علي مدار نصف ساعة من مقابلتي بالوزير محمد عبد اللطيف، لم أجد وصفا دقيقا آخر استطع ان أصف به، الوزير الجديد محمد عبد اللطيف ، غير انه 《وزير من خارج الصندوق》، حيث أنه يدير ظهره للنظام التعليمي المعمول به منذ سنوات . بعد تقلده المنصب الوزاري كوزيرا للتربية والتعليم، جلست أمامه، استمع لحديثه معي عن التعليم، وكيف اتخذ قراراته، فوجدت نفسي أمام فكر جريء، لم أعاصره علي مدار مسيرتي الصحفية، كمتخصصة في الشأن التعليمي، التي عاصرت خلالها 15 وزيرا للتربية والتعليم في قرابة ال 21 عاما . علي الرغم من أن 《عبد اللطيف 》 تقلد المنصب الوزاري في فترة وجيزة ، إلا أنه صنع 《 حالة》في التعليم برمته بداية من المرحلة الابتدائية انتهاءاً ببعبع الطلاب والأسر المصرية 《 الثانوية العامة 》، ولم تقتصر الحالة التي صنعها عند هذا الحد ، بل اقتحم ملف المدارس الشائك بجسارة يحسد عليه، بداية من أزمة الكثافات الطلابية، مرورا بالغياب الطلابي، وانتهاء بأزمة العجز في المعلمين داخل المدارس ، وكأننا أمام شخصية من خارج الصندوق متحدية للواقع بأكمله ، ولكنها بدرجة 《وزير 》. علي الرغم من الانتقادات اللاذعة التي اعترضت طريق الوزير محمد عبد اللطيف ، فور تقلده المنصب الوزاري في باديء الأمر ، باعتباره ليس من الحقل التربوي ، ولم يكن علي دراية كاملة بمشكلات التعليم أو المعلمين ، إلا أن هذا الأمر لم يوقفه عن السير قدما في تحقيق أحلامه، وأفكاره التطويرية لحلول مشكلات التعليم دون الالتفات لهذة الانتقادات ، فوضع أفكاره وخططه علي الطاولة، وبدأ التنفيذ الفوري وأصدر قراراته التي وصفها الشارع المصري بالشجاعة والجريئة ، وبالفعل أثبت《 عبد اللطيف》من خلالها للجميع أنه قادر علي إدارة ملف التربية والتعليم بأحترافية شديدة ، وبطريقة مبتكرة ومعاصرة تجمع بين القدامى والحداثة ، من حيث التمسك بمباديء التربية قبل التعليم، وأنه لا تعليم بدون انضباط، وأن المعلم هو العمود الفقري للعملية التعليمية ولأحداث أي تطوير ، وإدخال الحداثة التكنولوجية في العملية التعليمية بأعتبار أننا نعيش عصر التكنولوجيا، ليعلن خطته الفترة القادمة وهي دمج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى فى التعليم، وذلك من خلال تدريس البرمجة لطلاب المرحلة الثانوية. منذ أن وطأت قدم 《عبد اللطيف》 مقر وزارة التربية والتعليم في العاصمة الإدارية الجديدة، أوقد شعلة النشاط بين الموظفين داخل ديوان عام الوزارة ، بل والمدارس أيضاً، حيث اعتاد《عبد اللطيف》 منذ اليوم الأول من اعتلاءه الكرسي الوزاري ، التواجد داخل مقر الوزارة منذ السابعة صباحا ، وهو ما أجبر جميع موظفي الوزارة بالألتزام بهذا الموعد للحضور ، ويستمر الوزير يعمل حتي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ، فيخرج أخر شخص من الوزارة ، وذلك بهدف دراسته لكافة ملفات العملية التعليمية، وذلك إدراكا منه حجم المسئولية الملقاة على عاتقه في مواجهة تحديات صعبة وكبيرة ، بل ميراث تعليمي ضخم معتاد يواجه كل وزير يتقلد منصب وزارة التربية والتعليم ، إلا أن《 عبد اللطيف》، قرر أن يواجه هذا الميراث الضخم من المشكلات ليقضي عليها في تحدي كبير لذاته ليطبق مقولة 《 أكون أو لا أكون 》 ، وهي المقولة التي ينتهجها في حياته منذ نعومة أظافره ليكون شخص معتمدا علي