90 جنيها لكيلو العدس.. تعرف على أسعار البقوليات بأسواق دمياط    المشاط تلتقي مجموعة جيفرز المالية وبنك جي بي مورجان لعرض نتائج برنامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي    ماكرون: حزمة مساعدات فرنسية ضخمة لدعم لبنان بقيمة 100 مليون يورو    تعرف على موعد تحرك بعثة الزمالك لاستاد محمد بن زايد    ليس فرد أمن.. إعلامي إماراتي يكشف مفاجأة عن هوية صاحب التيشيرت الأحمر    شاب يمزق جسد صديقه بسبب خلافات بينهما في منطقة العمرانية    إصابة شخصين في مشاجرة بالأسلحة البيضاء بمنطقة إمبابة    السجن المشدد 5 سنوات لعاطلين في الشروع بقتل سائق توك توك وسرقته بالمطرية    بعد إلغاء عرض آخر المعجزات.. مهرجان الجونة يعلن تغيير فيلم افتتاح دورته السابعة    لمياء زايد: كنت أحلم بدخول دار الأوبرا فأصبحت رئيسة لها    قبة مستولدة محمد علي.. نقابة المهندسين تقرر تشكيل لجان لبحث ما أثير حول هدم بعض المناطق التاريخية    محمد محمود عبدالعزيز وزوجته سارة وشيماء سيف ضيوف «صاحبة السعادة»    نائب وزير الصحة يبحث مع نظيره بدولة بنما التعاون المشترك    ضبط تشكيل عصابي لسرقة الأسلاك الكهربائية من الشقق بمدينة 15 مايو    مدير تعليم القاهرة يوجه بضرورة تسجيل الغياب أولًا بأول    ندوات توعية حول ترشيد المياه في إطار مبادرة (بداية) بمطروح    لمواليد برج العذراء.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 2024    تعرف على طاقم تحكيم مباراة الأهلي والزمالك    تشكيل مانشستر يونايتد المتوقع أمام فنربخشة بالدوري الأوروبي    السوبر المصري - تفاصيل برنامج الأهلي تحضيرا لمواجهة الزمالك    جيرارد: صلاح مهووس باللعبة.. أتحدث عنه باستمرار.. وأتمنى بقاءه    كولر يعقد محاضرة للاعبين قبل التوجه لملعب مباراة السوبر    دعم للفلاحين.. رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمنظومة حوكمة تداول الأسمدة الزراعية    تعاون مع الأمم المتحدة لمواجهة الجرائم البيئية    تداول 55 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحرالأحمر    وزير الصحة يتابع استراتيجيات تحقيق العدالة الاجتماعية والنمو الشامل في مؤتمر السكان 2024    "خناقة بالمطاوي" داخل موقف إمبابة والحصيلة مصابان    بدء تشغيل معامل جديدة بجامعة الإسماعيلية الأهلية (صور)    الرئيس الصينى يدعو لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة وإحياء حل الدولتين    حزب الله يدك قاعدة زوفولون للصناعات العسكرية شمال مدينة حيفا    الأمم المتحدة: تضاعف عدد القتلى من النساء فى النزاعات المسلحة خلال 2023    جامعة حلوان تنظم المهرجان التنشيطي للأسر الطلابية    الإسعاف الإسرائيلي: إصابة شخصين بجروح خطيرة في الجليل الغربي    جامعة المنوفية تحتل المركز التاسع محليا و28 إفريقيا في تصنيف ليدن الهولندي    التأمين الصحي بالقليوبية يحتفل باليوم العالمي لنظافة الأيدي بمستشفى بنها النموذجي    الكشف على 168 مواطنا بقافلة طبية بقرية ميت الحوفين في بنها    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت الحوفيين ضمن مبادرة "بداية".. صور    تكليف 350 معلمًا للعمل كمديري مدارس بالمحافظات    تحرير 125 محضرًا خلال حملات على المخابز والأسواق    مهمة جديدة في انتظار شيكابالا داخل جدران الزمالك بعد أزمة الثلاثي    اعتقال 200 فلسطيني من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة    نيقولا معوض يخدع ياسمين صبري في ضل حيطة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024 في المنيا    مدير منطقة الغربية الأزهرية يتفقد انتظام الدراسة بالمعاهد الأزهرية بالمحلة    مبادرة "بداية " تضيء احتفالات أكتوبر بمدرسة سان جوزيف    محافظ أسيوط يتفقد مدرسة النيل الدولية    استقرار أسعار الفراخ البيضاء اليوم الخميس 24 أكتوبر    إطلاق قافلة طبية قافلة طبية ضمن مبادرة رئيس الجمهورية    هل يجوز الكذب عند الضرورة وهل له كفارة؟.. أمين الإفتاء يوضح    بدائل الشبكة الذهب للمقبلين على الزواج.. خيارات مشروعة لتيسير الزواج    الأحد.. هاني عادل ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    تجديد حبس فني تركيب أسنان قام بقتل زوجته وألقى بجثتها في الصحراء بالجيزة    سول: قمامة حملها منطاد كوري شمالي سقطت على المجمع الرئاسي    خبير عن تطرق البيان الختامي ل " البريكس" للوضع في الشرق الأوسط: رسالة للجميع    خالد الجندى: سيدنا النبى كان يضع التدابير الاحترازية لأى قضية    فيديو مرعب.. لحظة سرقة قرط طفلة في وضح النهار بالشرقية    ميقاتي: لبنان مستعد لتنفيذ القرار 1701 فور وقف إطلاق النار    تهنئة بقدوم شهر جمادى الأولى 1446: فرصة للتوبة والدعاء والبركة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاسيت الذوق والصراع علي أذان المصريين
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 09 - 09 - 2024

لم يكن شريط «الكاسيت» مجرد وسيط جديد صاحب التطور المتتابع وحالة الحداثة التى اجتاحت المجتمع المصرى فى بداية السبعينيات، بل مقدمة لتحلل شروط التقديم والاعتراف والسيطرة الفنية تزامن مع رحيل الفنانين الكبار، فتغيرت قواعد اللعبة بالكامل.. عصر جديد بدأ لحظة تحول مهمة يرصدها الكاتب والباحث آندرو سايمون فى كتابه «إعلام الجماهير ثقافة الكاسيت فى مصر» حيث يسلط الضوء على بداية ذلك التحول الكبير ودخول ثقافة الكاسيت فى مصر، مع ما صاحبها من صراع على اذان المصريين وثقافهتم الموسيقية أو ما سمى أيضا ب«الذوق العام»، بداية من أجهزة الكاسيت والرغبة فى خلق سوق سوداء مزدهرة لأجهزة تشغيل الشرائط، وحتى التاريخ الثقافى للانفتاح الاقتصادى والذي كان شريط الكاسيت من أبرز رموزه وأحمد عدوية من أهم نجومه.
قرب نهاية حكمه، أصدر أنور السادات سلسلة من القرارات لتخفيف أزمة المرور ومكافحة التلوث الضوضائى فى القاهرة. وقد حظرت المراسيم التى دخلت حيز التنفيذ رسميًّا فى 8 نوفمبر 1980 وظلت موضوعا للنقاش لأسابيع لاحقة، استخدام أبواق السيارات وجرمت «مكبرات الصوت الصاخبة، وأصوات التلفزيونات الصاخبة، وحفلات أشرطة الكاسيت التى تُلعب على أرصفة الشوارع».
وبفضل الإجراءات التنفيذية للرئيس، لم تعد أشرطة الكاسيت التى يستمتع بها العديد من المصريين بصوت عالى فى الأماكن العامة، مجرد مصدر إزعاج. والآن، أصبحت تسجيلات الكاسيت الصاخبة غير قانونية.
ومن المؤكد أن السادات لم يكن المواطن الوحيد الذى أكد على الدور الذى تلعبه الأشرطة فى التلوث المزعوم للمشهد الصوتى فى مصر. فالضجيج غير المرغوب فيه الذى تسببه الأشرطة واضح بشكل جلى فى المجلات المصرية منذ السبعينيات والثمانينيات.
وعلى صفحات الصحف المصرية، نرى متسولًا مصابًا وملفوفًا بالضمادات، يشيد بقدرة شريط الكاسيت على تسجيل نداءاته فى الشوارع. فلم يعد من الضرورى بالنسبة إليه أن يطلب المال من المارة: فقد قام التسجيل بذلك نيابةً عنه.
وفى مشهد آخر، نرى رجلًا يدخن النرجيلة فى مقهى شعبي؛ حيث يدوى خلفه شريط كاسيت، يقدم على الأرجح أحدث أغانى المطربين الشعبيين. وبينما يطرد الدخان من صدره بحثا عن سلامه النفسى، يطلب أن يُستبدل التسجيل الصاخب بشريط كاسيت لا يحتوى على أى شيء من يديه.
ثم هناك رسم لاثنين من المشاة يمران بجوار متجر شرائط كاسيت حيث تصدح «أغانٍ هابطة» من على إحدى طاولات المتجر القريبة من الرصيف.
ويقول التعليق المصاحب للرسم الكاريكاتيري: «يا أهل المغنى دماغنا وجعنا»، وهى شطر من قصيدة لبيرم التونسى تعود إلى أربعة عقود سابقة. كانت هذه العبارة موجهة فى الأصل إلى المطربين المفرطين فى الرومانسية، وهى فى هذه الحالة اللاحقة تقصد «الفنانين» الأدنى منزلة، الذين تصيب كلماتهم «التى لا معنى لها» المستمعين بالمرض.
