شهدت بكين في فصل الخريف حدثا تاريخيا جديدًا- قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي. وخلال هذه القمة؛ التي تُعد أكبر حدث دبلوماسي تستضيفه الصين في السنوات الأخيرة، وأكبر تجمع لعدد من القادة الأجانب بالصين، ناقشت الصين والدول الأفريقية موضوع "العمل يداً بيد لدفع التحديث وبناء مجتمع المصير المشترك عالي المستوى بين الصين وأفريقيا"، واستعرضا مسار الصداقة بين الصين وأفريقيا ترسيخًا لروح التعاون والتضامن فيما بينهما. وأشار الرئيس شي جين بينغ في كلمة الافتتاح، "دعونا نجمع قوة الشعوب الصينية والأفريقية التي تتجاوز 2.8 مليار شخص، ونسير معاً على طريق التحديث. من خلال التحديث بين الصين وأفريقيا، سنسهم في تحديث الدول النامية في الجنوب، ونرسم فصلا جديدا في تاريخ التنمية البشرية، ونعمل معًا على دفع العالم نحو مستقبل مشرق يعمه السلام والأمن والازدهار والتقدم!" وفي إطار التضامن والتجديد والابتكار، يُعد التعاون بين الصين وأفريقيا بمثابة مستقبل لا حدود له. بناء مجتمع المصير المشترك عالي المستوى وشهدت هذه القمة مزيد من تعميق العلاقات الصينية الأفريقية، حيث أقامت الصين علاقات شراكة استراتيجية أو رفعت مستوى العلاقات مع 30 دولة أفريقية، لتشمل الشراكة الاستراتيجية جميع الدول الأفريقية التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع الصين. كما سيعمل الجانبان على بناء مجتمع المصير المشترك عالي المستوى بين الصين وأفريقيا في العصر الجديد. وقد تأسس منتدى التعاون الصيني الأفريقي في عام 2000، مما فتح صفحة جديدة للتعاون ا بين الصين والدول الأفريقية. ومنذ إعلان إقامة "الشراكة الجديدة"، إلى تقرير إقامة وتطوير "الشراكة الاستراتيجية الجديدة"، ثم تأكيد بناء "علاقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، وصولاً إلى ما بلغته العلاقات من تقرير بناء مجتمع المصير المشترك الشامل وعالي المستوى بين الصين وأفريقيا... فإن التعاون بين الصين وأفريقيا قد دخل مرحلة تطور غير مسبوقة. كما اتفقت الأطراف وفق "إعلان بكين" بشأن بناء مجتمع المصير المشترك بين الصين وأفريقيا في العصر الجديد، على الالتزام بروح الصداقة والتعاون التي تعززت على مدار التاريخ بين الصين وأفريقيا، وهي: "الصداقة المخلصة، المساواة والاحترام المتبادل، المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة، العدالة والدفاع عن الحق، التكيف مع الظروف، والانفتاح والتسامح". وأعرب الرئيس محمد ولد الغزواني رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي والرئيس الموريتاني، أن منتدى التعاون الصيني الأفريقي قد أتاح آلية فعالة ومنصة رفيعة المستوى لتطوير وتعزيز العلاقات بين أفريقيا والصين. حتى أصبحت العلاقات القائمة بين أفريقيا والصين نموذجاً للتعاون بين بلدان الجنوب. بالنظر إلى أن التعاون بين الجانبين قد قام على أساس الصداقة والاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة، مما فتح آفاقاً جديدة للتعاون وتسريع التنمية المشتركة. وأكد على أن الدول الأفريقية ستعمل مع الصين لدفع عجلة التحديث قدماً، وبناء مجتمع المصير المشترك عالي المستوى بين أفريقيا والصين. العمل يداً بيد لتحقيق حلم التحديث كما طرح الرئيس شي جين بينغ خلال القمة ستة مقترحات لتعزيز التحديث بين الصين وأفريقيا، مشيراً إلى ضرورة الدفع بتحديث عادل ومنصف، وتحديث منفتح يعود بالنفع على الجميع، وتحديث يركز على الشعوب، وتحديث متعدد الثقافات، وتحديث صديق للبيئة، وتحديث قائم على السلام والأمن. وأن هذه "التحديثات الستة" تعمل على إثراء المضامين العميقة لسير دول الجنوب على طريق التحديث. وأشار رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا إلى أن التعاون بين الصين وأفريقيا لتعزيز "التحديثات الستة" يحمل أهمية خاصة لأفريقيا. فمن خلال التعاون العملي مع الصين، تأمل أفريقيا في استخراج إمكانيات التصنيع وتحديث الزراعة، وتحسين مستويات سلاسل الإنتاج والقيمة، وتحقيق النمو السريع والشامل والمستدام. كما ذكر الرئيس الكونغولي دنيس ساسو أن: "التحديث ليس مجرد شعار، بل هو إرادة مشتركة بين الصين وأفريقيا". وأضاف أن الصين وأفريقيا تسعيان لتحقيق السلام والازدهار، وتعزيز