نفسه في كافة أمور حياته ، وهذا أتضح جليا حينما خرج بأكثر من تصريح بأنه قرر العمل بجانب دراسته ليتحمل المسئولية والأنفاق على نفسه، وكان أول عمل قام به كان عمره 13 عاماً وعمل وقتها بائعا للجرائد ثم عمل في أحد المطاعم في تلك الفترة ، ويعتز بذلك، حيث أكد نصاً 《 فخور إني اشتغلت واتعلمت واتحملت المسؤولية بدري، ومن وأنا صغير بصرف على نفسي 》 .. وأضاف 《 أنه بعد عودته إلى مصر والتحاقه بالجامعة لم يتوقف عن العمل ،وأستمر في العمل مع الدراسة، وما زال ينتقل من عمل إلى آخر حتى تولى منصب المدير التنفيذي لمجموعة مدارس الدكتورة نيرمين إسماعيل》 . فلم يعتمد 《 عبد اللطيف 》 علي خبرته في إدارته لمجموعة مدارس والدته الدكتورة نيرمين إسماعيل ، كمديراً تنفيذياً ، في إدارة ملف التربية والتعليم ، إلا أنه بمجرد جلوسه علي الكرسي الوزاري ، أراد التعرف علي مشكلات التعليم علي أرض الواقع ، فأستطاع أن يجوب جميع محافظات مصر في فترة وجيزة للغاية ، قبل إصداره للقرارات الوزارية ، للتعرف عن قرب علي المشكلات الميدانية التي يعاني منها المعلم سواء داخل الفصل أو المدرسة أو علي مستواه المهني والاجتماعي ، والمعوقات التي تعوق العملية التعليمية ، والمشكلات التي يواجهها الطلاب أيضاً، حيث زار 16 محافظة حتي الآن ، وعقد اجتماعات مع أكثر من 250 مدير إدارة تعليمية ومعلمين وقيادات تعليمية بالمحافظات ،وذلك للأطلاع علي أرائهم والمشكلات التي يعانون منها وتم مناقشة كافة الأمور التي تخص العملية التعليمية. علي الرغم من تولي 《عبد اللطيف 》 منصب وزارة التربية والتعليم في 3 يوليو 2024 ، أي منذ قرابة الشهرين ، إلا أنه أحدث《 ثورة 》 داخل المنظومة التعليمية في 15 يوم فقط من تقلده المنصب ،وهو ما أثار الجدل بين الجميع حول قراراته السريعة والجريئة لحل مشكلات مؤرقة يعاني منها الجميع خلال سنوات مضت ، حيث ابتدء الأمر بأتخاذ 《 عبد اللطيف 》 عدة قرارات جريئة أهمها كيفية مواجهة المشكلات المؤرقة للعملية التعليمية ، كالكثافات الطلابية وعجز المعلمين، ومنظومة الثانوية العامة ، والغياب الطلابي بالمدارس ، حيث وضع الوزير محمد عبد اللطيف ،علي طاولة الحكومة ، خطط سريعة التطبيق لحل هذة الأزمات ، ليقرر إعادة هيكلة منظومة الثانوية العامة برمتها وتطبيق المنظومة الجديدة بداية العام الدراسي الجديد 2025م ، فضلاً عن إعادة تطبيق درجات أعمال السنة ونظام التقييمات بالمراحل التعليمية المختلفة وفقًا لنظم التعليم الحديثة بمختلف دول العالم، وتطبيق منظومة المواظبة والسلوك ورصد الغياب داخل المدارس، وإعادة الأمتحانات للصف الثالث الابتدائي بعد إلغاءها عدة سنوات . وجاءت فلسفة وزير التعليم الجديد ، في قراره بإعادة هيكلة المرحلة الثانوية العامة ، بأن الأمر ليس متعلقا بإلغاء أو تخفيف مواد وإضافة مواد أخرى، ولكن الهدف هو إتاحة الفرصة للمعلم ليؤدى عملية تعليمية جيدة داخل الفصل، بعدد ساعات معتمدة للمواد الأساسية، وأن يكون لديه الفرصة والوقت لتدريس المحتوى، وكذلك تنمية مهارات الطلاب، والعمل على حل المشكلات والأنتهاء من المنهج فى الوقت المخصص، ومتابعة تدريسها بشكل جيد ، حيث وجد الوزير ، أن لدينا 32 مادة تدرس خلال الصفوف الدراسية الثلاثة، الصف الأول والثاني والثالث الثانوي في حين أن الأسبوع الدراسي