رسالة لندن: محاسن الهوارى أصبح صعود الأحزاب والحركات ذات الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة مصدر قلق كبير فى المملكة المتحدة بعد أحداث العنف الأخيرة التى أعقبت حادثة طعن ذهب ضحيتها 3 فتيات صغيرات فى بلدة ساوثبورت الشمالية. حتى الآن، أثرت أعمال الشغب التى قام بها اليمين المتطرف على حوالى 20 بلدة ومدينة فى جميع أنحاء بريطانيا، ولقد تم اعتقال المئات ووقعت أعمال عنف ضد الممتلكات والمبانى، وكذلك ضد الناس، وخاصة المسلمين. ويبدو أن كل هذا رد فعل على معلومات مضللة عقب حادث بلدة ساوثبورت. وأشارت الشائعات عبر الإنترنت إلى أن المهاجم كان طالب لجوء مسلمًا، وسرعان ما تم حشد الجهات الفاعلة المناهضة للإسلام. ولليمين المتطرف تاريخ طويل فى المملكة المتحدة، يعود إلى أوائل القرن العشرين حيث روجت مجموعات مثل الاتحاد البريطانى للفاشيين فى الثلاثينيات للقومية المتطرفة وكراهية الأجانب. وعلى الرغم من أن هذه الحركات كانت مهمشة إلى حد كبير بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة لم تختف تمامًا وشهدت انتعاشا دوريا. ففى أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادى والعشرين، بدأت الحركات اليمينية المتطرفة فى الظهور مرة أخرى استجابة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، بما فى ذلك زيادة الهجرة والعولمة وعدم المساواة الاقتصادية. وقد أدت الأزمة المالية لعام 2008 وما تبعها من تدابير التقشف إلى زيادة السخط، مما خلق أرضًا خصبة للخطاب اليمينى المتطرف. وغالبًا ما تروج المجموعات اليمينية المتطرفة فى بريطانيا لنوع من القومية التى تتسم بالإقصاء والعداء تجاه الغرباء، وخاصة المهاجرين والأقليات العرقية، وهم يدعون للحفاظ على هوية وطنية متجانسة، والتى يعتبرونها مهددة من التعددية الثقافية والهجرة. بين «المرض العقلى» و»الإرهاب» تم توصيف أحداث الشغب الأخيرة من قبل اليمين المتطرف بأوصاف عديدة تراوحت بين المرض العقلى والإرهاب. فقد ذُكرت الصحة العقلية والإدمان بشكل متكرر فى قاعات المحكمة. ومثل رجال فى الخمسينيات والستينيات من أعمارهم أمام القضاة، بالإضافة إلى فتيان تتراوح أعمارهم بين 13 و14 عامًا. كما استخدمت وسائل الإعلام مصطلحات مختلفة لوصف ما يحدث تراوحت ما بين التطرف، وأعمال الشغب، والفوضى، والاحتجاج، ولكن ليس مصطلح «الإرهاب». اقرأ أيضا| فصائل فلسطينية: تمكنا من استهداف عدد من آليات الاحتلال الإسرائيلي ومع ذلك، أشار نيل باسو، الرئيس البريطانى السابق لمكافحة الإرهاب، إلى أن الإرهاب هو ما يجب أن توصف به أعمال العنف الأخيرة. كما دعا الوزير الأول الأسكتلندى السابق حمزة يوسف إلى تصنيف رابطة الدفاع الإنجليزية جماعة إرهابية وذلك فى أعقاب هجوم على مسجد فى اليوم التالى لحادثة الطعن فى ساوثبورت. وقالت الشرطة إن المهاجمين من أنصار رابطة الدفاع. وتُعد هذه المطالبات باعتبار العنف ضد الإسلام عملاً إرهابيًا بمثابة دعوات لإعطائه الأولوية كمسألة تتعلق بالأمن القومى. وهذا أمر مهم بالنسبة للبريطانيين المسلمين، الذين شعروا لسنوات أن مجتمعاتهم هى الوحيدة التى يتم وصمها ب «الإرهابيين»، فى حين أن المهاجمين اليمينيين المتطرفين يوصفون فى كثير من الأحيان بأنهم مرضى عقليين. كيف تعالج حكومة العمال هذه الأزمة؟ أصدر رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر فى 4 أغسطس تحذيرا لمن سماهم «المخربين من أقصى اليمين العنصريين» الذين يثيرون أعمال شغب فى المدن والبلدات البريطانية، وقال إنهم «سوف يندمون» على عنف الغوغاء الذى يمارسونه. كما أعلنت الحكومة البريطانية فى 6 أغسطس استعداد 6 آلاف عنصر من قوات الشرطة للتعامل مع أعمال الشغب. وقد تم اعتقال أكثر من 900 شخص ووجهت اتهامات إلى أكثر من 450 شخصا بارتكاب أعمال عنف أو التحريض على الكراهية عبر الإنترنت. ومثل المشتبه فيهم فورًا أمام المحاكم، حتى خلال عطلة نهاية الأسبوع، وصدرت أحكام قاسية بالسجن فى أكثر الأحيان على مرتكبى أعمال العنف وكذلك على المتهمين بالتحريض على الكراهية عبر الإنترنت. وقد دفعت هذه الأحداث رئيس الوزراء إلى تأجيل إجازته العائلية الصيفية. وبدلا من ذلك، يقضى سير كير ستارمر وقته فى العمل بين داونينج ستريت وسلام تشيكرز، المقر الريفى الرسمى لرئيس الوزراء فى