تحل علينا هذه الأيام الذكرى الثامنة لرحيل الشاعر الكبير والإذاعي المرموق والمجمعي القدير، فاروق شوشة. اقرأ أيضًا| خاص| في ذكرى رحيل فاروق شوشة.. أ.د. حافظ شمس الدين: كان أمة وحجة وفي حوار خاص ل"بوابة أخبار اليوم" يقول الدكتور مصطفى يوسف (الباحث الأول بمجمع اللغة العربية): كانت نظرتنا نحن باحثي مجمع اللغة العربية للشاعر فاروق شوشة نظرة إجلال وترقب؛ فهو الإذاعي والإعلامي الكبير الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بشعره وبرنامجه الشهير (لغتنا الجميلة). نترقّب: كيف سيكون على المستوى الإنساني والإداري في المجمع، بعد انتخابه عضوًا بمجمع الخالدين عام 1999م، وزامله في العضوية يومًا بيوم المعجمي القدير أ.د.أحمد مختار عمر، وكانا دائمًا متلازمين في المجمع، على اختلاف مشاربهما العلمية. لقد لاحظت أن فاروق شوشة مذ أول يوم له بالمجمع كان حريصًا كل الحرص على الحضور الفعال في اجتماعات المجمع كلها، دقيقًا في الالتزام بمواعيد عمل اللجان، حلو المعشر، باسم المحيا، يلقي تحية الصباح على كل من يقابله بصوته الرخيم العذب، قائمًا بحقوق زملائه من أعضاء المجمع، فما بين كلمة في تأبين أحد أعضاء المجمع الراحلين، وكلمة في استقبال أحد الأعضاء الجدد. لقد كان أسلوب فاروق شوشة في النثر لا يقل بحال عن أسلوبه الأخّاذ في الشعر، فتجده في حال الوداع يجسِّد لك الشخص المؤبَّن وكأنه ماثل أمامك تراه بعينيك، ينتقل من فينة غضة إلى أخرى، محلِّقًا بك في سماء علوية تتجلى فيها أسمى آيات السمو والرفعة والمنزلة السامقة، فتجدك وقد استُمطرت دموعك تترى. وأذكر أنني استمعت إليه وهو يلقي كلمة المجمع في تأبين الأستاذ إبراهيم الترزي (الأمين العام الأسبق للمجمع) أنني وددت وقتها ألا تنتهي هذه الكلمة المملوءة بالشجى والشجن والصدق والشاعرية في آن واحد، وأذكر اقتباسه من القرآن الكريم في ختام كلمته حيث قال: وسلام على إبراهيم. وأذكر يوم أن استقبل أ.د.محمد حماسة عبداللطيف عام 2002م؛ لقد صال وجال في مسيرته العلمية، كيف جاء عرضه بأسلوب أدبي أخّاذ. لقد كان فاروق شوشة يحلِّق في السيرة العلمية للعضو المستقبَل في سلاسة ويسر، فيبرع في سرد مراحله الأكاديمية، وأنشطته العلمية، ومؤلفاته البحثية، بلغة أدبية رائقة، وكأنه عازف ينتقي من الألحان ما يناسب بعضها بعضًا، وينتقل من سلم موسيقي إلى آخر دون نبو أو جفاء. لقد جعل شوشة من مثل هذه المناسبات الرسمية التي تتسم- في أحيان كثيرة- بالرتابة وتأدية الواجب- جعل منها مناسبة أدبية تجذب إليها الجمهور من المجمعيين كبارًا وصغارًا، فضلًا عن متابعة الجمهور لها من خارج المجمع. اقتربت من فاروق شوشة أكثر بعد أن أصبح أمينًا عامًّا للمجمع؛ فوجدته حريصًا كل الحرص على أداء مهام التكليف الذي كُلِّف به على خير وجه، غير طامع فيما هو أعلى منه. يدير جلسة المجلس بحنكة واقتدار، لا تخلو بحال من الطرافة اللغوية التي تكسر رتابة تلك الجلسات الأسبوعية. وزاد اقترابي منه أكثر بعد أن أسند إليه المجمع تولي رئاسة اللجنة العامة لتحديث المعجم الوسيط، وقد كنت أحد المشاركين في هذه اللجنة؛ فوجدت منه معجميًّا من الطراز النادر؛ ذلك المعجمي الذي لا يتقيد بتلك الألفاظ الواردة في معجمات اللغة، ولكنه ذلك الصيرفي النقّاد الذي يختار من بين ألفاظ اللغة أسلسها وأعذبها ليصوغ بها المعنى المراد، كان حريصًا كل الحرص على أن يخرج المعجم الوسيط (في طبعته المُحَدَّثة والمزيدة) بلغة أدبية رشيقة لا تحيد عن العلمية، سهلة التناول، قريبة الفهم. رحم الله باعث نهضة العربية في عصرها الحديث الشاعر والمجمعي النبيل فاروق شوشة.