لطالما كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، السباق الأكثر أهمية، خاصة أن نتيجتها تكون لها تداعيات كبيرة فى جميع أنحاء العالم، وهو ما يحفز العديد من الدول خصومًا أو حتى حلفاء على التدخل لدعم مرشح بعينه لخدمة مصالحها أو لزعزعة استقرار أمريكا. وقد أصبح التدخل الأجنبى بالفعل قضية رئيسية فى انتخابات البيت الأبيض لعام 2024، مع تكثيف أجهزة الاستخبارات الأمريكية من تحذيراتها للحزبين الجمهورى والديمقراطى وحتى الناخبين، بشأن تصاعد محاولات التأثير الخارجى على نتائج السباق. اقرأ أيضًا | قتل بلا نهاية.. مجازر جديدة وتنديدات واسعة بقصف مدرسة للأونروا روسياوإيرانوالصين، ثلاثة خصوم عادة ما تُوجه إليهم أصابع الاتهام بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية خاصة فى سباقات البيت الأبيض الثلاثة الأخيرة على الأقل. وقد أكد «مركز التأثير الأجنبى الخبيث» التابع لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية أن جهود التلاعب بالعملية الانتخابية الأمريكية مستمرة، مشيرًا أن لكل دولة أهدافها، فمثلا روسيا تدعم المرشح الجمهورى دونالد ترامب على حساب منافسته كامالا هاريس، فيما تهدف إيران إلى الإضرار بترشيح ترامب بسبب سياساته المتشددة تجاهها، أما الصين فلطالما كانت متهمة بتقويض دعم الولاياتالمتحدة للديمقراطية. وكشف مقال رأى نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الثلاثاء الماضى أن خصوم الولاياتالمتحدة يعتبرون التدخل فى الانتخابات فرصة منخفضة التكلفة وذات عائد كبير محتمل سواء. هذه المخاوف رددها تقرير نشرته شركة «مايكروسوفت» فى أغسطس الماضى، وأظهر أن وتيرة التأثير الأجنبى على الانتخابات الرئاسية الأمريكية تسارعت بشكل مطرد على مدار الأشهر الستة الماضية. وأوضح التقرير كيف تنخرط روسياوإيرانوالصين فى عمليات تأثير تركز على القضايا السياسية المثيرة للانقسام بالولاياتالمتحدة قبل انتخابات نوفمبر المقبل، ومن أبرزها الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين والمعارضة لإسرائيل فى الجامعات الأمريكية. وليس مفاجئا أن تتعرض الانتخابات الرئاسية الأمريكية لمحاولات تدخل خارجى ولكن التهديد هذه المرة يبدو أكثر تطورًا وتعقيدًا بداية من الهاكرز إلى المواقع الإلكترونية المزيفة واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. فى مطلع الشهر الجارى قالت وزارة العدل الأمريكية إن روسيا، التى تعتبرها واشنطن التهديد الأبرز على الانتخابات الرئاسية، تشن حملة سرية للتدخل فى السباق والتأثير على النتيجة. وأضافت أن روسيا دفعت نحو 10 ملايين دولار لتوظيف مؤثرين محافظين أمريكيين، بعضهم لديه ملايين المتابعين، لبث محتوى داعم لموسكو وتعزيز الانقسامات فى الولاياتالمتحدة وإضعاف المعارضة الأمريكية للمصالح الروسية، مثل الحرب فى أوكرانيا. وتتهم واشنطنموسكو بالتدخل فى الانتخابات الرئاسية علم 2016 واختراق حسابات البريد الإلكترونى لمسئولى الحزب الديمقراطى، لترجيح كفة ترامب على حساب منافسته آنذاك هيلارى كلينتون. كما أفاد تقرير نشرته شركة الاستخبارات الأمريكية «جرافيكا»، أن الصين تستفيد من حملة تدعى «سباموفلاج»، باستخدام حسابات مزيفة أو مخترقة تنتحل صفة مواطنين أمريكيين، لنشر مشاعر معادية للغرب قبل الانتخابات. وقال محللون لوكالة «أسوشيتد برس» إن الصين، التى تبدو أكثر حذرًا حملاتها التضليلية، تركز على التأثير على السياسة الأمريكية بشأن تايوان وتقويض الثقة فى الديمقراطية الأمريكية أكثر من مساعدة أى مرشح فى سباق 2024 على رئاسة البيت الأبيض. كما برزت إيران كلاعب مهم فى عالم المعلومات المضللة، حسبما أفاد تقرير لموقع «أكسيوس»، وأشار إلى أن طهران نجحت بالفعل فى اختراق الحملة الانتخابية للرئيس السابق دونالد ترامب للتأثير على حظوظه أو حتى إقصائه، واتهمت وكالات الاستخبارات الأمريكية، إيران بالمسئولية عن الهجوم الإلكترونى وأكدت أنها «واثقة من أن الإيرانيين سعوا من خلال هندسة اجتماعية وجهود أخرى، للوصول إلى أفراد لديهم وصول مباشر إلى الحملات الرئاسية لكلا الحزبين، وإن أنشطة كهذه تهدف إلى التأثير على عملية الانتخابات الأمريكية». وقالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية أفريل هينز فى يوليو الماضى إن إيران «أصبحت أكثر عدوانية فى جهود التأثير الخارجي، وتسعى إلى تأجيج الخلافات وتقويض الثقة فى مؤسساتنا الديمقراطية». هذه التحذيرات تشير إلى أن واشنطن تواجه تهديدًا أكبر هذا العام لما تشكله برامج الذكاء الاصطناعى من مخاطر أبرزها قدرة خصومها على استخدام هذه التكنولوجيا لخلق صور مزيفة تبدو واقعية يمكن أن تضلل الناخبين بسهولة. فهل تتمكن واشنطن من التغلب على هذه التحديات والخروج بانتخابات الرئاسة المحتدمة فى 2024، دون تأثير يُذكر على نتائجها أم سينجح خصومها فى تشكيل سياسة البيت الأبيض حتى 2028؟