نوال سيد عبدالله أنهى وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن الأسبوع الماضى جولة مكوكية جديدة من الزيارات الدبلوماسية إلى منطقة الشرق الأوسط، بهدف التوسط لوقف إطلاق النار فى غزة والحصيلة كانت صفرًا. تشهد الحرب التى تشنها إسرائيل منذ أكتوبر من العام الماضى قصفاً متواصلاً من قبل الاحتلال على غزة، مما أدى إلى خسائر فادحة فى صفوف المدنيين خاصة الأطفال والنساء. اقرأ أيضًا | أكسيوس: نتنياهو وافق على انسحاب جزئي من محور فيلادلفيا وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التى بذلها بلينكن، والوسيطان (مصر وقطر) إلا أن محادثات وقف إطلاق النار لم تحقق أى تقدم يُذكر. السبب الرئيسى لهذا الجمود هو تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى يبدو مصمماً على إحباط جميع المبادرات الرامية إلى التوصل لهدنة، مدفوعاً بأجندته السياسية وطموحاته الشخصية. رفض نتنياهو المتكرر لمناقشة وقف إطلاق النار يُعد العامل الأبرز وراء فشل زيارة بلينكن الأخيرة. فمنذ بداية الحرب، كان نتنياهو واضحًا فى أنه لا ينوى وقف عدوانه على غزة فى المستقبل القريب. وكيف يتنازل نتنياهو عن حلم كان يوارده منذ انسحاب من القطاع عام 2005. حلم العودة إلى احتلال القطاع تحقق والثمن: أكثر من 40 ألف شهيد فى غزة. نتنياهو، للأمانة ومع الأسف، صدق فى وعوده لليمين المتطرف.. سبق وصرح مرارًا وتكرارًا، وخاصة فى 31 ديسمبر الماضى، بأن أهدافه طويلة الأمد تشمل استمرار الحرب لمدة عام أو عام ونصف على الأقل. وهذا هو الوعد الأول الذى صدق فيه مع اقتراب العدوان من إتمام عامه الأول خلال أقل من 40 يوماً. كما أعرب عن رغبته فى احتلال ممر فيلادلفيا، وهو منطقة استراتيجية على طول الحدود بين غزة ومصر. وهذا هو الوعد الثانى الذى يحاول بكل ما أوتى من قوة وخسة من الوفاء به وفرضه على أرض الواقع. هذه التصريحات تؤكد نواياه باستمرار احتلال القطاع وهو ما يجعل كل الجهود لوقف الحرب تذهب هباء. إصرار نتنياهو على إطالة أمد الحرب ليس فقط بدافع المخاوف الأمنية لإسرائيل؛ بل هو مرتبط بشكل وثيق بمسيرته السياسية. فى ظل التحديات الداخلية المتزايدة وحكومة ائتلافية هشة، يرى نتنياهو فى الحرب وسيلة لحشد الدعم الوطنى وتحويل الانتباه عن مشاكله القانونية وقضايا الفساد التى تلاحقه. من خلال استمرار الحرب سواء فى غزة أو تحويلها للجبهة الشمالية، يأمل نتنياهو فى تعزيز قاعدته السياسية. ومع نظرة سريعة لدورة حياة الديدان الطفيلية، نستطيع القول إن الحرب على غزة تقوم بدور الجسم العائل الذى يتغذى عليه نتنياهو. والطفيليات عادة تتسبب فى موت هذا الجسم فى نهاية المطاف. ومع تحليل كل الشواهد والأحداث الجارية، يصبح من الواضح أن نتنياهو يلتزم بخطة معدة سلفًا وليس لديه نية للتراجع عن أى من بنودها. تبدو استراتيجيته هى الحفاظ على الوضع الراهن، مما يجعل أى جهود للتفاوض غير مجدية وضياعا للوقت. وتأتى جهود بلينكن أيضًا فى ظل ضغوط سياسية مكثفة داخل الولاياتالمتحدة، حيث تقترب انتخابات نوفمبر، التى ستشهد تنافسًا صعبًا بين الجمهورى دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس. بدورها، تسعى إدارة جو بايدن، وبشكل خاص بلينكن، لتحقيق اختراق فى هذه المحادثات لتقديم نجاح ملموس للشعب الأمريكي، الذى خرج إلى الشوارع مرات عديدة احتجاجًا على الدعم الأمريكى غير المشروط للقصف الإسرائيلى على غزة والمدنيين. يأمل بلينكن فى تحقيق نجاح دبلوماسى يمكن أن يُعرض كإنجاز قبل الانتخابات الصعبة، لكن عناد نتنياهو وخططه المسبقة لإطالة أمد الحرب جعلت من هذه المهمة شبه مستحيلة. ومع ذلك، فإن فشل هذه الجهود يضع واشنطن تحت ضغط أكبر، خاصة مع استمرار المواقف الشعبية المناهضة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الحرب على غزة. وباعتبارها الحليف الأقرب لإسرائيل، تتحمل الولاياتالمتحدة جزءًا من المسئولية عن استمرار الحرب خاصة مع استمرار الدعم العسكرى لنتنياهو الذى يضغط على الديمقراطيين باللوبى الصهيونى فى أمريكا. خلاصة القول: فى ظل تعنت نتنياهو ومناوراته السياسية، تبدو الجهود الدبلوماسية بلا جدوى. ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية، تتفاقم الأزمة، وتزداد المعاناة فى غزة، بينما تستمر طاحونة الحرب فى الدوران.