عادت استثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومى، أو ما يعرف ب»الأموال الساخنة» فى التدفق على مصر من جديد، لتبلغ مستوى غير مسبوق، متجاوزة 40 مليار دولار فى يوليو الماضي، والأموال الساخنة يمتلكها مستثمرون دوليون على الأغلب فى الدول المتقدمة ذات الاقتصاديات المستقرة، ويحركونها عبر مؤسسات استثمار إلى الدول النامية والأسواق الناشئة من أجل تحقيق الربح السريع والمرتفع، من خلال الاستثمار فى أدوات الدين قصيرة الأجل فى حال كانت الفائدة عليها مجزية بالنسبة لهم، وبعد ذلك يحولون هذه الفوائد إلى الخارج مرة أخرى مع الاحتفاظ بأصل رأس المال المستثمر، ولذلك هى إحدى أشهر وسائل المضاربة الرامية لتحقيق الربح بأقصر طريق. يكمن خطر «الأموال الساخنة» فى خروجها السريع والمفاجئ من الاقتصادات، مما قد يؤثر على سعر الصرف واحتياطيات النقد الأجنبية، وهو ما حدث بالفعل فى مصر قبل أكثر من عامين، وكان جزءا من الأزمة الاقتصادية التى تلقى بظلالها حتى اللحظة، وفى مطلع عام 2022، حينما كان سعر صرف الدولار أمام الجنيه نحو 15.8 جنيه للدولار الواحد، واحتياطى العملات الأجنبية عند 41 مليار دولار، خرجت من مصر نحو 22 مليار دولار «أموال ساخنة» وجاء ذلك نتيجة «اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية»، لأنه خلال الأزمات تخرج الأموال الساخنة بشكل كثيف لتعويض خسائرها فى الأسواق المتقدمة، وهذا إن حدث سيعيد المشاكل التى عانى منها الاقتصاد المصرى خلال الفترة الماضية. ويجب النظر إلى هذه الأموال على أنها أداة استثنائية، ولا يتم الاعتماد عليها، وأن نستغنى عنها فى أقرب فرصة، بسبب أعبائها على الدين العام من جهة، ومن جهة أخرى اتسامها بعدم الاستقرار أو الاستدامة، والحل فى ظل التوترات الموجودة فى المنطقة والتى ممكن فى ليلة وضحاها أن تتوسع وتصبح حربا إقليمية أوسع تعيد للأذهان ما حدث بعد الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من خروج أكثر من 22 مليار دولار من أدوات الدين المصرية بشكل مفاجئ الأمر الذى أثر على العملة المحلية وخلق أزمة فى تدفقات النقد الأجنبي، وللعلم نفس ال 22 مليار دولار التى خرجت هى التى استقبلتها مصر بعد تحرير سعر الصرف ورفع مستويات الفائدة مؤخراً. يجب وضع خطة لاستبدال الأموال الساخنة بمنتجات أكثر استقرارا وثباتا مقارنة مع أذون الخزانة مثل السندات ذات الآجال المتوسطة والطويلة بجانب تسريع برنامج الطروحات الحكومية وجذب الاستثمارات فى الأسهم للشركات المطروحة فى البورصة، الثالث بالتأكيد هو الاستثمار الأجنبى المباشر الداعم للاقتصاد والإنتاج والتصدير والمشجع للنمو والتشغيل، وبالتالى فإن جذب الاستثمارات المباشرة، التى تتسم بالاستقرار، وتعمل على زيادة فرص العمل والصادرات، وتستقدم تكنولوجيا جديدة، كما تساهم فى عملية ضخ نقد أجنبى من الخارج فى شرايين الاقتصاد القومى «هو الحل الأمثل».