بكل المقاييس ووفقًا لوقائع التاريخ، فان العلاقات المصرية السعودية ذات طبيعة استراتيجية، وتمثل نموذجا يحتذي بين بلدين شقيقين. وقد لا نبالغ اذا قلنا إن الأسابيع الماضية، تكشف عن توافق بين قيادة البلدين الرئيس عبدالفتاح السيسي وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الامير محمد بن سلمان، علي الدخول بالعلاقات الي (عقد ذهبي جديد)، وهو السمة الاساسية التي تتميز بها العلاقات بين البلدين منذ عقود، حيث شهدت الفترة القريبة الماضية عن ماراثون سياسي، وزخم من الزيارات بين كبار المسئولين في البلدين، توج بالمباحثات التي اجراها رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي ، والتي سبقها زيارة استثنائية لوزير الداخلية السعودي الامير عبدالعزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية، يرافقه عصام بن سعيد هو وزير في مجلس الوزارء المعني بملف العلاقات مع مصر، التي كشفت عن توجه جديد في العلاقات بين البلدين علي المستوي الامني، وتبادل الخبرات بينهما، خاصة وان كلا من القاهرةوالرياض لهما تجربة ثرية ،وناجحة بامتياز في مواجهة الارهاب في الحقب الماضية. ودعونا نتفق علي حقيقة مهمة، تتمثل في الاعداد الجيد لزيارة الدكتور مصطفي مدبولي الي الرياض، من خلال الاجتماعات التي تمت علي المستوي الاقتصادي بين الوزراء المعنيين، بهذا الملف في القاهرة لتمهيد للزيارة، والاتفاق علي التفاصيل الفنية، وللمساهمة في تحويل وجود الدكتور مصطفي مدبولي ،الي منصة للاعلان عن نتائج ملموسة علي ارض الواقع. ومن أهمها زيارة وزير خالد الفالح وزير الاستثمار للقاهرة، لبحث سبل تفعيل آليات التعاون الاستثماري، وتحقيق التكامل التجاري وزيادة تدفقات رأس المال بين البلدين والبحث في التقدم المحرز في مفاوضات اتفاقية تشجيع الاستثمارات الثنائية، وكان من الطبيعي أن تمثل الزيارة مرحلة جديدة في العلاقة بين البلدين، دفعت مجلس الوزراء السعودي في اجتماعه الأخير منذ يومين فقط، إلى الإشادة بنتائجها. بل قام المجلس بتفويض وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، بالتباحث مع الجانب المصري في مشروع الاتفاق علي تشكيل مجلس التنسيق الاعلي المصري السعودي، والتوقيع عليه، وهي احد النتائج المهمة التي تم الاعلان عنها اثناء الزيارة ،والتي توجت باللقاء الذي جمعه مع ولي العهد الامير محمد بن سلمان حيث تم استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وافاق التعاون المشترك وسبل تعزيزه وتطويره، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين . واحقاقا للحق فان الفترة القادمة ستشهد حقبة ذهبية جديدة،هي امتداد لحقب بدأت منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي، والتي عبر عنها الوزير ماجد القصبي وزير التجارة السعودي، عندمًا اشار بعد لقائه بالدكتور مدبولي الي (القوي الناعمة لمصر، وقدرتها علي التأثير في المجتمع السعودي في الستينيات، (عندما كان الطبيب والمعلم وحتي الفن والثقافة مصدرها الوحيد مصر)، وكذلك الالاف من المصريين العاملين في السعودية منذ السبعينات، او ماقبلها، والذين يسهمون في تقدم وازدهار هذا البلد الشقيق،كما بدات مع الموقف السعودي الداعم لمصر في مؤتمر الخرطوم اغسطس 1967 ،عندما امر الملك فيصل بتجميد كل المشروعات التي يمكن ان تنتظر قليلا، لتوفير الدعم والمساعدة لمصر بعد عدوان يونيه 1967 ، ودخلت حقبة ذهبية جديدة بعد