريا على الشرعية. ويبدو أن الأحزاب السياسية التى فوجئت بحكم المحكمة لم تستعد بإجابات وافية للخطوات التى تتخذها فى الشارع، استعدادا لإجراء انتخابات جديدة، إلا أنها اختلفت بشأن فرص التيارات السياسية المختلفة فى البرلمان المقبل، ومدى إمكانية حصول التيار الإسلامى على الأغلبية مرة أخرى. أحزاب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، والكرامة، والمصريين الأحرار، ومصر الحرية، والجبهة الديمقراطية، أصدرت بيانا صحفيا أمس، تؤكد التزامها بالدفاع عن الديمقراطية ومواجهة الاستبداد، وجاء فى البيان «نؤكد أننا ضد استبداد الدولة الذى يحاول إعادة بناء النظام القديم برموزه ومؤسساته»، لكنهم أكدوا فى نفس البيان أنهم ضد محاولات بناء دولة دينية استبدادية يحاول من خلالها تيار الإسلام السياسى أن يستحوذ على كل سلطات ومؤسسات الدولة واستبعاد كل القوى والتيارات الأخرى». واعتبرت الأحزاب أن الأزمة السياسية وصلت إلى ذروتها بعد القرارات الاستثنائية، التى أعطت أجهزة أمنية عسكرية سلطات الضبط القضائى للمدنيين، وكذا بعد حكم المحكمة الدستورية القاضى بحل البرلمان وهو حكم مثير للجدل من حيث توقيته ومدى تسييسه. كما حملت الأحزاب فى بيانها جماعة الإخوان المسلمين مسئولية هذه الأزمة، مشيرة إلى «التفافهم» على حكم القضاء الإدارى القاضى بعدم تعيين نواب البرلمان فى اللجنة التأسيسية، بل وإصرارهم للمرة الثانية على تشكيل اللجنة التأسيسية بطريقة تضمن هيمنتهم على أعمالها وقراراتها ولا تمثل مكونات الشعب المصرى بصورة عادلة ومتوازنة. وأكدت الأحزاب الموقعة على البيان أن الخروج من هذه الأزمة مرهون أساسا بقدرة القوى الديمقراطية والاجتماعية على بناء تيار ثالث، يواجه استبداد الدولة والإخوان، وهو أمر يقتضى أن تلعب هذه القوى دورا حاسما فى بناء توافق وطنى عام يتأسس على التهدئة وعدم اللجوء للعنف من جانب أو الإجراءات الاستثنائية من جانب آخر، شريطة أن يبنى هذا التوافق أولا على قبول الأحكام القضائية ونتائج الانتخابات ويضمن فى الوقت نفسه لكل المصريين الحق الكامل فى الاحتجاج السلمى ضد هذه الأحكام. وأوضح محمد عرفات، عضو الهيئة العليا للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى أن الحزب لن يتخذ أى إجراءات قانونية بشأن الحكم بحل مجلس الشعب. طارق الملط، عضو المكتب السياسى لحزب الوسط، علق على قرار حل البرلمان قائلا «الحزب يهتم فى أى قضية بالمصلحة الوطنية وليس مصلحة الحزب»، معتبرا أن قرار حل البرلمان انقلاب على الشرعية. وقال «إن حل مجلس الشعب أساسا انقلاب على الشرعية لأن الحكم منطوقه يتحدث عن عدم دستورية انتخاب الثلث الفردى لكن حيثيات الفقرتين الأخيرتين تتحدث عن حل المجلس كله لإعطاء فرصة للمنافسة». وأشار الملط إلى اتفاق عدد من الفقهاء القانونيين مثل المستشارين أحمد مكى، وطارق البشرى، والدكتور محمد سليم العوا، على أن الحكم ملزم بمنطوقه وليس الحيثيات، موضحا أن الخلاف القانونى على تنفيذ الحكم يتطلب اللجوء للجنة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وقال «ليس من اختصاص المحكمة الدستورية أن تقرر من ذاتها حل المجلس». وأضاف الملط «مصلحة الوطن تقتضى الدفاع عن المجلس المنتخب من قبل 30 مليون مصرى حتى لو له أخطاء»، معتبرا أن القرار محاولة انقلاب على الشرعية والعودة لأجواء 1954 وعسكرة الدولة. فى الوقت نفسه أكد الملط أن