منطقتنا تنتظر المجهول ويكتنف المستقبل فيها الغموض، وتزيد فيها التحديات وتتضاعف المخاطر ساعات ويعلن الرئيس الأمريكى بايدن مبادرته الجديدة للتوصل إلى هدنة فى غزة وتسوية للإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين فيها.. وكما أعلن فأنه سيتيح لكل من إسرائيل وحماس أسبوعا فقط لقبولها أو رفضها كما هى وبدون تعديل عليها أو أضافة مقترحات لها أو حذف بعض بنودها.. وبالطبع معروف ماذا سيحدث عند قبول كليهما هذه المبادرة الأمريكية الجديدة، لكن لم يقل بايدن ماذا سيحدث إذا لم يقبل طرف مبادرته أو طلب إجراء تعديلات عليها.. هل سيرفع يده ويعلن انسحابه من محاولات التوصل إلى هدنة فى غزة توقف الحرب الوحشية ضد أهلها التى اقتربت من العام، خاصة أنه لم يتبق له سوى بضعة أسابيع فقط فى البيت الأبيض، أم أنه سيمارس ضغوطا وإدارته لفرض مبادرته وتنفيذها، أم أيضا سيفتح الباب مجددا لتنقيح تلك المبادرة وإجراء تعديلات عليها قد يطالب بها الإسرائيليون وحركة حماس؟! وهكذا يلف الغموض الأمر كله ويغطى سماء المنطقة لأن أمريكا وحدها هى التى تملك وقف تلك الحرب فهى المشارك الأهم فيها بما تقدمه من سلاح ومال لإسرائيل بالإضافة للحماية السياسية دوليا.. وحتى الآن لا تُمارس ضغوطا على حكومة نتانياهو لوقف الحرب، فلا يعد تصريح بايدن بأن نتانياهو لا يبذل جهودا كافية للتوصل إلى هدنة نوعا من الضغط الأمريكى عليه، وإنما هو من قبيل النقد الخجول جدا الذى لم يقبله رئيس الحكومة الإسرائيلية ولام المتحدث باسمه بايدن عليه! فإذا فتح بايدن باب التفاوض حول بنود مبادرته فإننا سنشهد جولات جديدة من المفاوضات تستهلك مزيدا من الوقت كما يتطلع نتانياهو وتتحقق رغبته فى استمرار الحرب بل وتوسيعها لتشمل الضفة الغربية أيضا التى بدأت القوات الإسرائيلية فى اقتحام مدنها ومخيماتها.. بينما الرئيس الأمريكى يبغى هدنة غزة لتفيد مرشحة حزبه الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة، أى يريدها الآن أو قريبا، وَالأفضل أن يبدأ تنفيذها الشهر المقبل لتجرى الانتخابات الرئاسية وهناك وقف لإطلاق النار فى غزة كما تقضى المرحلة الأولى التى تستغرق ستة أسابيع تحسبا لعدم تنفيذ نتانياهو المراحل التالية للمقترح الأمريكى! أما إذا رفع بايدن يده من محاولات وقف الحرب التى انخرط فيها بمقترحه الذى أيده مجلس الأمن فإن أمر وقف الحرب سيكون مرهونا وقتها بنتيجة الانتخابات الأمريكية.. فإن فوز هاريس الديمقراطية سيعنى انتهاجها سياسات تجاه إسرائيل مشابهة لسياسات بايدن التى أتاحت لنتانياهو تمديد هذه الحرب ورفض وقفها رغم تدمير كل مقومات الحياة فى القطاع.. اللهم إلا إذا تبين لها مستقبلا خطر استمرار تلك الحرب البشعة على المصالح الأمريكية فى المنطقة، وهذا مرهون بحدوث تهديدات تلوح فى الأفق لتلك المصالح فعلا.. أما إذا فاز ترامب وعاد ليسكن البيت الأبيض مجددا فإن نتانياهو سوف يظفر بما ينتظره من دعم أمريكى كبير لتنفيذ كامل مخططه لتصفية القضية الفلسطينية، خاصة وأن ترامب أعلن مبكرا عن عزمه العمل على توسيع مساحة إسرائيل التى يراها محدودة وغير كافية للإسرائيليين، كما سبق له أن اعترف وهو رئيس لأمريكا بسلب الإسرائيليين الفلسطينيين للقدس الشرقية.. وهذا ما يراهن عليه نتانياهو ويدفعه للتصلب فى موقفه لنسف جهود الهدنة والتمسك بعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا رغم أن القادة العسكريين فى إسرائيل لا يرون ثمة ضرورة لذلك ويطالبون بقبول تسوية للوصول إلى الهدنة واستعادة المحتجزين فى قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، وهو ما يتبناه المتظاهرون فى إسرائيل الآن. وهكذا.. منطقتنا تنتظر المجهول ويكتنف المستقبل فيها الغموض، وتزيد فيها التحديات وتتضاعف المخاطر، لأن الإسرائيليين لديهم رئيس حكومة متطرف تحالف مع أكثر العناصر تطرفا وشكل حكومته منهم، وهؤلاء يجدون أن الفرصة قد حانت لهم لتصفية القضية الفلسطينية وإخضاع الفلسطينيين للاحتلال العنصرى البشع.. ومع ذلك استمرت أمريكا فى تقديم السلاح والمال لهم وأيضاً الحماية الدولية، ولم تحاول حتى أن تقرص أذنه لكى يقبل بهدنة توقف تلك الحرب البشعة، مستثمرة الضغوط الداخلية التى يتعرض لها نتانياهو الآن من المعارضة والقادة العسكريين.