ومن الجدير بالملاحظة أنه فى كل هذه الحالات، كانت هناك أشرطة صوتية معينة فقط هى التى تلوث المشهد الصوتى فى مصر. تسبب الأرشطة التى نحمل محتوى «مبتذلا» ضجيجًا، بينما لا تبدو الأشرطة التى تحتوى على مواد «راقية» صاخبة أبدًا، وإذا كانت الأشرطة «الراقية» تأسر المستمعين بهدوء، فإن أشرطة الكاسيت «التافهة» تظهر وكأنها تخترق آذان المصريين وتغزوها وتلحق بها الضرر.
لم يثر الضجيج الذى أطلقته أشرطة الكاسيت «المبتذلة» اهتمام الرسامين وحدهم، الذين سخروا وعبروا عن المناقشات السائدة، بل كذلك اهتمام الباحثين والفنانين والسياسيين والأطباء ومسئولى الأمن الذين سعوا ظاهريًّا لحماية آذان مواطنيهم من خلال الضغط لإسكات أصوات معينة.
ومنذ عام 1978، سلط أحد الكتاب، وهو رجب السيد، الضوء على المخاطر التى تشكلها أشرطة معينة على البيئة الصوتية فى مصر وساكنيها. واستنادا إلى خلفيته كخبير فى معهد البحار ومصايد الأسماك فى الإسكندرية، قال إن المشهد الصوتى فى مصر، مثل مياهها، يمكن تلويثه. ولدعم هذا الادعاء، استشهد بكتاب صدر عام 1977 من تأليف «آر. موراى شافير، بعنوان «ضبط العالم»، وهو نص أساسى فى مجال الدراسات الصوتية التى عالجت التلوث الضوضائى كسبب للقلق العام.
وعلى الرغم من أن رجب السيد يتطرق إلى عدة مصادر للضوضاء فى رسالته، فإنه يمكن القول إنه يخصص أقسى كلماته لأغانى الكاسيت الشعبى ولمن كانوا يرفعون صوتها.
وفى الصفحات الأخيرة من كتيبه، خص بالذكر نوعين من المصريين من الطبقة العاملة «العامل اليدوى» و«البائع المتواضع» اللذين استخدما أجهزة الكاسيت لبث «مطربيهما الشعبيين المفضلين بأعلى صوت ممكن»، وعلى مدار الساعة.
ومما زاد الأمر سوءًا، أن الحركة الواسعة للأشرطة الصوتية، كما يشير السيد، سمحت لهذه «الموسيقى الصاخبة» التى تعرضت للسخرية على نطاق واسع بسبب طبيعتها «المبتذلة»، بالانتقال من المتاجر وزوايا الشوارع إلى الحافلات المزدحمة والمساكن الخاصة.
ويخلص الكاتب إلى أن انتشار أشرطة الكاسيت هذا كان لا نهائيًّا على ما يبدو، وأن الضرر الذى تسببت فيه للمشهد الصوتى فى مصر يتطلب اهتمامًا فوريًّا من الجميع.
كانت الصلة التى رسمها رجب السيد بين التلوث الضوضائى وأشرطة الكاسيت الخاصة متعمدة وشائعة. وفى بعض الأحيان، كان الموضوع يصعد إلى أعلى أروقة السلطة. ففى عام 1988، على سبيل المثال، انعقد البرلمان المصرى لمناقشة مشكلة التلوث.
وخلال الجلسة، استفسر أحد أعضاء المجلس عن الخطوات التى يمكن اتخاذها «لتطهير مصر من التلوث فى عالم الغناء». وردًّا على هذا السؤال الذى لا شك أنه كان يشير إلى الأشرطة التى تحمل موسيقى شعبية، وعد محمد عبد الوهاب أحد المندوبين باتخاذ إجراءات فورية.
وبعد وقت قصير من اختتام الاجتماع، تواصل الفنان المتميز مع موسيقيين مُجازين آخرين لمعالجة هذه القضية الملحة.
وفى أحيان أخرى، لفتت الضجة التى أحدثتها بعض الأشرطة انتباه الأطباء ورجال الأمن. ففى أحد الأعمدة المنشورة عام 1986، شبه طبيب أنف وأذن أغانى الكاسيت الشعبية التى تنطلق فى سيارات الأجرة ب«المسيرات العسكرية»، ونبه القراء إلى «الموت البطىء» لآذان الناس فى القاهرة، بينما زعم مدير الأمن فى مدينة الجيزة المجاورة أن «فوضى الأصوات وفوضى الأدوات اللتيْن تتسببان فى الإزعاج» تضر بسمع وذوق المواطن المصرى.
وسواء طُرحت فى البرلمان أو فى الصحف، فإن الحاجة إلى حماية بيئة مصر وآذان سكانها قدمت للعديد من اللاعبين ما يبدو سببا وجيها لاتخاذ إجراءات صارمة ضد تسجيلات الكاسيت الصاخبة.
ومع ذلك، يمكن القول فى الحقيقة إن المشاركين فى هذه المناقشات كانوا أقل اهتمامًا بتلوث المشهد الصوتى فى مصر من اهتمامهم ب«التلوث المزعوم» للثقافة المصرية. وبعد تناول الضجيج الذى يقال إن أشرطة الكاسيت «المبتذلة» تحدثه فى الممارسة العملية، دعونا ننظر إلى الضجة التى أحدثتها فى المنتديات العامة؛ حيث تزايدت أعداد المنتقدين الذين يلومون مصريين عاديين على تسميم الذوق العام.
فنانون محتالون، ومنتجون غير مؤهلين، وتسليع الثقافة
فى صيف عام 1980، نشرت مجلة آخر ساعة المصورة رسالة زعمت أنها من مواطن يقيم فى محافظة الإسماعيلية، شمال شرق البلاد. ولفت كاتب الرسالة الغاضبة، إبراهيم أحمد على، نظر القراء إلى ظاهرة مزعجة يشهدها بشكل منتظم.
كانت الأشرطة الصوتية التى تحمل «كلمات لا معنى لها» تهاجم آذان وعقول وذوق المستمعين على مدار الساعة، وأكد الكاتب أن التسجيلات المبتذلة أساءت إلى جميع المصريين، وأن من يقف وراءها ليسوا أكثر من مهرجين «أدعياء فن» ينبغى إسكات إنتاجهم، أولئك الذين «حصلوا على أموال طائلة» من جعل المستمعين فى حالة «فقدان للوعي».
وعلى الرغم من أنه من الصعب تحديد ما إذا كان الناس العاديون قد شعروا بأن من واجبهم كتابة رسائل مثل رسالة على، أو ما إذا كان أولئك الذين يعملون فى الدوريات التى تسيطر عليها الدولة قد اتخذوا هويات زائفة لتوجيه انتقاداتهم، فمن الواضح أن أشرطة الكاسيت التى وجدها المصريون «مبتذلة» أثارت ردود فعل قوية.
وفى قلب هذه الانتقادات كانت هناك شخصيتان مهمتان: «الفنان المحتال» و«المنتج غير المؤهل»، وكلاهما استفاد من «فساد مزعوم» للذوق العام، وقاموا بتسليع الثقافة المصرية.
ويرى العديد من النقاد، أن أشرطة الكاسيت سهلت انتشار الأصوات «المبتذلة» من خلال تمكين أى شخص من أن يكون «فنانًا» بغض النظر عن تأهيله. وزعموا أن تمكين أى مواطن من أن يصبح منتجًا ثقافيًّا، بدلًا من مجرد مستهلك ثقافى، أدى إلى خفض المعايير الفنية وتشويه الذوق العام.
ولنتأمل، على سبيل المثال، رحلة كاتب واحد فى عالم التسجيلات «التافهة». فخلال صيف عام 1981، يروى أسامة المنسى؛ الناقد الثقافى، كيف دخلت فتاة قروية إلى متجر كاسيت فى وسط القاهرة.
وهناك، كما يقول، تراقصت وغنت كلمات «ساذجة» بينما كان الشاب المرافق لها يعزف على بعض الأوتار الخشنة على العود. وعلى الرغم من أن الأداء كان مريعًا، فإن المغنية حصلت على عقد لمدة خمس سنوات. وسرعان ما ستصبح أشرطتها الفظة، مثلها مثل عدد لا يحصى من «الفنانين» غير المعروفين، متاحة للجماهير التى ستعانى «معاييرها الفنية وذوقها»، كما يحذر الصحفى، حتمًا من تلك الأشرطة الرهيبة.
لم يكن الصوت المجهول الذى سخر منه المراسل استثناء. كان، فى الواقع، واحدًا من بين العديد من المصريين الذين انضموا إلى صفوف الفنانين بفضل أشرطة الكاسيت، كما اعترف أحد المطربين العرب فى الثمانينيات: «كنت أتوقع أن أسمع أغانى راقية فى مصر، ولكنى وجدت شيئًا مختلفًا تمامًا. لقد أدهشنى العدد المذهل من المطربين والأغانى التى تظهر باستمرار». وأوضح أن «كل من يحلو له صوته يغنى ويصدر مجموعة من الأغانى الجديدة كل شهرين».
ومن خلال تمكين «الجميع» ليصبحوا مطربين، ادعى النقاد مرارا وتكرارا أن تكنولوجيا الكاسيت، لا تولِّد سوى «الفوضى»، كما أنها رفعت الأصوات التى لا تستحق البث.