يحتوي على 5 أيام حضور للدراسة فقط ويتضمن اليوم الدراسي عدد 7 أو 8 حصص ليصل عدد الحصص خلال الأسبوع ل 35 حصة، لذا كانت توجد صعوبة في تقسيم المواد الدراسية على عدد الحصص خلال الأسبوع.. كما وجد أن مصر هي الدولة الوحيدة عالميا التي تدرس 14 مادة دراسية في صف دراسي واحد لطلاب الصف الاول الثانوي ، في حين أن عدد المواد الدراسية بأبرز دول العالم ، تتراوح بين 6 ل8 مواد دراسية بحد أقصي، والغالبية العظمي تدرس 6 مواد دراسية طوال العام الدراسي بينهم مواد تربية رياضية وفنية ، وذلك بناء علي الأبحاث والدراسات التي قام بها خبراء مركز البحوث الذي يضم 120 خبير ، بعد طلب الوزير عبداللطيف ، منهم أن يعدوا دراسات وافية عن الدراسة بأهم 20 دولة في العالم وكيفية الدراسة بالتعليم الثانوي وعدد المواد التي تدرس بها ، فضلا عن قيام الوزارة ذاتها بأبحاث أخري في هذا الشأن ، فلم يتخذ الوزير قراراً عشوائيا بإعادة الهيكلة ، بل جاء بناء علي دراسات وأبحاث وافية مقارنة بالدول الاخري ، ليتخذ قراراه للقضاء علي بعبع الثانوية العامة والتخفيف من علي كاهل الأسر المصرية ، و الذي جاء بمثابة الضربة القوية لأباطرة الدروس الخصوصية ، حيث أن هذا القرار في حال تطبيقه سيساهم في تنفيذ رؤية الوزارة لمواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية ،والتي ترتكز على تقديم منظومة تعليمية متكاملة داخل المدرسة تغني الطالب عن اللجوء لأي مصادر خارجية. كما أن الهدف من قرار 《عبد اللطيف》 ، بإلغاء تدريس مادة الفلسفة والمنطق من الصف الثالث الثانوي العام ، يرجع إلي أن يتم التوسع في تدريس المادة بشكل أكبر ومكثف لطلاب الصف الاول الثانوي العام فقط .. وهذا الأمر يرجع لإيمان الوزير الشديد بأن الفلسفة هي أم العلوم وهي مادة في غاية الأهمية ولا يجب أن يهمش طالب الشعبة العلمية من دراستها ، وتقتصر دراستها فقط علي طلاب الشعبة الأدبية ، لذا فأن وزير التعليم أراد أن تدرس مادة الفلسفة لجميع الطلاب سواء الطالب بالشعبة الادبية والعلمية ، فتم إقرار دراستها علي طلاب الصف الاول الثانوي العام بشكل أوسع ومكثف دون أن تقسم علي سنوات اخري ، فأن هذا الامر سيزيد من قيمة الفلسفة ، عندما تدرس بشكل أكبر وكامل ، بحيث أن لا تكون مادة أدبية فقط ، بل يجب أن تكون مادة لها قيمتها يجب أن يتعلمها جميع الطلاب . ولم تقتصر قرارات الوزير الجديد《 محمد عبد اللطيف》 ، التي وافقت الحكومة علي تنفيذها عند هذا الحد ، بل قرر تحديد قيمة الحصة فوق النصاب القانوني للمعلمين المعينين الذين سيقومون بالتدريس فوق النصاب لتكون بقيمة 50 جنيها، كما تم زيادة قيمة الحصة لمعلمي الحصة من خريجي الكليات المؤهلة للتدريس من 20 جنيها إلى 50 جنيها للحصة . وأعتمدت خطة 《عبد اللطيف》 ، لسد العجز في المعلمين علي 4 حلول ، جاءت علي رأسها استكمال المبادرة الرئاسية لمسابقة تعين 30 ألف معلم سنويا، اضافة لتفعيل قانون مد الخدمة رقم 15 لسنة 2024م، والتعاقد مع 50 ألف معلم بالحصة للعمل طبقًا لاحتياج كل إدارة تعليمية من حيث أنصبة الحصص للمادة والمعلم، توجيه الإدارات لضبط معدلات الأنصبة للمعلمين والمواد بما يحقق تفادي هدر الأنصبة، فضلا عن الأستعانة بالخرجين لأداء الخدمة العامة بالتعاون مع وزارتي التعليم العالي و التضامن . ولم يكتف 《 