لا مجال للمبالغة فى القدرات الاستخباراتية لإسرائيل.. وبدلا من ذلك يتعين أن يتجه الحديث إلى بحث الضعف الاستخباراتى لدى حزب الله ومن قبله إيران. اختلفت الروايات حول تفجيرات لبنان والتى أودت بحياة عشرة أشخاص وإصابة قرابة ثلاثة آلاف شخص منهم نحو مائتين فى حالة خطرة.. فهناك من تحدث عن تفجير عن بعد لبطاريات أجهزة الاتصال.. وهناك من قال إن أجهزة الاتصال التى يستخدمها حزب الله تم تزويدها بمتفجرات قبل أن تصل إليه منذ شهرين، تم تفجيرها برسالة مشفرة.. وأيضاً قيل إن أجهزة الاتصال التى انفجرت حصل عليها حزب الله من إيران، وبعدها قيل بل من شركة من تايوان، وخرجت الشركة لتنفى وتقول إن الشركة التى باعت أجهزة الاتصال لحزب الله هى شركة أوروبية تستخدم العلامة التجارية للشركة التايوانية، وأنه قد جرت تعديلات على الأجهزة بعد بيعها.. لكن كل الروايات اتفق الرواة فيها أن ما حدث كان نتيجة اختراق أمنى كبير تعرض له حزب الله فى لبنان سيكون له تداعياته عليه مستقبلًا وعلى المواجهة القائمة الآن منذ السابع من أكتوبر الماضى مع إسرائيل.. ولعل ذلك هو الأمر الوحيد المؤكد حتى الآن من بين كل الروايات التى ترددت بعد حدوث انفجار أجهزة الاتصال التى يستخدمها حزب الله، سواء كان تفجيرها تم من خلال بطارياتها أو بشحنة متفجرة تم زرعها فيها بحرفية حتى لا تكتشف، وسواء كانت أجهزة الاتصال صنعت فى إيران أو تايوان أو دولة أوروبية! وهذا الأمر المؤكد جعل البعض يتحدث الآن بلهجة المبالغة عن القدرات الاستخباراتية التى تملكها إسرائيل، وهى القدرات التى ظهرت من قبل فى اغتيال إسماعيل هنية فى مبنى تابع للحرس الثورى الإيرانى يقع بقلب طهران، بتفجير استهدف غرفته التى ينام فيها من دون بقية غرف المبنى، وقبلها اغتيال عدد من قادة وكوادر حزب الله فى لبنان وهم فى سياراتهم أو المبانى التى يقيمون فيها.. لكن من يتأمل فى هدوء الأمر فسوف يكتشف أنه لا مجال هنا للمبالغة فى قدرات أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وذلك لأكثر من سبب، أولها أن قدرات الموساد الإسرائيلى ليست هى قدراته وحده وإنما هى فى ذات الوقت قدرات عدد من أجهزة المخابرات الغربية على رأسها جهاز المخابرات الأمريكية الذى تربطه مع الموساد الإسرائيلى منذ خمسينيات القرن الماضى اتفاقية تعاون مشترك وتبادل للمعلومات الاستخباراتية، خاصة التى تتعلق بمنطقتنا ودولها.. أى أن الموساد الإسرائيلى لا يعمل بإمكانياته وقدراته فقط وإنما هو يعمل بقدرات وإمكانيات عدد من أكبر أجهزة الاستخبارات الغربية يتقدمها جهاز المخابرات الأمريكى الذى يملك معلومات العديد من الأقمار الصناعية.. ومع ذلك فقد أخفق الموساد كثيرا طوال العقود التى مضت منذ إنشائه حتى الآن، وكان إخفاقه أحيانًا مدويًا، وهناك كتب لإسرائيليين منهم أحد رؤسائه تسجل بالمعلومات هذه الإخفاقات المدوية، وقد استعنت بها من ضمن مصادر عديدة فى كتابى (الموساد. سقوط الأسطورة) الذى صدر قبل حوالى عقدين من الزمان. ولذلك لا مجال للمبالغة الآن فى القدرات الاستخباراتية لإسرائيل.. وبدلا من ذلك يتعين أن يتجه الحديث إلى بحث الضعف الاستخباراتى لدى حزب الله ومن قبله إيران بالطبع.. فهذا الضعف يعد السبب الأهم لحدوث الاختراق الأمنى الكبير الفادح الذى تعرض له الحزب فى عملية تفجير أجهزة الاتصالات لديه، وليست القدرات الخرافية الاستخباراتية لإسرائيل التى لا تعد قدراتها وحدها وإنما هى قدرات العديد من أجهزة المخابرات الكبيرة عالميا.. وهذه هى حقيقة ما حدث. لقد أعلن الحزب بعد عملية تفجير نظام الاتصالات لديه أنه سيجرى تحقيقًا أمنيًا وعلميًا للوقوف على حقيقة ما حدث وبالقطع صدمه وأفزع لبنان كله، خاصة أن إعلامًا إسرائيليًا رأى أن عملية التفجير التى لم تتبنها إسرائيل رسميًا حتى الآن قد تكون مقدمة لاقتحام برى إسرائيلى للجنوب اللبنانى تخطط له حكومة نتانياهو منذ وقت. إن ما قامت به إسرائيل فى لبنان ليس عملًا خارقًا، وإنما هى استفادت من ضعف استخباراتى بيّن لدى حزب الله.. ولذلك لا مجال للمبالغة فى القدرات الاستخباراتية لها.. وبما أننا اقتربنا من ذكرى حرب أكتوبر لعلنا نسترجع نجاحنا فى تضليل كل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وفاجأناهم بعبورنا قناة السويس وتدمير خط بارليف الذى كانوا يعتبرونه أكبر خط دفاعى فى تاريخ الحروب.