الاحتفال بتخريج دفعات جديدة من رجال القوات المسلحة من مختلف الكليات العسكرية، وقبلهم الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من أكاديمية الشرطة، مناسبة لا تدعو فقط لمشاركة أهالى هؤلاء الطلاب فرحتهم المستحقة بأبنائهم، ولكنها فرصة للاحتفاء بانضمام أعداد جديدة من خيرة شباب الوطن لخدمة بلادهم، وبخاصة ونحن نواجه تحديات كبيرة داخليًا وخارجيًا تتطلب أن نكون جميعًا على قلب رجل واحد، وأن يكون من ينضم للخدمة الوطنية فى مختلف القطاعات على درجة عالية من الوعى والاحترافية للتعامل مع تلك التحديات غير المسبوقة. هذه المناسبات فرصة للاحتفاء بالإنسان المصرى الذى تتمسك الدولة بمشروع وطنى طموح لإعادة بنائه عبر جهود مشرفة فى الصحة والتعليم، ومن خلال الحرص على تأهيله ليواكب أحدث معايير العلم والمعرفة فى ضوء الإمكانات المتاحة، وفى ظل تحديات هائلة وغير مسبوقة على المستويات كافة، لكن «الجمهورية الجديدة» تصر على استخدام كل الموارد المتوافرة من أجل بناء الإنسان فى جميع القطاعات، فالإنسان - كما يشدد الرئيس عبد الفتاح السيسى دائمًا- هو الثروة الحقيقية والأهم لهذا الوطن. ■ ■ ■ كان لى حظ الاطلاع على جانب من مراحل إعداد وتأهيل طلاب الأكاديمية العسكرية المصرية، وكذلك المشاركة فى بعض أنشطة أكاديمية الشرطة التدريبية، وأستطيع القول باطمئنان كامل إن معايير إعداد خريجى تلك المؤسسات العلمية، بات يواكب أرقى المعايير التعليمية المتبعة فى مختلف الأكاديميات المناظرة سواء العسكرية أو المدنية، ويوفر فرصة للخريجين كى يكتسبوا معارف ضرورية للتعامل مع تحديات عصرهم بانفتاح وثقة تؤهلهم لخدمة وطنهم فى كل مكان يكلفون بالعمل به. لم يعد تأهيل الطلاب فى مصانع الأبطال من الأكاديمية العسكرية المصرية وأكاديمية الشرطة يقتصر فقط على منحه أحدث ما توصلت إليه العلوم العسكرية أو الشرطية التخصصية، أو الارتقاء بالمستوى البدنى والقتالى للخريج؛ لكى يكون جاهزًا لتنفيذ أية مهام تسند إليه، وهذه مسألة ضرورية ولازمة وتكشفها العروض الراقية فى حفلات التخريج، لكن التأهيل الذى يتلقاه طلاب تلك الأكاديميات بات يدرك أن الحرب اليوم وتحقيق الأمن القومى بمفهومه الواسع يبدأ من صياغة العقول ومنحها أدوات التفكير العلمى ووسائل التعامل مع تعقيدات الواقع من تطور تكنولوجى وتفكير واعٍ قادر على استيعاب التطورات والتحولات المتسارعة عالميًا. من هنا يتضمن تأهيل أولئك الطلاب دراسة مقررات مدنية سواء فى الاقتصاد أو فى العلوم السياسية والقانون والإدارة بمختلف أنواعها، لتأهيلهم للارتقاء على سلم القيادة وهم يتسلحون بالمعرفة والعلم الضرورى لكى يكون الخريج قائدًا ناجحًا فى كل مراحل عمله التى تزداد مسئولياتها كلما ارتقى فى الرتبة والخبرة. ■ ■ ■ فى تلك الأكاديميات رأيت المئات من أصحاب المجاميع العالية فى الثانوية العامة وهم يحققون حلمهم بالحصول على فرصة على درب الالتحاق بالقوات المسلحة، دون أن يفقدوا فى الوقت ذاته فرصة الحصول على مؤهل علمى مدنى يزيد من دوائر معرفتهم وينمى قدراتهم، واعتبار النجاح فى تلك المقررات بنفس معايير الكليات المناظرة فى أعرق الجامعات المصرية شرطًا للتخرج. كما أعجبنى حرص تلك الأكاديميات على تدريس اللغات المختلفة واعتبارها جزءًا أساسيًا من التأهيل العلمى للخريجين، فى وقت تزداد فيه حدة المنافسة التى لم تعد تقتصر على الإطار المحلى أو الإقليمي، بل بات معيار التنافس عالميًا، وهو ما يضاعف من أهمية اتقان اللغات لأى خريج فى جميع المجالات. لكن الأعجب، والذى كان مبهرًا بالنسبة لى على المستوى الشخصي، أن أجد اهتمامًا متعاظمًا بالبناء النفسى لطلاب الأكاديمية العسكرية المصرية وأكاديمية الشرطة، ولا أنسى حوارًا سابقًا مع الفريق أشرف زاهر سالم، مدير الأكاديمية العسكرية المصرية، حول هذا البعد، والذى أكد أنه لا يقتصر فقط على تقديم الرعاية النفسية والتوعية للطلاب، بل يمتد الأمر إلى أسر هؤلاء الطلاب، الذين تستضيفهم الأكاديمية بانتظام فى ندوات ومحاضرات يلقيها متخصصون وخبراء، لبناء أرضية مشتركة بين البيت والأكاديمية للحفاظ على ما يكتسبه الطلاب من قيم ومن نمط حياة صحي، ويضمن الحفاظ على الأسلوب الجديد المتسم بالانضباط والدقة فى كل شيء، والذى يعيشه الطالب فى رحاب الأكاديمية ويجب أن يتواصل خلال إجازاته وبعد تخرجه. وتمتد تلك التوعية النفسية والاجتماعية إلى توضيح طبيعة ما يواجهه الطالب أو الخريج من ضغوط والتزامات كبيرة تجعل من وقته وصحته وتركيزه ثروة حقيقية ينبغى الحفاظ عليها بكل السبل. ■ ■ ■ من حقنا أن نفخر بهذه النخبة الجديدة من خيرة شبابنا، والتى تضيف كل عام رصيدًا يملأ قلوبنا بالثقة والتفاؤل والاطمئنان على مستقبل بلادنا فى ظل تحولات إقليمية عاصفة، تثبت أن امتلاكنا لأدوات القوة الشاملة لم يعد ترفًا أو اختيارًا، بل هو أمر حتمى إذا أردنا أن نحافظ على وجودنا ومقدراتنا. والصور القاسية التى تنهال من حولنا تدفعنا جميعًا إلى إعادة التفكير فى دور كل منا تجاه بلده، وتزيدنا تمسكًا بثوابتنا الوطنية، وبرشد سياستنا فى وقت لا مجال فيه للمزايدات أو الانقسامات، ففى مواجهة العواصف لا ينجو إلا المتمسكون بوحدتهم المتآلفون على قلب رجل واحد، الملتفون حول المصلحة العليا والأولويات الكبرى للوطن، المتحلون بالوعى والإدراك العميق لما يحاك لنا وما يُخطط لمنطقتنا، فهذا -وهذا فقط- هو سبيل النجاة من العواصف والأنواء، سلمنا الله وكل شعوب المنطقة والعالم منها.