يشهد تاريخ مصر القديم العديد من الاكتشافات الأثرية التي تساهم في إلقاء الضوء على الحضارات القديمة التي قامت على أرضها. ومن بين هذه الاكتشافات، يأتي الكشف الأخير الذي قامت به البعثة الأثرية المصرية التابعة للمجلس الأعلى للآثار، والذي كشف عن مجموعة من الوحدات المعمارية من الطوب اللبن تمثل ثكنات عسكرية ومخازن للطعام والأسلحة، وذلك في منطقة تل الأبقعين بمحافظة البحيرة. هذا الكشف يعزز الفهم التاريخي للعصر الحديث، ويسلط الضوء على الأهمية الاستراتيجية لحصن الأبقعين في حماية مصر القديمة من التهديدات الخارجية. إلى جانب ذلك، تم العثور على مجموعة من الأدوات الشخصية للجنود والأسلحة التي استخدموها، ما يفتح لنا نافذة على الحياة اليومية للعسكر المصريين في تلك الفترة. في إطار الإعلان عن هذا الكشف الأثري، أوضح الدكتور محمد إسماعيل خالد ، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أهمية هذا الاكتشاف التاريخي. وقد أكد في تصريحه أن هذا الكشف يعزز الأهمية الأثرية والتاريخية لحصن الأبقعين، والذي كان يشكل إحدى نقاط التمركز العسكرية الهامة للجيش المصري القديم. كان الحصن جزءًا من النظام الدفاعي الذي اعتمده المصريون القدماء لحماية حدودهم الشمالية الغربية من هجمات القبائل الليبية وشعوب البحر. وأشار الدكتور محمد إسماعيل خالد إلى أن الوحدات المعمارية المكتشفة تتميز بتخطيط معماري منتظم ومنسق، حيث تم تقسيمها إلى مجموعتين متماثلتين في التصميم، يفصل بينهما ممر ضيق. هذا النمط يعكس براعة المهندس المصري القديم وقدرته على استغلال الموارد البيئية المحيطة وتطويعها لخدمة الأغراض العسكرية المختلفة. ,تقع منطقة تل الأبقعين في مركز حوش عيسى بمحافظة البحيرة، وهي منطقة شهدت العديد من الحفريات والاكتشافات الأثرية التي تعود إلى العصور المختلفة من تاريخ مصر القديم. وفي أحدث الاكتشافات، تمكنت البعثة الأثرية المصرية، برئاسة الدكتور أحمد سعيد الخرادلي، من الكشف عن مجموعة من الوحدات المعمارية التي تعود لعصر الدولة الحديثة. تتألف هذه الوحدات من ثكنات عسكرية ومخازن للطعام والأسلحة، وهو ما يشير إلى أهمية المنطقة كقاعدة عسكرية هامة خلال هذه الفترة. تشير الدراسات الأولية للوحدات المعمارية المكتشفة إلى أنها كانت تتمتع بتصميم معماري مميز يعكس براعة المهندس المصري القديم. فقد تم تقسيم الوحدات إلى مجموعتين متماثلتين في التصميم يفصل بينهما ممر ضيق. كان هذا النمط المعماري الفريد يساعد في تنظيم حركة الجنود وتخزين المواد الغذائية والأسلحة بطريقة فعالة. ومن بين العناصر المعمارية التي تم اكتشافها، صوامع كبيرة الحجم تم استخدامها لتخزين الطعام، بالإضافة إلى أفران من الفخار ذات الشكل الإسطواني، والتي كانت تستخدم لطهي الطعام للجنود. تم العثور أيضاً على بقايا أواني فخارية تحتوي على بقايا عظام أسماك وحيوانات، وهو ما يعطي صورة واضحة عن النظام الغذائي الذي كان يتبعه الجنود. يعد حصن الأبقعين واحداً من أهم الحصون العسكرية في مصر القديمة، حيث كان يمثل نقطة تمركز هامة للجيش المصري على الطريق الحربي الغربي. كان هذا الطريق يلعب دوراً محورياً في حماية الحدود الشمالية الغربية لمصر من الهجمات التي كانت تأتي من القبائل الليبية وشعوب البحر، وهما من أكبر التهديدات التي واجهت مصر القديمة في تلك الفترة. تمثل الوحدات المعمارية المكتشفة جزءاً من نظام معقد من الحصون العسكرية التي كانت تستخدم للدفاع عن الحدود المصرية. كانت هذه الحصون تعمل كقواعد للإمدادات الغذائية والعسكرية، حيث تم تجهيزها لتخزين الأسلحة والذخيرة والطعام اللازم للجنود. وتشير الأدلة الأثرية إلى أن هذه الحصون كانت مجهزة بشكل جيد للتعامل مع هجمات العدو، وذلك بفضل التصميم العسكري المتقدم الذي يعتمد على استغلال البيئة المحيطة وتطويعها لخدمة الأغراض الدفاعية. من خلال الكشف عن الأدوات الشخصية للجنود، مثل الأسلحة وأدوات الزينة والنظافة الشخصية، نستطيع أن نتعرف على الأنشطة اليومية التي كان يمارسها الجنود