وفى الصحافة المصرية، بذل المعلقون جهودًا كبيرة للتمييز بين نجوم الكاسيت وفنانى الماضى. وبدا الفنانون الذين سبقوا الأشرطة الصوتية كأساتذة فى حرفتهم، وموسيقيين «متقنين» يتدربون بعناية على كلمات أغانٍ تنقل رسالة مهمة.
بالمقابل، كان أصحاب الأصوات التى أشاعتها العديد من الأشرطة مجرد أدعياء، وهواة «غير مثقفين» ابتكروا أغانى لا حصر لها بلا معنى. وفى حين أثرى أحدهما المصريين وأبهرهم، فإن الآخر جلب الصداع النصفى وأضر بالذوق العام.
كما أوضح أحد المواطنين الذى ربما كان محررًا، فى رسالة إلى آخر ساعة، أن الفنانين، قبل انتشار مسجلات الكاسيت، كانوا يختارون بدقة كلمات أغانيهم والتوزيعات الموسيقية التى تُعزف عليها.
ونتيجة لهذا الاجتهاد، اخترقت أعمالهم المستمعين «مثل الأشعة السينية»، وتركت انطباعًا باقيًا. وفى عصر الأشرطة الصوتية، تصرف المطربون، على عكس ذلك، «مثل تجار (باعوا) سلعًا غير مرغوب فيها إلى جانب سلع لا غنى عنها». باختصار، لم يكن «فنانو الكاسيت» فنانين على الإطلاق.
وربما كان الاعتقاد بأن الأصوات التى تظهر على الأشرطة الصوتية غير صالحة للبث، أوضح ما يكون فى الرسم المصاحب لافتتاحية عن أشرطة الكاسيت وزوال الذوق فى مصر. فى الرسم، تقترب إحدى النائحات المحترفات من ممثل «فاتسوفون»، وهى شركة للتسجيلات تتخذ من كشك مقرًّا لها. يسألها الموظف إذا كانت ترغب فى «تسجيل شريط كاسيت». ويختلط المعنى على الزبونة المتحيرة وفهمت كلمة «كاسيت» على أنها (كست) أى «كامرأة»، وتسأل: «أو كرجل؟» وبالنسبة إلى جمهوره المعاصر، كان من الممكن فهم معنى الرسم على الفور.
إن الزبونة الفظة، التى تنتمى للطبقة الدنيا، التى تكسب عيشها من خلال إحداث الضوضاء، تمثل كل «فنانى الكاسيت» الذين يصفهم النقاد بأنهم «مبتذلون».
وفى الوقت نفسه، يُذكِّر الرسم القراء بأن الأصوات التى تُنقل على الأشرطة لم تكن وحدها المسئولة عن التدهور المزعوم للذوق فى مصر. فقد ضمن منتجو الأشرطة «الأميون ثقافيًّا»، مثل الشخصية الكاريكاتيرية لفاتسوفون، وصول المحتوى الذى يعتبره حراس البوابات الثقافية مشبوهًا إلى آذان المصريين.
ومع انتشار الأشرطة الصوتية فى مصر، ارتفع عدد شركات الكاسيت بمعدل مذهل. ووفقًا لأحد التقديرات، كانت هناك عشرون شركة معروفة قبل عام 1975، وبحلول عام 1987 ارتفع هذا العدد إلى 365 شركة، ليرتفع مرة أخرى بعد ثلاث سنوات إلى حوالى 500 شركة.
وكان المصريون ممن لا خبرة تذكر لهم فى صناعة التسجيلات أو فى تقديم منتجات ثقافية من أى نوع، يديرون عددًا كبيرًا من هذه الكيانات.
وللبدء فى فهم العدد الهائل من شركات الهواة العاملة فى مصر، والتى من المرجح أنها تجاوزت الأرقام المذكورة أعلاه، لا يحتاج المرء إلا إلى التفكير فى كيف أنه بحلول عام 1990، كانت هناك ثلاثون شركة أشرطة كاسيت يكتظ بها ميدان واحد فى القاهرة وحدها.
لكن من، بالضبط، الذى أسس هذه الشركات وأدارها؟ وفقا للنقاد، فإن مواطنى الطبقة العاملة، بدءا من الكهربائية إلى النجارين، استخدموا الأموال التى حصلوا عليها من الانفتاح الاقتصادى للسادات ليصبحوا منتجين لأشرطة الكاسيت.
واتهم المعلقون هؤلاء المصريين العاديين، الذين غالبًا ما يقيمون فى شقة واحدة أو كشك على الرصيف، بالسعى لتحقيق الأرباح على حساب الذوق العام وقصف المستمعين بشكل متهور بتسجيلات الكاسيت التى أدت إلى موت الغناء، وتسليع الثقافة المصرية، وتلويث المشهد الصوتى فى مصر.
كانت المناقشات حول الأشرطة المشبوهة فى الصحافة توجه اللوم إلى المواطنين من الطبقة الدنيا إلى الطبقة المتوسطة؛ لأنهم تخيلوا أنفسهم منتجين ثقافيين.
على سبيل المثال، عزا أحد الصحفيين انتشار أشرطة الكاسيت التى تفسد الذوق إلى «الباعة المتجولين» و«معتادى الإجرام» والعمال المهرة الذين أنشئوا شركات التسجيل بالأموال التى حصلوا عليها من الانفتاح.
وخص أحد المراسلين بالذكر السباكين والجزارين وبائعى السجائر؛ لأنهم ابتكروا أعمالًا فنية مربحة للغاية و«تتعارض مع الذوق العام»، شكلت خطرًا على المواطنين، أكثر خطرا من الكوكايين.
فى حين أن آخرين عابوا أحيانًا على رفقائهم غير النخبويين لتسخير نفوذهم المالى المستحدث فى إفساد الفنانين المعروفين. وقال أستاذ الطب النفسى والأعصاب فى إحدى كليات الطب الرائدة فى القاهرة إن الأشرطة «التافهة» نتجت عن التغيرات الاجتماعية الكاسحة فى السبعينيات والثمانينيات، والتى مكنت طبقة طفيلية جديدة من المصريين «غير المتعلمين».
وأضاف الطبيب متحسرًا: «تحت إغراء المال، انجرف الكتاب والملحنون المشهورون، واتجهوا إلى الكتابة والتأليف لفئة متطفلة على الفن دون أى دراسة أو أدنى معرفة»، فى سياق هجومهم على المصريين من الطبقة العاملة لإنتاجهم الأشرطة، صوّر النقاد المحليون أنفسهم على أنهم «متعلمون» و«مُهذّبون» مقارنةً بمواطنيهم «الجهلاء» و«السوقيين»، فى الوقت نفسه، لم يقتصر القائمون على هذه المناقشات على تمييز أنفسهم عن أولئك الذين أدانوهم. بل، والأهم من ذلك، أنهم جادلوا بأن الناس العاديين لا يحق لهم صنع الثقافة المصرية.
لكن ما الذى دفع «الفنانين المحتالين» و«المنتجين غير المؤهلين» إلى إنتاج أشرطة الكاسيت فى المقام الأول؟ بحسب بعض المعلقين، فإن المصريين الذين أفسدوا ذوق الآخرين كانوا يستهدفون المال بشكل أعمى.
وعلى سبيل المثال، كتب كمال النجمى، فى كتابه تاريخ الموسيقى المصرية الصادر عام 1993، أن «المطربين الذين يركبون الموجة المبتذلة يكسبون رزقهم من إفساد أذواق الملايين من الناس فى عصر انقطع عن تراث الغناء العربي».
وفى نص نُشر فى عام 2015 من خلال وزارة الثقافة المصرية، يواصل الناقد الراحل توبيخ فنانى الكاسيت ذوى التفكير المالى من قبره. وفى قسم بعنوان «كارثة الغناء العربى»، يذكر أنه فى منتصف القرن العشرين وأواخره، عندما أصبحت أشرطة الكاسيت وسيلة مهيمنة، أصبحت مصر «أرضًا خصبة للأصوات المتنافرة، ولم يبقَ سوى غربان الملاهى الليلية». ويصرح النجمى بأن هؤلاء الفنانين المتدنين، بل اللا إنسانيين، «ينعقون ليل نهار ويكسبون عيشهم بإفساد أذواق «المستمعين».
وعلى غرار النجمى، انتقد محمد قابيل؛ وهو فنان وصحفى مصرى، المنتجين الذين يحركهم الربح، والذين يعتمد عليهم فنانو الكاسيت. ويشير فى موسوعته الموسيقية لعام 2006 إلى أنه «أصبح من المألوف أن تجد محل جزارة تحول إلى شركة لإنتاج أشرطة الكاسيت».
ويوضح قابيل أن العمال المهرة الذين يقفون وراء هذه «المشروعات التجارية الاحتيالية الناجحة»، لم يهتموا كثيرًا بحماية الذوق العام. وبدلًا من ذلك، «بحثوا عن المكاسب المالية بأى ثمن، حتى على حساب الذوق؛ مما مما جعل الثقافة الهابطة وهى عملة رديئة تطرد الثقافة الرفيعة والغناء الجيد من الأسواق». وهكذا، وسواء كانوا يعيشون على الفن «الرديء» أو يحققون منه الثراء، فإن فنانى ومنتجى الكاسيت «غير المؤهلين»، كما أكد المعلقون فى كثير من الأحيان، كانوا وراء تدهور الذوق فى مصر.
من المؤكد أن التعليقات على أشرطة الكاسيت فى الصحافة المصرية الشعبية لم تكن تتعلق فقط بالذوق العام، والموسيقى الشعبية، والمخاطر التى يقال إنها تشكلها.