الموقف التاريخي للرئيس الراحل حسني مبارك في اغسطس 1990 ،عندما انحاز الي الحق الكويتي تجاه الغزو العراقي، وفي الاستجابة الفورية لطلب المملكة العربية السعودية، بتواجد قوات مصرية علي اعلي مستوي من التدريب والكفاءة، بهدف الدفاع عن الامن القومي السعودي، في لحظة فارقة في التاريخ العربي. ولعل التاريخ لن ينسي الدور الذي قام به الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، في دعم خيارات الشعب المصري في يونيه 2013 ، والذي حرص علي اعلان الموقف السعودي علنا وعلي رؤوس الاشهاد، بل زار القاهرة بشكل سريع ، رغم ظروفه الصحيحة ،والتحرك العظيم للامير الراحل سعود الفيصل الذي جاب عواصم القرار في العالم ،في محاولة ايصال رسالة للجميع، بان ماحدث خيار مصري مائه بالمائه، ويحتاج مزيدا من الدعم ومن المساندة. هذا الموقف الذي استمر بعد تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الامير محمد بن سلمان المسئولية ، في الدعم غير المحدود علي المستوي الاقتصادي والتنموي ومع تعدد الزيارات علي مستوي قيادتي البلدين، سواء في القاهرة او الرياض، او علي هامش مؤتمرات دولية، وكذلك الاجتماعات علي المستويات الوزارية، وفي ارتفاع معدلات الاستثمارات السعودية ، وزيادة الودائع السعودية لدي البنك المركزي المصري ، حيث وصل حجم التبادل التجاري وفقا لارقام 2022 الي 54 مليار ريال، بنسبة نمو وصل الي 87 بالمائة مقارنة بعام 2020 ،وزادت الصادرات السعودية الي اكثر من 38 مليار ريال، والواردات المصرية للسوق السعودي الي اكثر من 15 مليار ريال . واصبحت مصر أكبر شريك تجاري عربي للمملكة، وعلي المستوي الدولي هي الشريك السابع ،من جانب الصادرات والتاسع من خلال الوردات، وتصل حجم الاستثمارات السعودية في مصر الي 53 مليار دولار، ويقدم الصندوق السعودي للتنمية دعما يصل الي حوالي تسع مليار ريال ل 32 مشروع في قطاعات حيوية، كما ان هناك اكثر من 6800 شركة سعودية تعمل في مصر، وتبلغ الاستثمارات المصرية في السعودية تبلغ 5 مليار دولار من خلال 802 شركة . واستكملت زيارة الدكتور مصطفي مدبولي الي الرياض، مسيرة العلاقات، حيث شهدت زخما غير مسبوق في الاجتماعات التي عقدها مع كافة المسئولين عن القطاعات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، ومنهم الدكتور ماجد القصبي وزير التجارة ورئيس الهيئة العامة للتجارة الخارجية، وخالد بن عبدالعزيز الفالح وزير الاستثمار والتقي مع اعضاء الغرفة التجارية السعودية، ونستطيع التوقف عند نتائج الزيارة ونتوقف عند بعضها : اولا: الاعداد لعقد مجلس التنسيق الاعلي المصري السعودي الشهر القادم، وسيكون برئاسة قيادة البلدين، والذي يمثل اعلي مستوي للاشراف علي ادارة كل ملفات العلاقات الثنائية علي كآفة المستويات ،سياسيا واقتصاديا. ثانيا : اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة، بعد الانتهاء منها علي المستوي الفني، للاعداد للخطوة القادمة، واتخاذ الإجراءات الدستورية خلال الفترة القادمة، للتوقيع عليها، التي ستساهم في تحقيق استفادة للجانبين، من حيث زيادة معدلات الاستثمار، وتبادل الخبرات، ويذكر في هذا الشان الي الاغلاق شبه الكامل، لملف حل مشاكل المستثمرين السعوديين في القاهرة . ثالثا : الاتفاق علي ضخ 5 مليار دولار، كاستثمارات مباشرة كمرحلة اولي. وبعد فكل المؤشرات تشير الي الفترة القادمة، ستكون هي الاهم في تاريخ العلاقات بين البلدين .