في تلك الفترة. فقد تم العثور على سيف طويل من البرونز مزين بنقوش لخرطوش الملك رمسيس الثاني، وهو ما يشير إلى أن الجنود كانوا يحملون أسلحة متقدمة ومزخرفة، مما يعكس أهمية الجيش ودوره في حماية مصر. كما تم العثور على العديد من الأدوات الشخصية، مثل مراود التكحيل المصنوعة من العاج، وخرزات الزينة المصنوعة من العقيق الأحمر والقيشاني. هذه الأدوات تعكس الجانب الشخصي والعقائدي للجنود، حيث كانوا يهتمون بالزينة والنظافة الشخصية، وهو ما يعكس تأثراً بالثقافات المحيطة وتفكيرهم العسكري والديني. - تل كوم تقالة: إلى جانب تل الأبقعين، شهدت محافظة البحيرة العديد من الاكتشافات الأثرية الهامة في السنوات الأخيرة. ففي عام 2019، أعلنت وزارة الآثار المصرية عن اكتشاف مجموعة من المقابر الأثرية التي تعود إلى العصر اليوناني الروماني في منطقة تل كوم تقالة. هذه المقابر تضم العديد من الهياكل العظمية والتحف الأثرية التي تعكس التأثيرات اليونانية والرومانية على مصر خلال تلك الفترة. - منطقة آثار أبو المطامير: في منطقة آثار أبو المطامير بمحافظة البحيرة، تم الكشف عن بقايا مدينة قديمة تعود إلى العصر الروماني. وقد تم العثور على مجموعة من المباني السكنية والمعابد، بالإضافة إلى شبكة من الطرق التي كانت تربط المدينة بالمناطق المحيطة. يعكس هذا الاكتشاف أهمية المنطقة كمركز حضري وتجاري خلال العصر الروماني، حيث كانت تعتبر واحدة من المراكز الاقتصادية الهامة. - تل كوم العظام: كما تم اكتشاف مجموعة من المقابر الأثرية في منطقة تل كوم العظام، والتي تعود إلى عصر الدولة القديمة. تضم هذه المقابر العديد من النقوش والزخارف التي تعكس الحياة اليومية والعقائد الدينية للمصريين القدماء. يعتبر هذا الاكتشاف من الاكتشافات الهامة التي تعزز فهمنا لتاريخ مصر القديم وتطور الحضارات التي قامت على أرضها. - الدور العسكري لحصون الدولة الحديثة: خلال عصر الدولة الحديثة، لعبت الحصون العسكرية دوراً محورياً في حماية حدود مصر وتأمين الطرق التجارية. كان الجيش المصري يعتمد بشكل كبير على هذه الحصون كمراكز لوجستية يتم من خلالها توزيع الإمدادات العسكرية والطعام للجنود. وتشير الأدلة الأثرية إلى أن هذه الحصون كانت مجهزة بشكل جيد للدفاع عن مصر ضد الأعداء الخارجيين، خاصة من القبائل الليبية وشعوب البحر. - الحياة اليومية للجنود: من خلال الأدوات التي تم العثور عليها داخل الثكنات العسكرية، نستطيع أن نتعرف على الحياة اليومية التي كان يعيشها الجنود. فقد كانت هذه الثكنات تضم العديد من العناصر التي تعكس الجانب الشخصي للجنود، مثل أدوات الزينة والنظافة الشخصية، بالإضافة إلى الأدوات العسكرية المستخدمة في الحروب. يعتبر هذا الكشف الأثري إضافة هامة إلى المعالم السياحية في مصر، حيث يفتح المجال أمام السياح لاكتشاف المزيد عن الحضارة المصرية القديمة ودور الجيش المصري في حماية الدولة. يعزز هذا الكشف أيضاً من مكانة مصر كوجهة سياحية عالمية تتيح للزوار فرصة التعرف على تاريخها العريق. 1- دور الاكتشافات الأثرية في تعزيز السياحة: تلعب الاكتشافات الأثرية دوراً هاماً في تعزيز السياحة في مصر، حيث تجذب هذه الاكتشافات السياح من مختلف أنحاء العالم. توفر هذه المواقع الأثرية فرصة فريدة للزوار لاكتشاف تاريخ مصر القديم والتعرف على الحضارات التي قامت على أرضها. على الرغم من الأهمية الكبيرة للاكتشافات الأثرية، فإن هناك العديد من التحديات التي تواجه العلماء أثناء عملية الحفائر. من بين هذه التحديات، قلة التمويل المخصص للأعمال الأثرية، بالإضافة إلى الظروف المناخية الصعبة التي تؤثر على حالة المواقع الأثرية. - أهمية الحفاظ على المواقع الأثرية: تعتبر عملية الحفاظ على المواقع الأثرية من الأمور الهامة التي تضمن استمرارية هذه الاكتشافات وتوفيرها للأجيال القادمة. يتطلب الحفاظ على هذه المواقع جهوداً كبيرة من قبل الدولة والمؤسسات المعنية. في النهاية، يعتبر الكشف الأخير في تل الأبقعين إضافة هامة إلى تاريخ مصر العسكري.