وقد أثبتت الطبقة والثقافة والسياسة أهميتها الأساسية فى هذه المناقشات التى عكست انتقادات أوسع نطاقًا للانفتاح، وساهمت فى المخاوف التى أثارها. فمن ناحية، كانت الهجمات على تسجيلات الكاسيت التى شكك النقاد فيها، توجه بوضوح انتقادات معاصرة لثقافة الاستهلاك المتوسعة فى مصر، وانتشار الشركات الخاصة، وصعود المواطنين الجدد الذين تمكنوا من الاستفادة من سياسات السادات الرأسمالية وسعوا إلى تعزيز قدراتهم المالية. وقد تم توثيق هذه التطورات التاريخية بصورة جيدة من قبل طارق عثمان، وكيرك بيتى، ومحمد حسنين هيكل، وآخرين، قاموا بتفصيل الأثر الاقتصادى والاجتماعى للانفتاح. ومع ذلك، فإن السياسات الثقافية للانفتاح تمتد إلى ما هو أبعد من نطاق هذه الدراسات.
وتظهر هذه السياسات بوضوح فى المناقشات حول الأشرطة الصوتية، والتى تبدأ فى تسليط الضوء على التاريخ الثقافى للانفتاح الاقتصادى فى مصر من خلال تقديم الروابط التى أقامها النقاد بين الانفتاح وعلله المفترضة والإنتاج الثقافى.
وفى الوقت نفسه، لا تعكس هذه المواد المخاوف التى أثارها الانفتاح فحسب، بل تغذيها أيضًا، وتشهد الثقافة المصرية، مثل المجتمع المصرى، فى هذه النصوص، التى تلقى اللوم على من استفاد من مبادرة السادات الاقتصادية، أزمة كبيرة.
لكن أولئك الذين استفادوا من الانفتاح ليسوا وحدهم المسئولين عن هذه «الأزمة». فقد أدان النقاد كذلك المواطنين العاديين الذين لم يستفيدوا بالضرورة من الانفتاح، ولكنهم لعبوا دورًا محوريًّا فى التلوث المتصور لكل من الذوق العام والثقافة المصرية من خلال تسخير أشرطة الكاسيت ليصبحوا منتجين ثقافيين.
إن الساحة الثقافية التى تم تقديمها فى مناقشات الأشرطة الصوتية تختلف بشكل ملحوظ عن نظيراتها فى العديد من تواريخ الثقافة المصرية. وفى تحليل على جهاد راسى للتسجيلات، وأعمال جوال جوردون عن الأفلام، ورواية فيرجينيا دانيلسون عن أم كلثوم، على سبيل المثال، يهيمن الفنانون الموقرون والمؤسسات الرائدة على خلق الثقافة المصرية.
وتبين المصادر المقدمة حتى الآن فى هذا الفصل، أن كلًّا من المصريين العاديين والنخبة، سواء كانت مقراتهم فى شقق صغيرة، أو فى شركات تسجيل بارزة، أو فى أى مكان بينهما، انخرطوا فى صنع الثقافة المصرية عن طريق تكنولوجيا الكاسيت التى مكنت من إحداث ثورة غير مسبوقة، وتمكين عدد غير مسبوق من الناس ليصبحوا منتجين ثقافيين. ولا شك أن هذا التحول أزعج العديد من الشخصيات العامة التى سعت جاهدة لمراقبة الثقافة الصوتية القوية بشكل متزايد. وهنا يكتسب العمل الذى يؤديه «الابتذال» وضوحًا أكبر.
ومن خلال وصف شريط كاسيت بأنه «مبتذل»، يمكن القول إن النقاد كانوا يدينون الطبيعة «غير النقية» لمبدعيه بقدر ما يدينون محتواه، إن لم يكن أكثر، وهكذا، فى حين أن كلمات الشريط ربما كانت «فاحشة» أو «فظة» أو «جماهيرية»، ففى جميع المعانى التى تنطوى عليها كلمة «مبتذلة»، استخدم المعلقون الصفة، أولًا وقبل كل شيء؛ لإعادة تأكيد سلطتهم على الإنتاج الثقافى. وفى نهاية المطاف، لم تكن هوية الثقافة المصرية وحدها على المحك، بل كذلك من له الحق فى خلقها. ولفهم هذا الصراع بشكل أفضل حول الثقافة المصرية، دعونا ننتقل إلى السياق الثقافى الأوسع الذى كانت الشرطة ومستخدميها يتواجدون فيه، وتحديهم لقنوات الإنتاج الثقافى التى تسيطر عليها الدولة.
الأشرطة الصوتية «المبتذلة» فى عصر ثقافة الدولة
فى إحدى المرات، قال وزير الثقافة المصرى من عام 1985 إلى عام 1987، الدكتور أحمد هيكل: «الفن بلا التزام يشبه النهر بلا ضفاف؛ وفى النهاية يؤدى إلى الغرق»، وحسب قوله، فإن المسئولين عن إغراق المصريين بالفن «المبتذل» الذى لا هدف له، ارتكبوا خطيئتين. فقد تهربوا من التزامهم بحماية القيم والأخلاق وأذواق مواطنيهم، واستغلوا «مناخ الحرية» فى مصر والانفتاح الاقتصادى فى عهد السادات «لإدخال الضحك الرخيص الذى أطلقوا عليه اسم الفن». وبالنسبة إلى هيكل، كانت المسرحيات والأفلام والأشرطة «المبتذلة» رهيبة؛ لأنها فشلت فى تحقيق أحد الأهداف الأساسية للثقافة: صياغة مواطنين نموذجيين، والحقيقة أن مثل هذه الأعمال تتعارض مع فهمه «للثقافة».
وأكد هيكل كذلك على أن «الثقافة ليست تسلية فارغة. الثقافة ليست سخرية. الثقافة ليست فنًّا فقط، الثقافة، بالأحرى، فن راقٍ». ومن المؤكد أن هيكل كان واحدًا من بين العديد من المصريين الذين انتقدوا أعمالا فنية بعينها، ولفهم سبب إثارة بعض الأشرطة ازدراء العديد من المراقبين بشكل أفضل، من الضرورى وضع الأشرطة الصوتية فى صلتها بالتضاريس الثقافية الأوسع التى احتلتها، ولن يتسنى للهجوم على تسجيلات الكاسيت «المبتذلة» وأهمية هذه التسجيلات أن يكتسب قدرًا أعظم من الوضوح إلا من خلال توثيق جهود الدولة فى تشكيل مواطنين «مثقفين».
طوال الفترة من منتصف إلى أواخر القرن العشرين، كانت الثقافة الجماهيرية أكثر من مجرد فكرة فى مصر الحديثة؛ كانت برنامجًا صممته الدولة بهدف محو «الأمية الثقافية».
وقد ظهرت مبادرة الثقافة الجماهيرية فى 1966 على يد ثروت عكاشة، وهو سياسى محنك أسس العديد من المواقع الجديدة التى تربط بين الثقافة والدولة خلال ثمانى سنوات قضاها وزيرا للثقافة (1958 1962، 1966 1970).
وتعتبر الثقافة الجماهيرية أحد إبداعات عكاشة، وهى مستلهمة من البرامج السابقة التى تربط بين الثقافة والدولة وتكوين الأفراد، بما فى ذلك الجامعة الشعبية (تأسست عام 1945)، والمراكز الثقافية (تأسست عام 1948)، وقصور الثقافة (تأسست عام 1960).
وكان سعد كامل؛ المثقف المصرى اليسارى البارز، هو أول مدير للثقافة الجماهيرية. وبمجرد تعيينه، لم يضيع كثيرًا من الوقت فى اختيار رجال ونساء من النخبة للانتقال من القاهرة لإدارة قصور الثقافة، وإنشاء دور ونوادٍ ثقافية، والإشراف على قوافل الثقافة فى جميع أنحاء مصر. كانت أهداف هذه الأجهزة ذات شقين: تثقيف المصريين العاديين والارتقاء بذوقهم، وبناء روابط أقوى بين العاصمة وأطرافها. وكان أساس كلا الهدفين هو الثقافة الوطنية المشتركة التى تحددها الحكومة وتنشرها وتقرها.
ونجاح الثقافة الجماهيرية مسألة محل نقاش، لكن ما لا جدال فيه هو الأهمية الكبيرة للموسيقى فى رسالتها. وقد أسس موظفو الدولة المشاركون فى المشروع العديد من الفرق، بينما قدمت المسرحيات الموسيقية والحفلات والمسابقات فى المؤسسات الحكومية؛ حيث استمتع الضيوف بأسطوانات وأشرطة مختارة فى «نوادى الاستماع».
ووفقا لأحد البيانات، نظمت الثقافة الجماهيرية أكثر من ستة آلاف حفل موسيقى بين عاميْ 1971 و1980 حضرها ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص. وينبغى النظر إلى هذه الإحصائيات التى تنشرها جهة حكومية بحذر.
ولكن مما لا شك فيه أن الموسيقى كانت أداة لا غنى عنها فى محاولات الدولة لتكوين مصريين «مستنيرين». لكن لم تسهم كل الموسيقى فى هذه الجهود. لم يكن للأغانى التى اعتبرها الموظفون الحكوميون «هابطة» أى دور فى خلق مواطنين «مثقفين».
إنه الفن الراقى فقط الذى كان له دور فى هذه المهمة، والذى كان مهددا من قبل الأشرطة الصوتية «المبتذلة». وفى مهمتها لتشكيل مصريين «مثقفين»، لم تكن الثقافة الجماهيرية وحدها. فقد كان هناك آلية ثانية تقدم الدعم المرحب به.