عبد اللطيف》 بهذة القرارات ، بل أصدر قراره الجريء بإلزام المدارس الدولية او الأجنبية بمصر بتدريس مواد اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ ، للطلاب ، وإضافتها للمجموع ، بهدف الحفاظ علي الهوية الوطنية لهؤلاء الطلاب ، وإجادة الطلاب اللغة العربية إجادة تامة والدراية الكاملة بتاريخ وطنهم. كما وضع الوزير الجديد، ضوابط جديدة لتنظيم مجموعات التقوية والتي عدل مسماها من 《 مجموعات الدعم المدرسي》 إلى مسمى 《 مجموعات التقوية والدعم التعليمي》 ،وألقي الكرة في ملعب مجلس إدارة المدرسة ليكون المنوط به تنظيم مجموعات التقوية وتحديد الحد الأدنى لقيمتها على أن تعتمد من مجلس الأمناء، ولكنه أشترط في الضوابط أن لا يتجاوز قيمة المجموعات بحد أقصي 100 جنيه للمادة الواحدة . إضافة لذلك أصدر 《عبد اللطيف》 ، قرارا وزاريا ، بضوابط جديدة للائحة الأنضباط المدرسي ، والذي عدل مسماها ليصبح اسمها 《 لائحة التحفيز التربوي والانضباط المدرسي》، والتى تمنح مدير المدرسة طرق التحفيز وآلية التنفيذ بشكل حاسم وحازم لحل جميع المشكلات التى تواجهه داخل المدرسة ، كما حددت اللائحة مخالفات السلوك والعقوبات للطلاب وصنفت المخالفات لأربعة مستويات وذلك حسب درجتها، وشدة خطورتها، وتأثير ارتكابها على الطالب، وعلى البيئة التعليمية، والمجتمع بشكل عام، ويتم تنفيذ الإجراءات الخاصة بكل منها حسب أحكام هذه اللائحة. كما أشتملت قرارات الوزير والتي جاءت ضمن خطته لحل مشكلة الكثافات الطلابية ، أن يتم نقل المدارس الثانوية بالفترة المسائية والأستفادة من هذه المدارس في الفترة الصباحية بنقل المدارس الإعدادية لها ، ومن ثم الاستفادة من المدارس الإعدادية التي تم نقلها للمدارس الثانوية وإستغلالها لتلاميذ المرحلة الابتدائية طبقا لطبيعة كل إدارة تعليمية، ويتم ذلك طبقاً لخطة استرشادية وضعتها هيئة الأبنية التعليمية وطبقاً لمعايير نقل المدارس الأبتدائية والإعدادية ، فضلا عن تعديل الأسبوع الدراسي المتبع في بعض الإدارات ليكون (5 أيام) تعليم أكاديمى ، بالإضافة إلى يوم أنشطة ورياضة بدلاً من 4 أيام) ، حتى تستكمل الخطة التعليمية الأكاديمية بعدد الساعات المطلوبة سنوياً، وإتاحة هذا النموذج كما هو لإدارات أخرى ، إضافة الي إنشاء الفصل المتحرك من خلال تحريك فصل في المرحلة يكون في غرفة نشاط أو تربية رياضية ، وهذا النظام متبع في عدة دول متقدمة. ولم يقف الوزير الجديد ، عند هذا الحد من إصداره للقرارات الجديدة ، بل نظم لقاءات مباشرة دورية أستمرت ل3 أيام مع مديري المدارس ب 27 محافظة بأجمالي 5400 مدير مدرسة، وذلك لأستعراض إجراءات وآليات ضمان أنتظام العملية التعليمية مع بداية العام الدراسي الجديد على مستوى الجمهورية ، فضلاً عن إتاحة الفرصة الحقيقية للأستماع إلى المشكلات على أرض الواقع، وجهود الوزارة في تحسين البيئة التعليمية وتوفير الدعم اللأزم للمعلمين والطلاب على حد سواء، مؤكدين حرصهم على بذل كافة الجهود لتنفيذ القرارات والآليات التي أقرتها الوزارة. وبعد كل هذة القرارات التي اصدرها وزير التعليم علي مدار 70 يوما فقط ، فنجد أنفسنا أمام شخصية من خارج الصندوق في أفكاره وخططه محدثا ثورة علي النظام التعليمي المصري ليعيد رونقة من جديد لتصبح التربية قبل التعليم داخل المدارس المصرية .