رغم الجهود الحثيثة التى تُبذل على المستوى الوطنى لزيادة الوعى والتوسع فى نشر المعرفة وتشجيع الموهوبين فى مختلف المجالات، مازالت هناك فئة من الناس يشجعون الخُزعبلات والدجالين والعرافين والعرافات، حتى إنهم أصبحوا قاسمًا مشتركًا لبرامج شهيرة فى قنوات خاصة يظهرون فيها سواء فى مصر أو غيرها من البلدان العربية، بل وصل الأمر فى بلدٍ شقيقٍ مشهور بفنه ومبدعيه وثقافته، أن يكون هناك برنامج تليفزيونى ثابت أسبوعيًا لإحدى العرافات، هذا الموضوع شغلنى كثيرًا، هل العيب فى تلك القنوات سواء كانت حلقة الجدل والشعوذة طارئة أو متكررة، أم العيب فى المتلقين لهذه الحلقات من الجمهور الذى يتفاعل ويتصل ويرسل أرقامه واسمه ويدخل على الأخبار واللقاءات ذاتها على مواقع التواصل الاجتماعى، فتصير الترند الأول فى يوم إذاعة أى لقاءٍ منها، ولو تكرر الضيف أو الضيفة فى قناةٍ أخرى وقال نفس الكلام، يصبح «ترند تانى» وينال أيضًا ملايين المشاهدات ؟ إذن ما الحكاية ومن أين تأتى المشكلة ؟ سؤال يستحق التفكير والدراسة الاجتماعية أيضًا، فكيف لملايين المتعلمين والمثقفين والدارسين أن يتابعوا ويعجبوا بهذه الخُرافات، بل إن بعضهم عندما يحدث شئ يعيد نشر ما قاله أحد العرافين تأكيدًا على صدقه ! إن شغف الإنسان فى استطلاع المستقبل ليس بجديد، وإن كان يزداد حدةً وإلحاحًا كلما زادت التقلبات من حوله، من أول التقلبات الجوية المرتبطة بالطقس والطبيعة وحتى السياسة والحروب. الموضوع كما قلت فى البداية يستحق دراسات اجتماعية وافية، ودراسات رأى عام وتقارير مشاهدات ودراسات لنوعية المشاهدين، أعلم أن تلك الدراسات لا تغنى عن نشر الوعى ونشر صحيح الدين، ولكن على الأقل هذه الدراسات ستشرح لنا قطاعات كبيرة من المجتمع احتياجاتها وتطلعاتها وأحلامها فى المستقبل، وقد تكون هذه الدراسات خير معين لواضعى الكُتب المدرسية والتعليمية وأيضًا المثقفين والمبدعين. الدجالون والعرافون والعرافات والسحرة موجودون على مر الزمان، ولكن انتشارهم الذى تساعد عليه التكنولوجيا سواء على الشاشات أو وسائل التواصل الاجتماعى، لابد أن نبحث له عن حلٍ فعلى لأن المنع يزيد الرغبة فى البحث، ولكن المواجهة هى الحل ولا مواجهة إلا بعلمٍ ودراسة.