أعطت الإذاعة المصرية التى تسيطر عليها الدولة الأولوية لتشكيل مواطنين نموذجيين. ولضمان وصول الأصوات «الصحيحة» فقط إلى آذان الجمهور، اعتمد مسئولو الراديو على نظام يقوم على الضوابط والتوازنات. وتكونت لجنتان للفحص تشكلان أساس هذه البنية التحتية. اللجنة الأولى، وتعرف باسم لجنة النصوص، وهى التى تقرر صلاحية الأغانى المقدمة للبث عبر الإذاعة.
وإذا وافق أعضاؤها على الأغنية، فإنها تدخل مرحلة الإنتاج. والثانية، لجنة الاستماع ومهمتها النظر فيما إذا كانت الأغنية المسجلة صالحة للبث. وإذا وافق الفنانون والمذيعون ومهندسو الصوت فى اللجنة على أغنية ما، يُتْرك الأمر لتقدير المحطات لتشغيلها. ولم تكن القنوات تروج لكل ما يأتى فى طريقها.
خلال الفترة قيد التحقيق، كانت انتقائية بعض القنوات الرائدة معروفة لدى الجمهور. وفى عام 1975، اعترف مندوبون من أربع محطات مختلفة علنًا بتصنيف المطربين وتخصيص وقت البث لهم وفقًا لمرتبتهم. فقد اعتبرت «الشرق الأوسط»، على سبيل المثال، أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ مطربين «درجة أولى»، تذاع أغانيهم مرة واحدة يوميًّا، فى حين أن فنانى «الدرجة الثانية» مثل فريد الأطرش ونجاة وفايزة أحمد ووردة وشادية تذاع على الهواء أربع مرات فى الأسبوع، كما كان يظهر على الهواء فنانون من «الدرجة الثالثة» مثل صباح وسعاد محمد ومها صبرى بين الحين والآخر.
أما المطربون الذين اعتبرهم موظفو الإذاعة «مبتذلين» فهم يقعون عمومًا خارج هذه الرتب تمامًا. وعلى عكس الأشرطة التى رددت أصواتًا لا تعد ولا تحصى، ساهمت الإذاعة فى شهرة محدودة من نخبة الفنانين.
كان مديرو الإذاعة يباهون بالانتقائية التى ألهمها نظامهم وبالمعايير الفنية العالية التى يُزعم أنها تدعمها. وعندما أصبحت معايير الوسيط لاختيار تسجيلات فضفاضة للغاية، تعهد المسئولون بتشديدها، ففى عام 1983، على سبيل المثال، أعادت لجنة الاستماع النظر فى قواعدها الخاصة بالموافقة على الأغانى. ومن الآن فصاعدا، كما أشارت إحدى المجلات، فإن أعضاءها لن يسمحوا إلا بالأعمال التى يعتبرونها «إسهاما» فى «عالم الغناء». ومن وجهة نظر المسئولين، فإن القادرين على تقديم مثل هذا «الإسهام» كانوا محدودين.
ووفقًا لإبراهيم المصباح الذى أشرف على الأعمال الموسيقية لاتحاد الإذاعة والتلفزيون فى أوائل الثمانينيات، لم يتمكن سوى عشرة شعراء من بين خمسة آلاف كاتب من تأليف الأغانى المناسبة. أما أولئك الذين لم يحالفهم الحظ بالحصول على موافقة المصباح وغيره من النخب الثقافية، مثل عبد الوهاب الذى ساعد الإذاعة على تحديد من يستحق البث، فقد اضطروا إلى إيجاد طرق أخرى لتوصيل أعمالهم إلى الجمهور.
وادعى حراس الإذاعة أن حصرية الراديو كانت ضرورية؛ لأن التكنولوجيا مسئولة عن صقل ذوق جميع المستمعين فى جميع أنحاء البلاد. وبهذا المعنى، نظر المسئولون إلى هذه الوسيلة على أنها «مدرسة بلا جدران لكل الناس»، وتعهدوا بعدم المساس ب«الأخلاق العامة والكرامة» أو بث كلمات «بذيئة»، لقد أعاقت الأشرطة الصوتية «الفظة» جهود العاملين فى الإذاعة لصياغة المصريين «المثقفين»، ولم يتردد حراس المنصة فى انتقاد «الأغانى المبتذلة التى تنتشر فى أسواق الكاسيت النشطة» فى الصحافة. ومع ذلك، لم يتمكن موظفو الإذاعة دائمًا من إبعاد تسجيلات الكاسيت «المبتذلة» من موجات الأثير.
ومع انتشار شركات الكاسيت، أنتجت الإذاعة المصرية التى تسيطر عليها الدولة ساعات أقل من الموسيقى، وفى بعض الأحيان، كانت بمثابة «واجهة عرض» لشركات الكاسيت التى أرسلت أشرطتها «كهدايا» على أمل الحصول على دعاية أكبر لمنتجاتها، وهذه الأشرطة المجانية، كما زعم المعلقون بانتظام، كانت تحتوى على مواد لوثت الذوق العام. وفى حملتها لمكافحة تسجيلات الكاسيت «المبتذلة»، وللارتقاء بذوق جميع المواطنين، والأهم من ذلك، لتحديد من يخلق الثقافة المصرية، وجدت الإذاعة حليفًا فى كيان ثالث تابع للدولة: الرقابة.
كانت الرقابة فى مصر شأنًا عامًّا وخاصًّا على حد سواء. وفى حين أن القرارات المتعلقة بالأفلام التى يجب حذف بعض مشاهدها، أو الأغانى التى يجب تعديلها، أو المسرحيات التى يجب تشذيبها، ربما تم اتخاذها خلف أبواب مغلقة، فإن نتائج المداولات خلف الكواليس كانت تظهر غالبًا على صفحات الصحف المصرية.
وقد أشارت المجلات الأسبوعية فى كثير من الأحيان إلى الأعمال الفنية التى اعتبرها مراقبو الدولة غير صالحة للاستهلاك العام؛ بسبب عنوانها أو حبكتها أو محتواها السياسى أو الخطر الذى يُزعم أنها تشكله على الأخلاق العامة، ومع ذلك، فإن القوة التى أظهرها الرقباء على الورق، تتناقض مع الصعوبات التى واجهوها فى الممارسة العملية لإسكات بعض المنتجات الثقافية، وقبل سنوات من ظهور القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت العالمية، كانت الأشرطة الصوتية ومستخدموها يشكلان أكبر عقبة أمام أولئك المكلفين بتأمين محيط الثقافة العامة.
إن نظرة فريدة داخل مكتب جهاز الرقابة على المصنفات الفنية فى شارع قصر العينى بوسط القاهرة، توفر نقطة انطلاق مفيدة لمواجهة التحديات التى تفرضها أشرطة الكاسيت على المسئولين المكلفين ب«تنقية» الذوق العام.
وفى مقابلة مميزة فى روز اليوسف، يسلط مدير مكتب الرقابة الفنية، عبد الفتاح رشيد؛ وهو أحد أشد منتقدى أشرطة الكاسيت «المبتذلة»، الضوء على العمل داخل مكتبه فى أواخر السبعينيات. كان لرشيد ثلاثة أهداف. هى الحرص على التأكد من أن الأعمال الفنية حسنة الذوق، ومتوافقة مع الآداب العامة، وملتزمة بالأعراف السياسية والاجتماعية والدينية.
على أن فرض هذه المبادئ التوجيهية لم يكن ممكنًا دائمًا، خاصة فى حالة أشرطة الكاسيت. وعندما سئل عن الأشرطة «المبتذلة»، ألقى رشيد اللوم على منتجى «القطاع الخاص» الذين يخدعون الرقابة بتقديم نص للمراجعة ثم يقومون بتسجيل آخر بعد الحصول على موافقتهم. وعلى عكس الكلمات الأولى، كانت الكلمات الثانية تتضمن عبارات إضافية يعتقد المنتج أنها «ستفيده ماليًّا».
وادعى رشيد أنه إذا اكتشف الرقباء التسجيل المنقح، فإنهم يصادرونه ويفرضون غرامة قدرها 50 جنيهًا مصريًّا على صاحبه، وربما شعر المدير بأن هذا الرد غير كافٍ، فأوضح أنه كان يعمل على تطبيق بروتوكول أكثر صرامة حيث يقوم الرقباء بفحص كل عمل مرتين قبل وبعد تسجيله قبل إصدار الحكم. لكن بعض العقبات أعاقت هذه الخطة، كان فريق رشيد يتكون من خمسة عشر رقيبًا فقط، يعملون على سبعة أجهزة تسجيل. ومما زاد الطين بلة، أن مكتبه اكتظ بالأشرطة الصوتية. فبالإضافة إلى مراجعة الأشرطة التجارية، كان موظفوه مسئولين عن فحص كل شريط شخصى يعبر الحدود الوطنية لمصر.
وإذا بدا مدير الرقابة الفنية دفاعيًّا فى حديثه مع روزاليوسف، فمن المحتمل أن يكون ذلك لأن كثيرًا من النقاد المصريين أرجعوا انتشار أشرطة الكاسيت التى تحمل محتوى «مشبوهًا» إلى أوجه القصور فى رقباء الدولة أمثال رشيد. وفى بعض الأحيان، اختارت الأصوات التى تقف وراء هذه الهجمات عدم الكشف عن هويتها.
