كلنا نرفض وندين حوادث التعدى الهمجى على الأطقم الطبية، لكننا فى نفس الوقت نؤكد أنها ليست ظاهرة. التعدى على الأطباء ليس ظاهرة كما تحاول نقابة الأطباء إقناعنا فى كل مناسبة، بل هى حوادث فردية ، لا يمكن تعميمها. وفى واقعة مستشفى عين شمس الأخيرة، فوجئنا بتسرع نقابة الأطباء، والحكم على الواقعة بأنها حلقة جديدة فى مسلسل التعدى على الأطباء والمستشفيات، دون انتظار ظهور نتائج التحقيقات، والكشف عن ملابسات الواقعة. وظهر أعضاء النقابة -بمن فيهم النقيب- فى العديد من البرامج ليحولوا الواقعة من حادث فردى قيد التحقيقات، إلى ظاهرة همجية تهدد الأطباء، وقد تدفع كثيرًا منهم لمغادرة البلاد. ونحن هنا لا نتحدث عن تفاصيل الواقعة، ولا ندافع أو ندين أى طرف من أطرافها ، فهذه هى مهمة القضاء، لكننا نرفض تحويل كل مشكلة فردية لظاهرة ، بهدف توجيه الرأى العام للتعاطف مع طرف دون آخر. فكلنا نرفض وندين حوادث التعدى الهمجى على الأطقم الطبية، لكننا فى نفس الوقت نؤكد أنها ليست ظاهرة، بل حوادث فردية مرفوضة، ونؤكد فى نفس الوقت أن الأطباء ليسوا دائماً على حق، ففى مقابل وقائع التعدى على الأطباء وتعرضهم للخطر من أهل المرضى ، هناك أخطاء أخرى يرتكبها أطباء ، وتعرض حياة المرضى للخطر، مثل حالات الإهمال فى المستشفيات، والمغالاة الرهيبة فى أسعار الرعايات المركزة، ورفض استقبال مرضى الحالات الخطيرة وإنقاذ حياتهم فى أقسام الطوارئ بالمستشفيات الخاصة لعجز أهل المريض عن دفع المقابل. وكلنا نذكر جولة المهندس أيمن عطية محافظ القليوبية الشهر الماضى والتى زار خلالها مستشفى الخصوص المركزى ليفاجأ بعدم وجود الطاقم الإدارى والطبى بالمستشفى، ولم يجد إلا مدير المستشفى، ووجد أبواب العيادات المتخصصة مقفلة بأقفال والمستشفى كله يعانى من الإهمال وعدم النظافة، وهو ما يهدد حياة المرضى. ومع ذلك فهذه الواقعة لا تعد ظاهرة، بل خطأ فردى تم كشفه فى إطار الشفافية وتم توقيع العقاب على المسئولين عنه. وهناك أيضاً واقعة الطفل محمود الذى توفى منذ يومين بأحد مستشفيات الأطفال وأكد مسئول وزارة الصحة، أن التحقيقات الأولية للجنة المشكلة كشفت عن عدم التعامل مع حالة الطفل محمود وفقاً للبروتوكول الطبى الصحيح المتبع مع مثل هذه الحالات، ولا تزال التحقيقات جارية،ولكن حتى لو أثبتت التحقيقات خطأ الطبيب، فلا نستطيع أن نعد الأمر ظاهرة، ففى مقابل هذه الحالة، هناك آلاف الأطفال والمرضى يتم علاجهم وإنقاذ حياتهم داخل مستشفياتنا، من أطقم طبية على أعلى مستوى من الكفاءة والمسئولية. فكل واقعة لها ظروفها وملابساتها، ولا يجب تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، من واحب النقابة أن تدافع عن أعضائها، ولكن ليس من المنطق ولا الحكمة أن يكون الدفاع على طريقة «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، وهو دفاع لا هدف له إلا توجيه الرأى العام وإثارة تعاطفه مع جموع الأطباء أيا كانت مواقفهم، وأخشى ما أخشاه أن يكون هذا الدفاع لأغراض انتخابية. أكثر ما أزعجنى فى هذه الواقعة، هو تصريح نقيب الأطباء بأن الطبيب غير مطالب بالجلوس مع كل فرد من أفراد المريض وشرح الحالة له. والحقيقة أن طبيب الطوارئ بالذات، و أى طبيب فى أى مستشفى، مطالب بأن يشرح الحالة لأهل المريض، ويطمئنهم، مراعاة لظروفهم النفسية، ولمساعدتهم على الاستعداد نفسياً وأيضاً مادياً، ولمساعدتهم أيضاً فى اتخاذ القرار إذا أحتاج المستشفى إقراراً بموافقة الأهل على إجراء طبى معين، مما يتطلب معرفتهم بتفاصيل الحالة. فهل من الصعب العودة بمهنة الطب لإنسانيتها، وعودة الرحمة إلى قلوب الأطباء، ومراعاتهم ظروف أهل المريض ولهفتهم ، وخاصة فى أقسام الطوارئ، التى يتعلق فيها الأهل بكلمة واحدة من طبيب يجمع بين العلم والرحمة.