الحزب لم يتخذ قرارا رسميا بشأن التعامل مع أزمة حل البرلمان، إلا أنه فى رأيه الشخصى أن القرار «انقلاب على الشرعية بطريقة شيك، ويجب مواجهته بالقانون، ولا نستسلم لأن الحكم يعنى حل المجلس». أما عن فرص حزب الوسط فى حالة حل المجلس فعليا والدعوة لانتخابات تشريعية جديدة قال الملط «الوسط لديه فرصة أفضل من الانتخابات الماضية»، مشيرا إلى وجود كوادر الوسط فى الشارع بالإضافة إلى المواقف التى تبناها وتعطى له فرصا أفضل فى الانتخابات، فضلا عن الدور الذى قامت به الهيئة البرلمانية للحزب تحت القبة. وتوقع الملط أن يستطيع الحزب الحصول على مقاعد أكثر من ال 10 مقاعد التى حصدها فى انتخابات 2011. من جهته قال محمود السقا، رئيس الهيئة البرلمانية السابقة لحزب الوفد، إن حكم الدستورية بحل البرلمان به الكثير من علامات الاستفهام وكان يجب ألا يعجل به، واصفا الحكم بأنه متناقض مع نفسه. وأضاف أن الصورة السياسية الحالية غير سليمة، مشيرا إلى أن هذه هى المرة الأولى التى يتعثر فيها مجلس نواب بحكم سلطة قضائية، «ففى الوقت الذى أبطل فيها شعار المجلس سيد قراره أصبح القضاء هو صاحب هذا الشعار»، على حد قوله. وأكد السقا أن قرار الحل موجه ضد تيار الإسلام السياسى بالدرجة الأولى، موضحا أن حزبه سيكون من أكثر المستفيدين من قرار حل البرلمان لو أحكم فلسفته السياسية فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، خاصة أنه كان حريصا طيلة الفترة الانتقالية على إحداث توافق بين جميع القوى السياسية ولم يكن شريكا فى أى نزاع. وتابع: «إن الرئيس القادم هو الذى سيحدد شكل الصراع فى الانتخابات البرلمانية المقبلة»، مشيرا إلى أنه حال قدوم أحمد شفيق فإن أنصاره سيشكلون قرابة 8 أحزاب وبالتالى سيصبح الفلول هم المستفيدون من أغلبية البرلمان المقبل. وعن خطة الوفد استعدادا للبرلمان المقبل قال السقا إن حزبه فى انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية ليحدد خطته المقبلة، مؤكدا أنه سيظل حزبا محافظا على التوافق مع الجميع. من جهته قال باسل عادل، عضو المكتب السياسى لحزب المصريين الأحرار، إن الحزب لم يحدد حتى الآن موقفه بشأن حل البرلمان، إلا أنه قرر المشاركة فى اجتماع اللجنة التشريعية لمجلس الشعب لبحث ومناقشة حكم المحكمة الدستورية. وقال عادل «مازال الأمر خاضعا للجدل القانونى حول طريقة الحل فيوجد لدينا 30 مليون صوت يجب ألا تضيع بسبب مادة فيها شبهة عدم دستورية»، مضيفا «الناس صوتت للمجلس وليس الإعلان الدستورى، ولا يمكن إلغاء إرادة الناس بناء على إعلان دستورى الناس لم تعطه أصواتها». وأشار إلى الخلاف بشأن عدم دستورية ثلث المقاعد وعلاقتها بقرار حل المجلس، وقال «دور المحكمة الدستورية الإفتاء فى دستورية القانون من عدمه ثم يحال الحكم للقضاء الإدارى، كما أنه لا توجد آليات لحل المجلس فى الإعلان الدستورى». وأضاف «لا يجوز التخلى عن شرعية المجلس لمجرد أنى لا اتفق مع الإخوان والسلفيين، وشرعية المجلس يجب أن تحترم»، داعيا لاتخاذ إجراءات قانونية ردا على قرار الحل. وعن مستقبل الحزب فى الانتخابات القادمة قال عادل «يوجد اتجاه قوى بالمكتب السياسى للحزب لخوض الانتخابات باسم المصريين الأحرار والخروج من الكتلة المصرية»، وفى الوقت نفسه لفت إلى أنه معارض لهذا القرار. وأشار إلى بعض الأعمال التنظيمية التى اعتبرها تمكن الحزب من الوصول لقطاعات أكبر من الناخبين