وانتقد أحد المعلقين الذى استخدم ببساطة اسم «فنان»، مرارًا وتكرارًا الرقابة فى روز اليوسف. وفى يناير 1979، انتقد الكاتب الغامض الذى من المحتمل أنه كان موسيقيًا مدعومًا من الدولة يعانى من تراجع المبيعات، الرقابة لمشاركتها فى تلوث الذوق العام من خلال السماح للشركات بإنتاج شرائط كاسيت «مبتذلة». وبعد ستة أشهر، هاجم رقباء الدولة مرة أخرى بسبب تصديقهم على أشرطة تحتوى على كلمات موحية جنسيًّا.
وإذا حكمنا من خلال التوبيخ الثالث من نفس الاسم المستعار بعد عام تقريبًا، يبدو أن الرقباء استمروا فى صراعهم مع أشرطة الكاسيت. صرخ «الفنان» بأسلوب مألوف «يزداد عدد أشرطة الكاسيت المليئة بالإسفاف والتى تباع فى المحلات التجارية وعلى الأرصفة عينى عينك».
وفى الوقت نفسه، اختار آخرون إعلان هويتهم عند انتقادهم الرقابة. وفى رسالة إلى محررى آخر ساعة، تساءل شخص يدعى فتحى منصور، عن غياب الرقابة فى وقت «أصبح الغناء والفن مهنة من لا مهنة له»، واستمرت الأغانى «المبتذلة» فى الانتشار على أشرطة الكاسيت بمعدل ينذر بالخطر.
وأكد أنه لا ينبغى تداول أى شريط دون موافقة الرقابة التى يتعين عليها معاقبة من يقفون وراء «الأشرطة السيئة» التى سهلت «انحطاط الذوق العام». ويشير عنوان المرسل، وهى قرية صغيرة فى محافظة الدقهلية فى شمال البلاد، إلى أن أشرطة الكاسيت المشبوهة امتدت إلى ما هو أبعد من المراكز الحضرية فى مصر؛ ويبدو أن الأشرطة «الهابطة» كانت مشكلة وطنية تتطلب اهتمام وعمل حراس الثقافة المصريين. وفى محادثة مع هؤلاء الكتاب وفى محاولة للسيطرة على أشرطة معينة، اقترحت مجموعة واسعة من المصريين طرقًا مختلفة لتعزيز الرقابة والحفاظ على الذوق العام.
وبالنسبة إلى بعض السياسيين، كان الرد على أشرطة الكاسيت «المبتذلة» يعتمد على تعديل القوانين القائمة. وفى فبراير 1980، أصدر الوكيل الأول لوزارة الثقافة، سعد الدين وهبة، تعليماته إلى المسئولين بمراجعة تشريعات الرقابة.
وقال إنه من الضرورى إعادة النظر فى التدابير القانونية التى عفا عليها الزمن آنذاك بسبب حدوث تغييرات كبيرة منذ ذلك الحين فى مجال التكنولوجيا. وكانت الأشرطة الصوتية من بين التطورات الأكثر أهمية التى ذكرها وهبة، وبالنسبة إلى الآخرين، كان الحل لمشكلة أشرطة الكاسيت «المبتذلة» يكمن فى تغيير البنية التحتية لرقابة الدولة ذاتها.
فى نفس الشهر الذى شكل فيه وهبة لجنته، اقترح المطرب الشهير محرم فؤاد أن الرقابة الأكثر صرامة يمكن أن تنهض بالموسيقى المصرية. ولمساعدة الرقابة فى جهودها لقمع شركات الكاسيت «غير القانونية فى كثير من الأحيان» والتسجيلات «المبتذلة» التى تنشرها، اقترح فؤاد إنشاء «غرفة شرائط الكاسيت». وبحسب رؤية الفنان، سيعمل جهاز الرقابة على المصنفات الفنية ونقابة الموسيقيين ووزارة الصناعة معًا على إنشاء الغرفة، بينما يرافق الفنانين فى المكان مستشار موسيقى.
ونتيجة لهذه الخطة، التى كانت ستعود بالنفع على فؤاد وعلامته التجارية الخاضعة للدولة (صوت القاهرة) من خلال تقليل المنافسة الشديدة التى يواجهونها فى جذب المستمعين، ستصبح إنتاجات الكاسيت ضمن نطاق إشراف الدولة والوسطاء الثقافيين النخبويين بشكل أكبر.
ومع استمرار ارتفاع عدد شركات الكاسيت فى مصر، انضمت هيئات الدولة، مثل المجالس القومية المتخصصة، إلى الفنانين والسياسيين فى المعركة ضد الأشرطة «المبتذلة». وفى إبريل 1983، وفى أعقاب دراسة تفصيلية حول الخطر الذى تشكله أشرطة معينة على الذوق العام، دعت المجالس إلى إنشاء وحدة جديدة داخل وزارة الثقافة لتقييم «نقاء» إنتاج أشرطة الكاسيت قبل وصولها إلى الجمهور.
وبعد شهرين، أعلنت المجالس «الحرب الشاملة على الكاسيت». وفى مقال تناول هذا الإعلان المبالغ فيه، قارن صوت مألوف تسجيلات الكاسيت «المبتذلة» بالحاكم المغولى هولاكو خان.
ما الذى يجمع بين الاثنين؟ يرى المنسى أن كليْهما يجمع بينهما شغفهما ب«طمس معالم الحضارة». وحسب الناقد، هناك نوعان من الناس: أولئك الذين يستمعون إلى الأشرطة دون علم بخطرها، وهم من يشبههم ب«مدمنى المخدرات»، والمستمعون المثقفون الذين يدركون ضرر الأشرطة ويحاولون تحذير غيرهم. ومن غير المستغرب أن المصريين الذين تمت مقابلتهم فى مقال المنسى ينتمون بقوة إلى المعسكر الثانى.
وفى السنوات التالية، ثبت أن المخاوف التى أعرب عنها المعلقون بشأن قدرة أجهزة الرقابة على إسكات أشرطة الكاسيت التى اعتبروها «مبتذلة» كانت مبررة. وبحلول نهاية الثمانينيات، كانت خطط القضاء على الأشرطة «التافهة» فى مصر متعثرة. واستمرت شركات الكاسيت فى تعديل التسجيلات قبل وصولها إلى المستهلكين وبعد موافقة الرقابة عليها.
وبالمثل، فشلت الرقابة فى إبلاغ نقابة الموسيقيين بأسماء مغنيى الكاسيت لكى يتأكد أعضاؤها من انتمائهم إلى الهيئة أم لا، وهو شرط أساسى لتسجيل الأشرطة. ومع استشعارهم ضعف مراقبى الدولة، تحدى العديد من المصريين الرفض الصادر عن الرقابة.
وفى بعض الأحيان، كانت هذه المواقف علنية للغاية. وعلى سبيل المثال، أعلن حسين الإمام عن عزمه على إصدار شريط يعتمد جزئيًّا على الموسيقى التصويرية لفيلمه الشهير «كابوريا»، على الرغم من حكم الرقابة بأن الشريط يعرض الذوق العام للخطر فى مناسبتين منفصلتين.
وفى حالات أخرى، مارس المواطنون قدرًا أكبر من الحذر. وعلى سبيل المثال، أعاد صاحب متجر للملابس إصدار الشريط الذى تمت مصادرته بمجرد توقيع الرقابة على نسخة منقحة من نفس العمل.
وبنية خداع السلطات، اختار التاجر أغلفة متطابقة لكلا الإصدارين من الشريط. وكما ناشد أحمد الصحفيين بوضوح فى بداية عام 1990، فإن الرقباء فى مصر كانوا فى ورطة وفى أمس الحاجة إلى دعم دوريات لمكافحة «فيضانات الأشرطة فى آلاف الأكشاك والمتاجر»؛ خشية «انهيار الجدار الأمنى بين «المصريين» وطوفان الفن المبتذل والتدهور الأخلاقي»، وفى رأى العديد من النقاد، فإن الجدار كان قد انهار بالفعل فى الوقت الذى شقت فيه هذه التصريحات طريقها إلى أكشاك بيع الصحف.
وفى تغطية الجهود التى يبذلها مسئولو الدولة لتشكيل مواطنين «مثقفين»، أصبحت الهجمات على أشرطة بعينها أكثر وضوحا. وكانت أشرطة الموسيقى الشعبية وغيرها من المحتويات التى أدانها النقاد يجرى تداولها بسهولة خارج مؤسسات الدولة، من اتحاد الإذاعة والتلفزيون إلى جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.
ومن خلال توفر وسيلة لأى مواطن لتسجيل صوته والوصول إلى جمهور كبير، مكنت تكنولوجيا الكاسيت عددًا غير مسبوق من الناس من خلق الثقافة المصرية فى وقت كانت الشخصيات العامة تسعى جاهدة إلى إملاء الشكل الذى ينبغى أن تكون عليه.
ومن المؤكد أن حراس الثقافة لم يستسلموا أمام الأشرطة «التافهة». بل على العكس من ذلك، لم يألوا جهدا فى تقديم الحلول. فبالإضافة إلى خطط تعزيز الرقابة، دعا البعض إلى عمل مسابقات وتشكيل لجان لمواجهة «تدهور» الموسيقى المصرية.
وكانوا يأملون أن تؤدى المسابقات التى تقدم مكافآت مالية إلى ردع مؤلفى الأغانى عن كتابة الأغانى «المبتذلة» التى يعرفون أنها ستحقق مبيعات جيدة على أشرطة الكاسيت، بينما ستعمل تجمعات كبار الفنانين على مكافحة الأشرطة المثيرة للجدل من خلال الترويج لأصوات يعتبرها الموسيقيون المثقفون ذات قيمة. وفى هذه الأثناء، تطلع نقاد آخرون إلى نخبة الفنانين للتصدى لأشرطة الكاسيت التى اعتبروها «فظة».