باكينجهامشاير. وربما تكون العدالة الجنائية السريعة قد قضت على التهديد المباشر بالعنف. لكن السير ستارمر يعلم أنه سيتم الحكم عليه بناءً على معالجة الأسباب الجذرية لمشكلة اليمين المتطرف. ومن المرجح أن تتلقى البلدات والمدن المتضررة من أعمال الشغب أموالاً حكومية لتسهيل تعافيها. وتعانى معظم البلدات والمدن المتضررة من أحداث العنف الأخيرة من مستويات عالية من الحرمان ومستويات أعلى من المتوسط لإسكان طالبى اللجوء، وفقًا لإحصاءات وزارة الداخلية. كما أنه من المتوقع أن يستخدم حزب العمال بعضًا من كتلته النيابية الوفيرة البالغة 404 نواب للتفاعل مع ناخبى دوائرهم ووضع أيديهم على جذور المشكلة. كما سيكون دور وسائل التواصل الاجتماعى موضوعا للمراجعة الحكومية، حيث أقر الوزراء أنه بعد تسعة أشهر فقط من تحول قانون السلامة على الإنترنت إلى قانون، فإنه يحتاج بالفعل إلى التحديث والتعزيز. وبينما كانت سيارات الشرطة تحترق فى المملكة المتحدة، كانت وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز فى الولاياتالمتحدة تحاول تلميع سمعة الحكومة وتشجيع الاستثمار. وقد أصرت على أن الصور التليفزيونية لاشتباكات حشود من اليمين المتطرف مع الشرطة لن تضر بسمعة المملكة المتحدة الدولية باعتبارها «ملاذا آمنا للاستثمار»، ووصفت الاحتجاجات بأنها «بلطجة». وستعمل وزيرة الداخلية إيفيت كوبر على معالجة العديد من التحديات السياسية طويلة المدى التى أبرزتها الأحداث الأخيرة وخاصة ما يتعلق بملف الهجرة. ويبدو أن الجلسة البرلمانية الافتتاحية التى ستُعقد فى سبتمبر المقبل ستشهد نقاشا حاميا بشأن مسألة الهجرة حيث يبرّر النائب عن اليمين المتشدّد نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح المعادى للمهاجرين، مواقفه بمخاوف السكّان البيض الذين تتجاهلهم النخبة. ومن جانبها، تؤكد الحكومة العمالية رغبتها فى خفض مستويات الهجرة الشرعية وغير الشرعية. وقد تواجه استجوابا بشأن قرارها التخلّى عن خطّة المحافظين لترحيل طالبى اللجوء إلى رواندا، خصوصا أنّ قناة المانش شهدت عبور الكثير من المهاجرين خلال الطقس الجيد فى الأيام الأخيرة. أبرز مُكونات تيار اليمين المتطرف فى بريطانيا 1- حزب الإصلاح تم تأسيس حزب الإصلاح البريطانى فى نوفمبر 2018 تحت اسم حزب بريكست بزعامة نايجل فاراج وآخرين من مؤيدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وفى يناير 2021، تم تغيير اسم الحزب إلى حزب الإصلاح البريطانى، ويتبنى الحزب موقفًا متشددًا من الهجرة، وقد نجح زعيمه فى دخول مجلس العموم البريطانى فى الانتخابات الأخيرة. 2- الحزب الوطنى البريطانى وقد تأسس فى عام 1982، ويروج الحزب لأفكار قومية متطرفة معادية للمهاجرين. وفى ذروته، كان لديه بعض النجاح الانتخابى، لكنه تراجع بشكل كبير فى السنوات الأخيرة ويتزعمه حاليا آدم ووكر. 3- رابطة الدفاع الإنجليزية تأسست رابطة الدفاع الإنجليزية فى عام 2009 على يد تومى روبنسون المعروف أيضًا باسم ستيفن ياكسلى لينون، وقد لعبت الرابطة دورا رئيسيا فى أحداث العنف الأخيرة فى بريطانيا. 4- حزب الاستقلال البريطانى تأسس حزب الاستقلال البريطانى فى عام 1993 وساهم بفعالية فى حملة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى ومن المؤسسات الأوروبية، ويعد من أكبر الجماعات اليمينية المتطرفة وأكثرها تنظيماً فى المملكة المتحدة وتتزعمه آن مارى ووترز. 5- البديل الوطني مجموعة يمينية متطرفة أُنشئت عام 2019 مستغلة الاستياء من الإغلاق «بسبب جائحة كورونا» بين المراهقين المحبطين فى محاولة لتجنيدهم لقضية التفوق العنصرى للبيض ويتزعمها مارك أدريان كوليت. 6- جماعة العمل الوطني حظرت بريطانيا جماعة العمل الوطنى ومجموعتين منشقتين عنها، لتصبح أولى منظمات يمينية متطرفة يحظر نشاطها منذ الأربعينيات من القرن الماضى، وفى مايو 2022 حُكم على أليكس ديفيز، المؤسس المشارك لجماعة العمل اليمينية المتطرفة بالسجن لأكثر من 8 سنوات. 7- حركة بريطانيا أولاً دشنت حركة «بريطانيا أولا» فى عام 2011 وتهدف إلى إحياء التقاليد البريطانية وإنهاء ما يصفونه ب «الأسلمة» فى المجتمع البريطانى، إضافة إلى أنها حركة مناهضة للهجرة إلى البلاد بغض النظر عن لون البشرة أو العرق. وقد تم تسجيلها كحزب سياسى فى سبتمبر 2021 ويتزعمها بول جولدنج.