وإقناعهم مثل تكوين لجنة شباب كبيرة وتنظيم قواعد الحزب فى المحافظات، مشيرا الى وجود 14 عضوا فى الهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار، ورغبة الحزب فى الانتخابات القادمة فى الحصول على 20% من المقاعد. إيهاب الخراط، عضو الهيئة العليا للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، قال «الآن نحن نجنى ثمار سوء إدارة المرحلة وسنجبر على وضع الدستور حتى لو أصر الإخوان والسلفيون على عدم قبول قرار الحل فلن يوجد طريق إلا انتظار دستور جديد يوضع بطريقة توافقية». وانتقد الخراط تأجيل الإخوان والسلفيين للبت فى قضايا الثورة والعدالة الانتقالية لما بعد الانتخابات الرئاسية، وتأجيل مناقشة تعويضات أسر الشهداء ومصابى الثورة، والحكم على قتلة الثوار، وتشكيل لجان قضائية مستقلة لتقصى الحقائق، وإصلاح جهاز الشرطة وتطويره، وقال «كل هذا تم تأجيله لمدة سنة ونصف بزعم أن البرلمان يقوم بدعم هذه القضايا عند اتمام الانتخابات والآن عدنا للمربع صفر». وبشأن فرصة الحزب فى الانتخابات المقبلة قال الخراط إن الحزب المصرى الديمقراطى سيناضل مع كل القوى الثورية، معتبرا أن الوضع الحالى أفضل كثيرا من انتخابات 2011، مشيرا إلى معرفة الناخبين للأحزاب الجديدة والقوى الوطنية المختلفة ومدى الكفاءة ومدى تماسك المواقف. وأضاف «نحن الآن فى وضع أفضل لتحقيق تحالف انتخابى ثورى واسع، وأرجو أن يستطيع تحالف الثورة مستمرة والكتلة المصرية والأغلبية التى اصطفت وراء حمدين صباحى ومرشحى الثورة أن تشكل قوائم مشتركة تخوض معركة قوية». واستبعد الخراط وصول أعضاء الحزب الوطنى المنحل بنسب مرتفعة الى قبة البرلمان وقال «إن التصويت لشفيق هو تصويت عقابى للإخوان المسلمين ولا يمكن القياس عليه فى الانتخابات البرلمانية خاصة مع تكتل القوى الثورية». ووصف محمد سامى، رئيس حزب الكرامة، الحكم بأنه فرصة لإعادة تأسيس المؤسسات السياسية بمصر بطريقة صحيحة، تبدأ بتشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور أولا ثم إجراء الانتخابات البرلمانية. وأشار عبدالغنى إلى أن القرار أصاب الشعب بإحباط بعد أمله فى التغيير من خلال انتخابات برلمانية نزيهة، موضحا أن أحزاب الفلول هللت بقدوم هذه الخطوة حيث سبق، وقالها رئيس أحد هذه الأحزاب للمشير محمد حسين طنطاوى إن الحل هو الحل، فى إشارة للبرلمان. وأضاف أن هذه الأحزاب تراهن على فوز أحمد شفيق، بمنصب رئيس الجمهورية، مؤكدا أن معركة الإسلاميين الرئيسية الآن هى الانتخابات الرئاسية وليست البرلمانية القادمة، الذى أكد أنهم سيحصلون فيها على الأغلبية أيضا ولن تتراجع النسبة عن «5 :10%». أما حسن البرنس، البرلمانى عن حزب الحرية والعدالة بالمجلس المنحل، فرفض التعليق على الأمر برمته قائلا: «نحن لن نعلق على مسألة حل البرلمان الآن». وحيد عبدالمجيد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، اعتبر أن الحكم يؤكد أنه لا قيمة للانتخابات الرئاسية، ولن تؤدى لتغيير وسيظل المجلس العسكرى هو الممسك بجميع الخيوط. وأوضح عبدالمجيد أن الانتخابات البرلمانية المقبلة لن تتم وأن الدستور لن يوضع، «وستسير البلاد كما هى الآن بلا دستور ولا برلمان»، مشيرا إلى أن الخريطة السياسية ستتغير خلال العامين المقبلين «رغم أنف المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين»، ولن تظل سيطرتهما على المشهد السياسى أبدية.