وقد تصدى عبد الوهاب لهذه المسئولية فى العديد من الرسوم الكاريكاتورية التى أعاد فيها الأغانى المريضة إلى الصحة، ومنع انتشار الموسيقى الرديئة وهو يرتدى الزى العسكرى.
ومع ذلك، لم يكن أى منها أكثر وضوحًا من ردود أفعال صوت القاهرة، وهى علامة تجارية تسيطر عليها الدولة وتسعى جاهدة للارتقاء بذوق جميع المصريين. لكن قبل أن نستكشف جهود هذا الكيان فى تشكيل مستمعين «مثقفين»، لا بد أولًا من دراسة مسيرة أحد الفنانين الذين جسدوا الأشرطة «المبتذلة»: أحمد عدوية. وكما سنرى، فإن استكشاف عدوية وصوت القاهرة جنبًا إلى جنب يوضح أن الأشرطة الصوتية نقلت فى الواقع مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأصوات فى مصر.
«الهابط» و«الراقي»: أحمد عدوية وصوت القاهرة
فى عام 1978، كتبت طالبة مصرية اسمها صيانات حمدى رسالة دكتوراه عن تراجع الموسيقى المصرية. ولتقييم الأطروحة، دعت الجامعة موسيقيين خارجيين لمناقشتها.
وكان من بين الفنانين الذين طُلب منهم مناقشة النتائج محمد عبد الوهاب الذى لو قرأها، لكان من المحتمل أن يستمتع بالمجلد الطويل الذى تضمن فصلًا كاملًا عن إتقانه للغة العربية. كان نطاق مشروع حمدى بانوراميًّا بطبيعته؛ حيث تناول الغناء فى مصر منذ ظهوره حتى يومنا هذا.
وكان جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ عن الأغانى «المبتذلة»، مثل أغنية عدوية (كله على كله)، وما سمح لمثل هذه الأغانى «المتدنية» بالانتشار، وكيف أصبحت الأصوات «الضعيفة» التى تقف وراءها مشهورة جدًّا.
وفى مقال يستعرض بحث الطالبة فى روز اليوسف، سأل الكاتب القراء: كيف يمكن للمصريين «الهروب من مدرسة عدوية» قبل توجيههم إلى عمل حمدى. وإذا كان عبد الحليم هو «العندليب»، وكانت أم كلثوم «صوت مصر»، فلم يكن عدوية أكثر من «ضوضاء» يمكن لحمدى والمحرر والعديد من المعلقين الآخرين الاستغناء عنها.
قليلة هى الشخصيات فى تاريخ مصر الحديث التى يقترن اسمها ب«أشرطة الكاسيت المبتذلة» مثلما اقترن بأحمد عدوية؛ أحد رواد الموسيقى الشعبية، وهو نوع مثير للجدل يستخف به النقاد دائمًا.
ولد أحمد محمد مرسى (عدوية) فى 26 يونيو 1945، ونشأ على أصوات الأطرش وعبد الوهاب وعبد الحليم. ولا يُعرف سوى القليل عن حياته المبكرة، ولكن وفقًا لإحدى الروايات، كان والد عدوية يتاجر فى الماشية لكسب عيشه، ونقل عائلته إلى القاهرة عندما كان الفنان لا يزال مراهقًا. وفى العاصمة المصرية، بدأ عدوية الشاب يأخذ الموسيقى مأخذ الجد.
وعلى عكس بعض أقرانه الذين التحقوا بمعاهد موسيقية مرموقة لإتقان مهاراتهم، صقل حرفته فى شارع محمد على، وهو شارع تاريخى مشهور بموسيقييه. وهناك، عزف على الناى والرق مع فرقة موسيقية، وسار على خطى العديد من الفنانين الآخرين الذين تعلموا كيف يصبحون عازفى شوارع.
ومع ذلك، كان على الشهرة والثروة أن تنتظرا حتى التقى شريفة فاضل، وهى مغنية وممثلة مشهورة، والتى سهلت تعارفه بمأمون الشناوى، وهو شاعر غنائى بارز. وفى عام 1973، سجل عدوية أول نجاح كبير له: «السح الدح إمبو»، على شريط لصوت الحب؛ حيث كان الشناوى يعمل مستشارًا فنيًّا. وحقق الشريط نجاحا غير مسبوق؛ حيث بيع منه ما يقدر بمليون نسخة. وكانت أولى العديد من الأغانى المشهورة التى سيطلقها عدوية على الأشرطة، وقد حوله الشريط إلى اسم معروف ووضعه فى قلب الجدل حول الأشرطة الصوتية و«موت» الذوق.
منذ بداية مسيرته أثار عدوية حفيظة النقاد. وسخر موسيقيون محترمون منه ومن أبناء جيله «المتخلف». وهاجم محمد عبد المطلب؛ رائد «الأغنية الشعبية» عدوية فى مناسبات عدة.
وعندما سُئل عن جودة الأغانى فى منتصف السبعينيات، عندما كان عدوية والأشرطة الصوتية يكتسبان زخمًا، أجاب ذات مرة بمرارة: «إنها مكائد! تجارة رخيصة يتنافس صناعها على التفوق فى إثبات قدرتهم وتفوقهم فى إفساد ذوق الجيل القادم».
وفى الوقت نفسه، استنكر فنانون آخرون عدوية بعيدا عن الصحافة. وفى إحدى المناسبات، دخل محرم فؤاد إلى كازينو معروف بتشغيل أغانى عدوية فى الإسكندرية، وعندما سمع أغانيه، طلب تشغيل «موسيقى أجنبية» بدلًا من ذلك.
وقام صاحب المبنى بتشغيل إحدى أغانى فؤاد، وعندما لم تعجب الحاضرين، أجبره على مغادرة المكان. ثم هناك حالة عبد الحميد كشك؛ الداعية الشعبى الذى انتقد عدوية فى إحدى خطبه. وبحسب كشك، فإن «السح الدح إمبو» لعدوية «هابطة» بقدر ما هى «بلا معنى».
ونأى الشيخ بنفسه عن أغانى المغنى «المبتذلة» واستخدامه للغة العامية، وناشد الشيخ الشباب المصرى بالعربية الفصحى لدراسة الشعر الرفيع. وإلى جانب الهجمات على عدوية كأثر جانبى كريه لهزيمة مصر فى حرب 1967 وانفتاح السادات الاقتصادى الذى قيل إنه مكَّن «الأميين ثقافيًّا»، ألقت كل هذه التعليقات ضوءًا سلبيًّا للغاية على المغنى ونجاحه وأشرطة أغانيه.
ومع ذلك، لم تتبنَّ جميع الشخصيات العامة المصرية وجهة نظر سوداء وبيضاء عندما يتعلق الأمر بنجم الكاسيت. كان نجيب محفوظ من بين أولئك الذين تبنوا موقفًا فارقا بقدر. فى بعض الأحيان، انتقد الحائز جائزة نوبل أغانى عدوية بسبب «تفاهتها» و«فظاظتها»، وهما صفتان، كما زعم، أدتا إلى جعل أغانيه «أبعد ما تكون عن الأناقة»، ولكن فى لحظات أخرى يقر الأديب ب«صوته القوى المشحون بالشجن» ويتذكر العديد من أغانيه بسهولة، وتمنى فقط أن يهتم أكثر بمعانى كلماتها. كذلك لم يكن عبد الوهاب يكره عدوية، لكنه أصر على أن موسيقاه سافقد صداها.
وفى مقابلة مع آخر ساعة عام 1976، ذكر أن شعبية عدوية لم تكن تهمه كثيرًا؛ «لأنه فى كل بلاد العالم هناك جميع أنواع الألوان والأشكال الفنية». ما أزعج عبد الوهاب فى ذلك الوقت فى مصر لم يكن وجود عدوية، بل غياب «الفن الجميل النبيل» الذى كان يعتقد أنه «ما يبقى فى النهاية». وعلى عكس الديمومة التى تتمتع بها الموسيقى الراقية، أشار ضمنًا إلى أن أغانى عدوية ظاهرة عابرة. وعلى الرغم من الطبيعة «العابرة» و«الفظة» لأغانى عدوية، فإن بعض كبار الفنانين المصريين انجذبوا إليه. وكان عبد الوهاب أحد هؤلاء.
وفى نفس العام الذى امتنع فيه عبد الوهاب عن انتقاد عدوية فى آخر ساعة، حاول الاستيلاء على الفنان بصفته شريكا فى شركة صوت الفن، وهى شركة تسجيل كبرى.
واقترب شريك عبد الوهاب، عبد الحليم، من عدوية فى لندن؛ حيث كان يغنى فى فندق عمر الخيام. وهناك عرض على عدوية عقد تسجيل لمدة خمس سنوات.
بعد ذلك بوقت قصير، أحبطت الشركة المنتجة لأغانى عدوية التى كانت حريصة على الاحتفاظ به، عرض عبد الحليم من خلال رفع راتب نجمها إلى 500 جنيه مصرى لكل أغنية، بالإضافة إلى نسبة من سعر تسجيلاته.
وبعد أقل من أسبوعين من ظهور أخبار عرض صوت الفن، نشرت روز اليوسف صورة لعبد الحليم وهو يغنى بابتهاج «السح الدح إمبو» إلى جانب عدوية فى إحدى الحفلات. أثارت الصورة ضجة.
