بعد هجمة شرسة على الطرق الصوفية، منذ أمس، وبعد ظهور صلاح التيجاني واتهامه بالتحرش، وإصدار شيخ الطريقة بياناً رسمياً يتبرأ منه، حول رواد التواصل الاجتماعي القضية إلى هجوم شرس على الطرق الصوفية، واتهمت الرواد بمخالفة الكتاب والسنة، فيما أجابت دار الإفتاء على سؤال يقول فيه صاحبه: هل صحيح ما نسمعه من أن التصوف يخالف الكتاب والسنة، وأن مصادره غير إسلامية؟. وأجابت دار الإفتاء، أنه قد اتُّهِم التصوف بمخالفته للكتاب والسنة، ولعل من أسباب هذا الاتهام أن أقوامًا نظروا إلى ما أحدثه بعض مدعي التصوف، وظنوا أن ما يفعلونه هو التصوف، فقاموا في تسرع بغير روية، وبغير إطلاع على مبادئ التصوف وأقوال أئمته بإصدار الأحكام العامة، مما تسبب فيما نحن فيه، لذا كان أهل الله من الصوفية المخلصين يعتنون ببيان أن هذه المظاهر ليست هى التصوف، فها هو أبو نصر سراج الطوسي يقول في "ديوان الحلاج": لا تسأمنَّ مقالتي يا صاح واقبل نصيحة ناصحٍ نصَّاح ليس التصوف حيلة وتكلفًا وتقشفًا وتواجدًا بصياح ليس التصوف كذبة وبطالة وجهالة ودعابة بمزاح بل عفة ومروءة وفتوة وقناعة وطهارة بصلاح وتقى وعلم واقتداء والصفا ورضى وصدق والوفا بسماح راجع: "أشعار نسبت إلى الحلاج" "صنعه وأصلحه الدكتور كامل مصطفى الشيبي، ط. دار آفاق عربية". وتابعت الدار: " عبارات أئمة الصوفية تؤكد على أنه لا تصوف إلا بموافقة الكتاب والسنة، ومن ذلك ما قاله إمام الصوفية الإمام الجنيد في "الرسالة القشيرية" (1/ 79، ط. دار المعارف): [الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يُقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة] اه. وقال العلامة شاه الكرماني [ت300] في "الرسالة القشيرية" (1/ 94): [من غَضَّ بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعَمَّر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعَوَّد نفسه أكل الحلال، لم تخطئ له فِراسة] اه. وقال ذو النون المصري في "الرسالة القشيرية" (1/ 38): [مِن علامات المحبة لله عز وجل متابعةُ حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه] اه. يقول الإمام تاج الدين السبكي في كتابه "جمع الجوامع" (2/ 491، ط. دار الكتب العلمية):مبنيٌّ على الكتاب والسنة، لا يخرج عنهما قيد أنملة] اه. دار الإفتاء: قراءة القرآن مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به محرم شرعًا وأشارت الدار، إلى أنه قد أنصف التصوفَ علماءٌ لم ينتسبوا إليه كابن خلدون؛ حيث أكَّد على أن أصل التصوف متابعة الكتاب والسنة وسلف هذه الأمة؛ فقال في "مقدمة ابن خلدون" (ص: 576-577، ط. دار الفجر): [وأصله -أي التصوف- أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها -من الصحابة والتابعين ومن بعدهم- طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذةٍ ومالٍ وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة، وكان ذلك عامًّا في الصحابة والسَّلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختصَّ المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة... وتابعت الدار: "و يؤكد ابن خلدون على هذا المعنى؛ حيث يرى أن تدوين التصوف لم يكن بدعة ابتدعها القوم، وإنما كان كتدوين العلوم الشرعية الأخرى؛ فيقول: فلما كتبت العلوم ودونت، وألفت الفقهاء في الفقه وأصوله والكلام والتفسير وغير ذلك، كتب رجال من أهل هذه الطريقة في طريقهم، فمنهم من كتب في الورع ومحاسبة النفس على الاقتداء في الأخذ والترك، كما فعله المحاسبي في كتاب "الرعاية" له، ومنهم من كتب في أدب الطريقة وأذواق أهلها ومواجدهم في الأحوال، كما فعله القشيري في كتاب "الرسالة"، والسهروردي في كتاب "عوارف المعارف" وأمثالهم". واختتمت دار الإفتاء فتواها بقولها: " إن التصوف الإسلامي ظاهرة سنية ظهرت بين أهل السنة والجماعة وصدرت عن أسس إسلامية، وهذا لا يمنع بل لعل هذا هو ما حدث فعلًا- أنها تأثرت في رحلة تطورها الطويلة بمؤثرات خارجية كان لها أثر ملحوظ في صبغ هذه الظاهرة السنية الإسلامية ببعض الألوان الجديدة، مع بقاء الظاهرة مرتبطة بأصولها الأولى".