يقال إن (الكذب يمكن أن يجتاز نصف العالم، بينما الحقيقة مازالت تربط حذاءها)، لعل ذلك ما اعتمد عليه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو الأسبوع الماضى، عندما سعى إلى عقد مؤتمرين صحفيين خلال أيام قليلة، والتى فشلت فى تحقيق أهدافها، وخابت فى رسائلها لمن يهمه الأمر، بل كشفت عن شخص (جبان وضعيف، وليس لديه إيديولوجيا، ويحركه منطق واحد هو الحفاظ على كرسيه)، وهى ليست أبدا تعبيراتى، ولكن ذكرها رجل الأعمال الإسرائيلى جلعاد شارون ابن رئيس الوزراء الأسبق ارئيل شارون، ردا على الهجوم والانتقادات التى وجهها نتانياهو لوالده. وحقيقة الأمر أن هذا الظهور الإعلامى المكثف للرجل، يستدعى التوقف بالرصد والتحليل، بعد أن كشف عن محاولته (تغيير الجغرافيا) من خلال استخدامه للخرائط، (تزييف التاريخ) رغم أنه حديث لم يمر عليه سنوات، من خلال حجم الأكاذيب التى ذكرها، واستلزمت ردودا عديدة، سأكتفى بالإسرائيلى منها، خرائط الرجل خلت تماما من أى إشارة للضفة الغربية، وضمت الإشارة إلى حدود إسرائيل وهى كل إراضى فلسطين التاريخية، مع عدم إظهار حدودها أو مسماها المعتاد إسرائيليا يهودا والسامرة، وهو تكريس لرؤية تيار التطرف الحاكم، الذى يرى فيها أرضا إسرائيلية، فى إلغاء لحقائق الجغرافيا والتاريخ، وهذه ليست المرة الأولى لنتانياهو، ففى سبتمبر الماضى وأمام الأممالمتحدة، وقبل أسابيع فقط من طوفان الأقصى، عرض فى إطار خطابه أمام المنظمة الدولية عن رؤيته للسلام، باستعراض خريطة علاقات بلاده بدول المنطقة، وتجاهل تماما وجود أو أى إشارة لدولة فلسطين، بما يعنى إغفال حل الدولتين، رغم حديثه عن اتساع قبول إسرائيل فى المنطقة، وهو امتداد لما فعله وزير المالية سموتريش فى باريس أيضا العام الماضى ويومها قال بصلف وبجاحة شديدة (لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطينى، هو اختراع وهمى منذ 100 عام) بينما دولته أصلا لم يكن لها وجود منذ قرار التقسيم فى أربعينيات القرن الماضى. لم يكتف نتانياهو بذلك، فعندما أشار إلى قطاع غزة أبرز فقط محور صلاح الدين ليبدأ البعد الثانى وهو الخاص بتزييف التاريخ، بكم الأكاذيب التى اتبع فيها الأسلوب الشهير، (اكذب ثم اكذب حتى تصدق نفسك)، فالرجل يتعامل مع الجميع، كما لو كانوا يملكون (ذاكرة السمكة)، ففى إطار دفاعه غير المبرر عن رفض الانسحاب من المحور، غير وقائع معاشه، لها شهود أحياء، واستلزم الأمر ردودا عليه، منها ما جاء على لسان بينى جانتس عضو مجلس الحرب السابق، الذى كشف «المعلومة المفاجأة» أن نتنياهو، كان يخشى أصلا من فكرة العملية البرية على القطاع، بعد السابع من أكتوبر الماضى، وكذلك العملية العسكرية على رفح، بل هو من كتب منذ عامين، حسب الإعلام الإسرائيلى أنه (لا يؤيد غزوا بريا للقطاع، وليس هناك نية لذلك، واهتمامى الأكبر بالقضية النووية الإيرانية، التى تهدد وجود إسرائيل ذاتها)، والرجل ظل رئيسا للوزراء 15 عاما دون أن يتحدث عن المحور، أو يفكر فى دخول غزة، واكتفى بالعدوان عليها عدة مرات باستخدام القصف الجوى، أما (أم الأكاذيب) فكانت فى الترويج لبطولات مزيفة، بمعارضته لقرار شارون بفك الارتباط مع قطاع غزة فى عام 2005، والتى استدعت تنشيط ذاكرته، وهذه المرة من جلعاد شارون والذى تساءل فى مقال له، (كم مرة يجب تذكير نتانياهو بأنه صوت لمصحلة الانفصال داخل الحكومة، وثلاث مرات أخرى فى الكنيست، وأنه أحد الذين صاغوا القرار الحكومى حول ذلك)، ناهيك عن (كذبة تهريب الأسلحة عبر الأنفاق) أو عبر ممر صلاح الدين، فهو يحاول تزييف الحقائق المعروفة للكافة، واستخدم صورا قديمة قبل 2014 تمت معالجتها بالفوتوشوب قبل قيام مصر بضبط الحدود، ويحاول نتانياهو إغفال حقيقة لم تعد خافية على أحد، عن أن 80 بالمائة من الأسلحة التى تستخدمها المقاومة، تصنيع محلى فى ورش داخل القطاع، ومعداتها تم شراؤها من إسرائيل، والنسبة الباقية جاءت عبر البحر، وشراء وتهريب أسلحة من الجيش الإسرائيلى نفسه. سيد نتانياهو (إذا كنت كذوبًا، فكن ذكورًا).