الدواء في مصر ينبع من كونه سلعة تخضع لما يُعرف ب «التسعيرة الجبرية» التي تضعها الحكومة باعتبارها سلعة استراتيجية مهمة. ما زالت أزمة الدواء مستمرة، ومعظم الحلول هى مسكنات فقط، شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية تطالب بتشكيل لجنة عليا تتولى إدارة ملف صناعة الدواء فى البلاد، مهمتها وضع حلول سريعة للتحديات غير المسبوقة التى تواجه القطاع، بداية من استيراد الخامات الدوائية وتصنيعها وتوزيعها وبيعها فى الصيدليات، والتى انعكست بصورة واضحة على نقص الدواء فى البلاد خلال الأشهر الماضية. وما أعلمه ونعلمه جميعاً، أن لدينا هيئة عليا للدواء من عام 2020، ومن اختصاصاتها ومهامها الرسمية، وضع السياسات والخطط التى تهدف إلى ضمان توافر المستحضرات والمستلزمات الطبية وضمان جودتها وفعاليتها ومأمونيتها، ومراجعة جميع النظم واللوائح والقرارات الرقابية وتعديلها لمواكبة متطلبات الجودة والسلامة الصحية والمعايير الدولية، ولها أن تقترح التعديلات اللازمة أو اقتراح وضع قواعد وأحكام جديدة فى الأنظمة واللوائح والقرارات. والسؤال الآن، أين دور الهيئة في الأزمة الحالية، ولماذا نلجأ لتشكيل لجنة جديدة؟ إن أصل أزمة الدواء في مصر ينبع من كونه سلعة تخضع لما يُعرف ب «التسعيرة الجبرية» التى تضعها الحكومة، باعتبارها سلعة استراتيجية مهمة، لا يجوز التخلى عنها، أو تركها لقوى العرض والطلب. وهذه التسعيرة، كما يقول خبراء الدواء، لم تتغير منذ عام 2017، عندما كان سعر الدولار داخل البنوك 18 جنيها فقط، ومصر تعتمد بنسبة 90٪ على الاستيراد من الخارج، للحصول على المواد الخام والفعالة ومستلزمات الإنتاج والتعبئة والتغليف للأدوية، فكيف نحل المعادلة الصعبة فى مجال الدواء؟ كيف نحل مشكلة التسعير لصناع الدواء، ونحمى المواطن فى نفس الوقت من اشتعال الأسعار. الحكومة تسعى بكل جهدها للإسراع بخطة توطين الدواء، لسد العجز فى قطاع الدواء، وتقليل نسبة الاعتماد على الخارج فى توريد الدواء. أتمنى أن تشهد الفترة القادمة طفرة فى صناعة الدواء، تنطلق من داخل «مدينة الدواء» التى افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسى، فالهدف الأساسى من إنشاء هذه المدينة مواكبة التكنولوجيا العالمية فى صناعة الدواء، مع التركيز على المستحضرات الأساسية الخاصة بالأمراض المزمنة، مثل أدوية الضغط والسكر والقلب والكلى والمخ والأعصاب والمضادات الحيوية والهرمونات والتوسع فى إنتاج الأمصال واللقاحات. والدخول بمصر إلى مجال صناعات جديدة، مثل صناعة الخامات الدوائية، والتوسع فى صناعة أدوية الأورام. تحقيق هذه الأهداف يضمن توفير الدواء الآمن وبأسعار مناسبة، وتجنب أزمات نقص الدواء. الدواء قضية أمن قومى، والقيادة تدرك ذلك جيداً وتحرص على متابعتها، سواء على مستوى الحكومة أو البرلمان، وقد كان فى جائحة كورونا عبرة للعالم كله. حيث رأينا أن الدول التى تعافت منها بشكل أسرع هى صاحبة التقدم العلمى فى البحث والتصنيع فى مجال اللقاحات والأمصال، وأخيراً الدواء. وهذا هو ما تضعه الدولة أمامها فى رؤيتها لمستقبل صناعة الدواء خلال الفترة القادمة.