تتجه مصر بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر إشراقًا في مجال السياحة العلاجية، حيث تسعى الدولة إلى استغلال موقعها الاستراتيجي ومواردها البشرية والطبيعية، لتصبح وجهة عالمية تقدم خدمات طبية متميزة. تأتي هذه الجهود ضمن رؤية مستقبلية شاملة لتحويل قطاع الرعاية الصحية إلى مصدر رئيسي للدخل القومي، بما يسهم في تعزيز الاقتصاد وتطوير البنية التحتية الصحية. إن السياحة العلاجية هي مزيج فريد بين الطب والسياحة، حيث يبحث المرضى من مختلف أنحاء العالم عن وجهات تقدم لهم علاجات طبية متقدمة بأسعار معقولة وجودة عالية. ومصر، بما تملكه من تاريخ طبي عريق وموارد طبيعية استشفائية فريدة، بالإضافة إلى الكفاءات الطبية المتميزة، تمتلك جميع المقومات اللازمة لتحتل مكانة بارزة في هذا السوق المتنامي. النجاح في هذا المجال يتطلب تكامل الجهود بين القطاعين العام والخاص، فالعالم يشهد اليوم منافسة شديدة من دول مثل الهند وتايلاند التي تقدم خدمات طبية متطورة بأسعار منخفضة. ورغم ذلك، تظل مصر مؤهلة لتكون خيارًا مثاليًا بفضل موقعها الجغرافي، وما تتمتع به من منشآت طبية حديثة وأطباء ذوي خبرة، إلى جانب تجربة السياحة الثقافية الفريدة التي تجذب الزوار من كل أنحاء العالم. عائدات السياحة العلاجية لا تقتصر على دعم الاقتصاد من خلال استقبال المرضى الدوليين، بل تمتد إلى توفير فرص عمل جديدة وتحفيز الاستثمار في القطاع الطبي، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة. كما أن هذه السياحة توفر دخلًا من العملات الأجنبية، وتساعد في تحسين صورة مصر عالميًا كدولة تقدم خدمات رعاية صحية عالمية المستوى. تجربة مجمع الجلاء الطبي تمثل نموذجًا رائدًا يجب أن تحتذيه المنشآت الصحية الكبرى في مصر. ففي عام 2014، افتتح الرئيس السيسي عددًا من المشروعات الكبرى، كان من بينها تطوير وتوسعة مجمع الجلاء الطبي. هذا المشروع لم يقتصر على تقديم خدمات طبية متقدمة في عدة تخصصات، بل ضم أيضًا فندقًا متكاملًا لخدمة العسكريين والمدنيين، بما في ذلك المرافقين للمرضى. هذه الرسالة واضحة للمسئولين ومفادها: يجب أن تحرص جميع المنشآت الصحية الكبرى في مصر على تقديم خدمات متكاملة بجانب الخدمات الطبية، مثل الفنادق والمرافق الترفيهية والمطاعم، لجذب المرضى الدوليين وتقديم تجربة علاجية شاملة تعزز من مكانة مصر على الساحة العالمية في هذا المجال. في دولة الإمارات العربية المتحدة، حققت السياحة العلاجية قفزات هائلة، حيث سجلت دبي وحدها عائدات تجاوزت 730 مليون دولار أمريكي في عام 2022 من استقبال أكثر من 630 ألف سائح علاجي. تُظهر هذه الأرقام بوضوح كيف يمكن للسياحة العلاجية أن تكون مصدرًا ضخمًا للدخل القومي إذا تم استغلالها بشكل صحيح. الإمارات ركزت على تطوير منشآتها الصحية، والحصول على اعتماد دولي، بالإضافة إلى ترويج واسع النطاق لخدماتها الطبية المتطورة، ما جعلها وجهة علاجية منافسة عالميًا. على مصر أن تحذو حذو الإمارات وبلدان أخرى رائدة في هذا المجال، مثل الأردن وتركيا، حيث تميزت هذه الدول في تحويل قطاع الرعاية الصحية إلى محرك اقتصادي فعال. يتطلب ذلك وضع استراتيجية وطنية شاملة تتبناها الجهات المعنية، تبدأ بتحسين جودة الخدمات الصحية، وتنظيم حملات تسويقية ذكية لجذب المرضى من مختلف أنحاء العالم، والتعاون مع شركات الطيران والفنادق لتقديم تجربة علاجية وسياحية متكاملة. هذا النهج سيضع مصر في موقع تنافسي متقدم على الساحة العالمية، مما يتيح لها الاستفادة من العوائد الاقتصادية الضخمة التي يمكن أن توفرها السياحة العلاجية. مصر اليوم تقف على أعتاب مستقبل واعد في مجال السياحة العلاجية، وما تحتاجه هو خطة مدروسة وتنسيق محكم بين مختلف القطاعات المعنية. القيادة الحكيمة تستطيع أن تستغل هذه الفرصة الذهبية لتضع مصر على الخريطة العالمية كوجهة أولى للسياحة الصحية، مما يحقق طفرة في الاقتصاد الوطني ويدعم استدامة التنمية الشاملة.