وأعادت الدوريات العربية نشر الصورة، وزعم الكتاب أن المشهد يدل على موافقة عبد الحليم على فن عدوية «المبتذل». وردًّا على هذه الاتهامات، نُقل عن عبد الحليم إنه نفى حدوث الواقعة.
وفى حين أن مسئولى صوت الفن ربما فضلوا إبقاء تعاملاتهم مع عدوية بعيدًا عن أعين الجمهور، فإن فنانين آخرين لم يمانعوا فى دعم المغنى بطريقة أكثر انفتاحًا. ففى نهاية المطاف، كانت أشرطة عدوية تحظى بشعبية هائلة.
طوال مسيرة عدوية المهنية، لحن له بعض أكبر الأسماء فى الموسيقى المصرية، وهو واقع يقوض أى تقسيم واضح يرسمه النقاد بين «نجوم الكاسيت» و«الفنانين المحترمين».
وفى السبعينيات، عمل كل من محمود الشريف، ومحمد الموجى، وكمال الطويل، ومنير مراد، وسيد مكاوى، مع النجم الشعبى. وبالمثل، كان شعراء الأغانى المصريون يدركون جيدًا القوة التسويقية لعدوية. يكفى أن نأخذ فى الاعتبار كيف أن أحد كُتاب الأغانى كتب أغنية لمحرم فؤاد ثم أعطى النص نفسه لعدوية قبل أن يغنيه فؤاد، لأن أى شريط يطلقه عدوية كان يباع منه «40 ألف نسخة».
حتى مشاهير المصريين الذين لم يعملوا مباشرة مع عدوية قدَّروا أغانيه. وصرحت الممثلة والكاتبة والمغنية إسعاد يونس أن أغانيه لا يمكن ولا ينبغى أن تخضع للرقابة.
وزعمت أن «من المستحيل سحب شريط مسف من سيارة أجرة لوضع شريط لبيتهوفن فى مكانه»؛ أغانٍ مثل أغانى عدوية توفر استراحة مفيدة للباحثين وغيرهم ممن لم يكن من المتوقع أن يستمعوا إلى فنانين مثل عازف البيانو الفرنسى ريتشارد كلايدرمان «على مدار الساعة».
وفى الوقت نفسه، لم يقبل المعلقون كل دفاع عن عدوية. وعندما ادعى عادل إمام؛ الممثل المصرى الذى ظهر فى عدة أفلام اعتبرها النقاد «سوقية»، أن المثقفين لم يوافقوا على أغانى عدوية لأنهم «منعزلون عن الناس»، وبخه أحد المراسلين بشدة.
وقال الكاتب: «إن التواصل مع الناس لا يعنى تدخين الشيشة أو التمايل على أنغام أغنية سلامتها أم حسن»؛ إحدى أغانى عدوية الشعبية. وبغض النظر عن الآراء المتباينة التى عبر عنها المصريون تجاه عدوية، كان هناك شيء واحد متفق عليه: كانت أشرطة الكاسيت جزءًا لا يتجزأ من مسيرته المهنية.
على مدار منتصف القرن العشرين وأواخره، استمع المصريون لأشرطة عدوية فى عدة أماكن مختلفة، من المقاهى إلى سيارات الأجرة إلى صالونات تصفيف الشعر.
وكما لاحظ أحد الكتاب فى وقت مبكر، فإن صوت عدوية خرج من «شوارع وحوارى القاهرة ليقتحم آذان الطبقة الوسطى ويفرض عليها أغانيه عن طريق أشرطة الكاسيت دون سبب واضح!».
الجدير بالذكر| أن الإذاعة التى تسيطر عليها الدولة كانت أحد الأماكن التى لم يتردد فيها صدى أغانى عدوية. وخلافًا لادعاءات بعض الباحثين، فإن عدوية وغيره من الفنانين الصاعدين لم يلجئوا ببساطة إلى أشرطة الكاسيت فى السبعينيات «كحل عملى للتوزيع والترويج منخفضى التكلفة».
فعلى الرغم من أن القدرة على تحمل تكاليف كلتا العمليتين كانت ميزة إضافية، فإن عدوية وأقرانه استخدموا الأشرطة الصوتية، أولًا وقبل كل شيء؛ لأن الإذاعة المصرية رفضت بث ما اعتبره مسئولوها مواد «مبتذلة».
وبعد أن اضطر إلى إيجاد طريقة أخرى لتوصيل صوته، استخدم عدوية الأشرطة كوسيلة للوصول إلى جمهور عريض، ولتحقيق الشهرة بعيدا عن حفلات الزفاف وحوارى القاهرة. وبالتغلب على حظر الإذاعة عن طريق الأشرطة، أكد عدوية ما أسماه أحد الكتاب «النجاح غير الشرعي» وساهم فى التصور باندثار الذوق.
وتسلط أغنيتان من أشهر أغانى عدوية، ظهرتا فى بداية الانفتاح فى منتصف السبعينيات، المزيد من الضوء على أشرطة الكاسيت الخاصة به والهجمات المستوحاة منها.
الأغنية الأولى «حبة فوق وحبة تحت» تدور حول رجل وامرأة تسكن فوقه. ويلعب عدوية دور الرجل الذى ينظر إلى الفتاة الجميلة فقط ليجد أن مغازلته تمر دون التفات. «يا أهل الله ياللى فوق طب طلوا على اللى تحت، ولا خلاص اللى فوق مش دارى باللى تحت؟». ويشير التكرار العاطفى الذى يعبر بوضوح عن استياء الرجل من الجمال الذى يراه فوقه، إلى انقسام رئيسى بين طبقتى الثنائى، وهو صدع كان من السهل على العديد من المستمعين التعرف عليه مع الانفتاح. وبحسب ما ورد، لم يغب هذا الانقسام عن عدوية.
وحسب أحد المقالات، أكد المغنى أن أغنية «حبة فوق وحبة تحت» كانت تعليقًا «صادقًا» على الفوارق الطبقية الناجمة عن الانفتاح الاقتصادى فى مصر. ومن المؤكد أن هذا الموضوع يظهر فى أكثر من أغنية من أغانى عدوية المبكرة.
وفى الأغنية الثانية «كله على كله» يرتبط عدوية مرة أخرى بشخص أفضل حالًا منه. وما إذا كان هذا الشخص الأكثر ثراءً رجلًا أم امرأة، أمرًا مفتوحًا للتأويل، ولكن ما لا شك فيه هو سخط المغنى فى عالم فوضوى.
ويتساءل عدوية طوال الأغنية: «هو فاكرنا إيه، مش ماليين عينيه؟». وفى حين يمكن قراءة كلتا الأغنيتين المذكورتين فى علاقتهما بالانفتاح، فإنه يمكن القول إنهما أثبتتا شعبيتيْهما ليس بسبب أهميتيْهما السياسية المحتملة، ولكن لاحتضانهما المشاهد المألوفة والعقبات المشتركة واللهجة العامية المصرية. ما مدى شعبية هذه الأغاني؟ لقد تحولت أسماء كل منها إلى عبارات معاصرة، يستشهد بها العديد من المواطنين الذين يعرفون أشرطة عدوية.
وبالطبع، لم يقبل النقاد تفسير عدوية لفنه أو تفسير من أيدوه. على العكس من ذلك، دأب المعلقون على توبيخ أولئك الذين وجدوا «معنى» فى أغانى عدوية التى قيل إنها «بلا معنى».
على سبيل المثال، لفت أحد المقالات التى تناولت الأشرطة الصوتية وتدهور الذوق، الانتباه إلى الأشخاص الذين يؤكدون أن أحمد عدوية هو «سيد درويش الجديد»، أحد أكثر الموسيقيين احترامًا فى مصر، وكيفية نشرهم لمثل هذه الآراء الخاطئة فى الصحافة. بينما يصر آخرون، كما يوضح نفس المقال، على أن تسجيلات عدوية تُعتبر ذات بصيرة ويزعمون أن أغنية «حبة فوق حبة تحت» هى «أغنية ثورية، تقدمية، اشتراكية، تطالب الأغنياء «اللى فوق» أن يحققوا العدالة الاجتماعية»، حيث تقول كلمات الأغنية «يا إخوانا يا اللى فوق ما تبصوا على اللى تحت».
ومن بين الذين يُزعم أنهم روجوا لهذه الآراء كان بعض من أكبر الملحنين وكُتاب الأغانى فى مصر، ونتيجة لتصريحاتهم، يصرخ الصحفيون بأن «أصبح أحمد عدوية زعيمًا سياسيًا أكثر شهرة من أحمد عرابي».
وفى وقت كان فيه الغناء فى مصر «جنونًا»، ناشد الصحفيون الشخصيات العامة بأن تكون «ذكية» عند الكتابة عن عدوية وأغانيه «المبتذلة». وفى هذا الصدد، لم يكن كتاب المقالات وحدهم.
من منظور العديد من النقاد، كان عدوية نتيجة سلبية للانفتاح الاقتصادى، وليس من أكثر المراقبين دهاءً لهذه الظاهرة. على الرغم من الهجمات التى قللت من قيمة أغانى عدوية إلى «هراء»، استمر صوته فى الانتشار على نطاق واسع عبر الشرطة التى أمتعت وأغضبت.
فصل من كتاب «إعلام الجماهير ثقافة الكاسيت فى مصر»
يصدر قريبًا عن دار الشروق
تأليف:آندرو سايمون
ترجمة: بدر الرفاعي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.