يخطأ من يتعامل مع قرار الرئيس الفلسطينى محمود عباس بالذهاب إلى قطاع غزة رافعًا الشعار الفلسطينى الشهير (النصر أو الشهادة) على أنها لحظة حماسة أو انفعال مرتبطة بالمناسبة التى دعى إليها وهى إلقاء خطاب أمام البرلمان التركى. صحيح أنه قد مثل الأمر مفاجأة لكل من سمعها من أعضاء البرلمان أو من الشارع الفلسطينى أو حتى عواصم عديدة من المعنيين بالملف الفلسطينى فوفقًا لبعض التقارير بأن الأمر امتد أيضًا لكافة الفصائل الفلسطينية وحتى على المستوى القيادى ولم يكن على علم به سوى الدائرة الضيقة حول أبو مازن ولكن حقيقة الأمر أنه تم دراستها جيدًا من كافة النواحى ودراسة كافة السيناريوهات المطروحة والتعامل بجدية مع كل منها. ومن الضرورى أن نتعامل مع إعلان أبو مازن بالجدية المطلوبة من خلال رصد مواقف العديد من الأطراف خاصة الفلسطينى بما فيها حماس أو الإسرائيلى وكذلك الأمريكى وحساب المكسب والخسارة منها فى الحالتين ونتوقف عند بعض النقاط المهمة وهى كالتالى: أولاً: على الصعيد الفلسطينى بدأت السلطة فى الإعداد للزيارة حيث تم داخليًا تشكيل لجنة برئاسة حسين الشيخ وزير الشئون المدنية وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضوية ثمانية من القيادات من فصائل مختلفة على أن ينضم لها روحى فتوح بصفته رئيسًا للمجلس الوطنى الفلسطينى تكون مهمتها متابعة الاتصالات والتحركات خاصة مع الأممالمتحدة والدول الأعضاء فى مجلس الأمن وكافة المنظمات الإقليمية والعربية والإسلامية ودول اتخاذ القرار الدولى وذلك لضمان إتمام الزيارة ونجاحها وتوفير الدعم لتحقيق أهدافها كما قدمت السلطة طلبًا رسميًا لإسرائيل للسماح بالزيارة عبر رسالة سلمها حسين الشيخ الى رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى تساحى هنغبى كما تم إرسال رسالة إلى الإدارة الأمريكية بطلب الضغط على تل أبيب للموافقة عليها. اقرأ أيضا.. «القاهرة الإخبارية» ترصد كواليس لقاء محمود عباس مع بوتين وحقيقة الأمر أن السلطة عندما قرر رئيسها أبو مازن القيام بها فهى تعى تمامًا بأن الأمر ليس سهلاً فى ضوء العديد من الأمور اللوجستية التى تحتاجها ولعل فى مقدمتها توفير الحماية الكافية والضمان الكاملة لأمن أبو مازن والوفد المرافق له وهذا يستلزم على الأقل وقف العدوان خلال أيام الزيارة وهو أمر ليس سهلاً على متخذ القرار فى تل أبيب خاصة وأن أبو مازن قد يرفض حماية إسرائيلية له ويطلب توفيرها من الأممالمتحدة وقد رأت السلطة أنها قد تكون المستفيد الأكبر منها على كافة المستويات ففى حالة الرفض الإسرائيلى فيمكن استثماره سياسيًا فى فضح إسرائيل واتهامها بعرقلة هكذا زيارة إذا وافقت فسيتم استثمارها كإنجاز سياسى لأبو مازن خاصة وإذا نجح فى تحويلها إلى مظاهرة سياسية إذا نجح فى استقطاب شخصيات دولية لمرافقته ليس هذا فقط بل يمكن أن تساهم فى إعادة إحياء الأفكار التى تم طرحها منذ أشهر والخاصة بإعادة تواجد السلطة الفلسطينية فى القطاع فيما بعد انتهاء العدوان أو اليوم التالى كما يطلق عليه خاصة أن العلاقة بين السلطة وقطاع غزة قاصرة منذ عام 2007 على التنسيق فى العديد من المجالات منها الصحة وقضايا مدنية أخرى ودفع الرواتب ويلاحظ فى هذا المجال أن حماس وجماعات المقاومة فى غزة خاصة حماس لم تعلق على الأمر ليس باعتبارها غير معنية ولكنها فى انتظار القرار الإسرائيلى والتى تعتقد أنه سيكون بالرفض كما أنها فى وارد القبول بدور لها فى المرحلة القادمة بوجود غطاء من السلطة الفلسطينية خاصة فى ظل وجود فيتو على انفرادها بالأمر فيما بعد العدوان. ثانياً: على الصعيد الإسرائيلى فليس من المتوقع موافقة نتنياهو على الزيارة وقد تتعلل تل أبيب بصعوبة إتمام الزيارة فى ظل الظروف الأمنية والسياسية فى المنطقة كما أن الأمر يتطلب إعلان وقف الأعمال العدائية واستعدادها للانسحاب من القطاع وقد يدفع باتجاه إتمام صفقة الرهائن أو مقترح إدخال قوات متعددة الجنسيات إلى غزة وكلها أمور يتحفظ عليها كما أن العلاقة بين إسرائيل والسلطة ليست فى أفضل أحوالها للعديد من الأسباب وفى مقدمتها استمرار العدوان على غزة وارتفاع وتيرة الاقتحامات الإسرائيلية لمدن الضفة التى تتسبب فى حرج شديد للسلطة كما أن نتنياهو ليس مستعدًا للمساهمة فى رفع أسهم أبو مازن أو السلطة الفلسطينية خاصة أنه فى ديسمبر الماضى كشف عن وجود خلاف مع واشنطن حول حكم السلطة الفلسطينية لغزة وأضاف (غزة لن تكون حماس- تان أو فتح - ستان). ثالثاً: على الصعيد الأمريكى على رغم أن واشنطن هى الأخرى لم تعلن موقفاً منها ولكن يبدو أن لديها أولويات أخرى خاصة وأن لها رؤية خاصة فى دور السلطة الفلسطينية فى مرحلة ما بعد العدوان فمنذ أشهر وهى مع مقترح تنازل أبو مازن عن بعض صلاحياته ويمكن أن يعين نائبًا له ليتسلم منه المزيد من الصلاحيات التنفيذية مع إدخال شخصيات جديدة إلى القيادة أبومازن رد يومها بأنه مستعد لإدخال تعديلات على السلطة بقيادات جديدة وإجراء انتخابات التى تم إعاقتها منذ آخر دورة لها فى 2006 والتى بعدها تم إقصاء السلطة عن الوجود فى القطاع عام 2007 واشترط لذلك أن يكون هذا ضمن اتفاق دولى ملزم من شأنه أن يؤدى إلى إقامة دولة فلسطينية وقال (إن المشكلة ليست فى تغيير القيادات الفلسطينية بل فى سياسات الحكومة الإسرائيلية) وتشير بعض التقارير إلى أن الزيارة إذا تمت قد تقنع الإدارة الأمريكية بدور للسلطة فى غزة خاصة فى ظل التغيير فى مواقف الإدارة الأمريكية ولم تعد تشترط إجراء إصلاحات فى السلطة وعباس لم يشترط التوصل إلى اتفاق شامل وبدأ الحديث عن خطوات فى اتجاه الحل السياسى مثل مؤتمر دولى أو موافقة مجلس الأمن بالدولة التى أعاقها الفيتو الأمريكي.. ولعل الأيام القادمة ستكشف مصير الزيارة.