التحديث هو إرادة مشتركة بين الجانبين، داعياً إلى تعزيز الثقة المتبادلة والروح العملية والاحترام المتبادل والتضامن لتعزيز نتائج التعاون الحالية وخلق مستقبل أفضل للأجيال القادمة. وفي إطار المرحلة المقبلة من التعاون بين الجانبين، أعلن الرئيس شي جين بينغ عن عشر شراكات رئيسية بين الصين وأفريقيا ستُنفذ على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بما في ذلك التبادل الثقافي، وازدهار التجارة، والتعاون في سلاسل الإنتاج، والتواصل، والتعاون التنموي، والصحة العامة، والتنمية الزراعية، والتبادل الإنساني، والتنمية الخضراء، والأمن المشترك. وستساعد هذه المبادرات كلا الجانبين على السعي المشترك لتحقيق حلم التحديث. كما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن تقديره لشراكات الصين مع أفريقيا، قائلاً إن هذه الشراكات تُعد دعامة أساسية للتعاون بين بلدان الجنوب، وتساهم في تحقيق السلام والتنمية في أفريقيا. كما شهدت هذه القمة ولأول مرة انعقاد أربع اجتماعات رفيعة المستوى، تناولت موضوعات "الحكم والإدارة"، "التصنيع وتحديث الزراعة"، "السلام والأمن"، و"البناء عالي الجودة لمبادرة الحزام والطريق". "والتطلع إلى الاستعانة بالتجربة الصينية لدفع جهود أفريقيا في الحد من الفقر ومسيرة التحديث الزراعي"، "التطلع إلى دفع الجهود الأفريقية للتحول الأخضر منخفض الكربون"، "وأن علاقات الشراكة الأفريقية الصينية قوة مهمة للحفاظ على السلام والتنمية"، "وأن البناء المشترك عالي المستوى للحزام والطريق، سيتيح المزيد من الإمكانات للقارة الأفريقية لتحقيق التقدم التكنولوجي والتنمية"، ومن وجهة نظر الضيوف المشاركين في قمة بكين، فإن الصين وأفريقيا ستعملان على تعميق فهمهما لقوانين التوجه نحو التحديث في إطار النهضة التنموية والسعي لتحقيق حلم التحديث، الأمر الذي سيقود الجنوب بكل تأكيد إلى تسريع وتيرة التحديث، وسيكون له تأثير كبير وبعيد المدى على تعزيز التحديث العالمي. إيصال صوت الجنوب كما أشار الرئيس الزيمبابوي إيمرسون منانغاغوا خلال القمة إلى أنه "يجب على الصين وأفريقيا، اللتين يتجاوز عدد سكانهما 2.8 مليار شخص، أن يعملا معاً لإيصال صوت الجنوب العالمي". كان مصطلح "الجنوب العالمي" كلمة متداولة في هذه القمة، حيث عبرت الدول عن تطلعاتها لتحقيق التنمية الاقتصادية والسلام. وأكد المشاركون على أهمية توحيد وتعزيز قوة الجنوب العالمي ودفع الإصلاحات في النظام العالمي لتحقيق تقدم جديد في التعاون بين الصين وأفريقيا. وأكد الجانبان في إعلان بكين عزمهما الحفاظ على استقلال الدول وسيادتها وسلامة أراضيها، والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والاستقلالية والتضامن والتنمية، مع رفض التقسيمات الإيديولوجية والمواجهات العسكرية، وحماية مصالح دول الجنوب في الإصلاحات العالمية الجديدة. ومع تزايد نسبة مشاركة دول الجنوب في الاقتصاد العالمي بنسبة تفوق 40%، تتزايد أهمية صوت الجنوب العالمي في المجتمع الدولي. الصين وأفريقيا، بصفتهما عضوين رئيسيين في الجنوب العالمي، لديهما تأثير كبير على الساحة العالمية. كما ذكر السفير الكيني لدى الصين ويلي بيت، أن هذه القمة تمثل لحظة تاريخية مهمة لمناقشة رسم مستقبل العلاقات بين أفريقيا والصين. وأنه على ثقة بأن آليات منتدى التعاون الصيني الأفريقي والتفاهمات المتعقلة به ستلعب دوراً في تطوير العلاقات بين الجانبين وتعزيز التعاون بين دول الجنوب العالمي. كما أشار رئيس اتحاد جزر القمر أزالي أسوماني إلى أن الصين، في تعاملها مع الدول الأفريقية بما فيها الدول الكبيرة والصغيرة، تلتزم دائماً بمبدأ المساواة والتعاون الذي يخدم مصالح جميع الأطراف، مشيراً إلى أن هذا النهج يعزز العدالة في التعاون العالمي، ويعزز من إمكانية تأسيس عالم عادل ومنصف يراعي مصالح جميع الأطراف. وكما هي القلوب أقرب إلى بعضها البعض، والأيدي متماسكة يدًا بيد. فقد أطلقت هذه القمة صوت العصر لسعي الصين وأفريقيا إلى تحقيق التنمية، وأظهرت الثقة الراسخة للتعاون بين دول الجنوب العالمي. وأن مجتمع المصير المشترك بين الصين وأفريقيا سيستمر بما يتحلى به من روح الانفتاح والشمولية في لعب دور مهم لتحقيق التحديث وبناء مستقبل أفضل لأكثر من 2.8 مليار شخص.