محمد الزهيرى مع تواصل الحرب الروسية الأوكرانية التى بدأت منذ أكثر من عامين بحشد عسكرى روسى واسع فى شمال وشرق وجنوب أوكرانيا فى 21 فبراير 2022 وما أعقبه من دخول للقوات الروسية إقليم دونباس الأوكرانى من الشرق، ثم أخيرا إعلان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عن إجراء «عملية عسكرية خاصة» فى أوكرانيا فى 24 فبراير من العام نفسه، نجحت أوكرانيا الأسبوع الماضى فى خلق بُعد جديد للحرب بين الطرفين واستطاعت أن تُربك حسابات روسيا بهجوم بدأ محدودا ولكنه سرعان ما تحول إلى توغل حيوى واستراتيجى فى العمق الروسى أدى إلى السيطرة على عشرات القرى الروسية، فى حملة عابرة للحدود تعتبر هى الأكبر ضد الأراضى الروسية منذ الحرب العالمية الثانية. كان تاريخ 24 فبراير حاسماً، عندما أعلن بوتين بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة فى أوكرانيا بحجة «نزع السلاح من أوكرانيا واجتثاث النازية منها» وقال إن خطط كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلنطى (الناتو) بقيادة واشنطن، تهدد الأمن القومى الروسي، وعلى أثر ذلك تمكنت القوات الروسية فى بداية اجتياحها من السيطرة على مساحات واسعة من مقاطعة خيرسون الاستراتيجية الواقعة جنوبى أوكرانيا، ثم بدأ الجيش الروسى فى توسيع هجماته داخل أوكرانيا «على الاتجاهات كافة» بعد صدور أوامر عليا بذلك، وبالرغم من فرض عقوبات فورية من الاتحاد الأوروبى على موسكو ودخول البلدين فى مفاوضات، إلا أن هذه المفاوضات تعثرت ولم تصل للتهدئة أو تجميد الصراع. وبعد أيام قليلة، واصلت القوات الروسية التقدم واقتربت من السيطرة على ثانى أكبر المدن الأوكرانية وهى خاركيف (شمال شرقى البلاد)، فى تحدٍ لجميع العقوبات التى فرضت عليها من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدةالأمريكية وغيرهم، ثم تسارعت التطورات الميدانية، وتوغلت القوات الروسية أكثر فأكثر وواجهت أوكرانيا صعوبة فى احتواء القوات الروسية أو درء هجماتها فى البداية. اقرأ أيضا| منذ بداية الصراع| احتجاز ما يقرب من 15 ألف أوكراني أثناء الفرار إلى رومانيا وحسب تقرير لوكالة الأناضول التركية للأنباء، ترددت دول غربية عديدة فى تسليح كييف بأسلحة ثقيلة فى بداية الحرب، ثم زودتها تحت ضغوط بأسلحة تتراوح بين الدبابات الثقيلة وأحدث أنظمة الدفاع، وتعتبر واشنطن هى الشريك العسكرى الأقوى لكييف منذ بداية الحرب، حيث زوّدتها بكميات هائلة من المعدات والأسلحة والذخيرة وأنظمة الدفاع أكثر من جميع العواصم الأخرى مجتمعة وفقا للتقارير المختلفة، كما قدم الاتحاد الأوروبى بجانب العديد من الدول دعما كبيرا لأوكرانيا وعلى رأسها المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وكندا وغيرهم. وعانت أوكرانيا لفترة طويلة من نقص حاد فى الأسلحة والمساعدات حيث تستغرق المساعدات العسكرية الغربية وقتا طويلا للوصول إلى أوكرانيا، كما كانت عمليات اتخاذ القرار بإرسال تلك المساعدات تستغرق شهورا. وفى الشهور الأخيرة، شهدت ساحة الحرب العديد من التطورات المتسارعة حيث تقدمت قوات روسيا ببطء فى عدد من المناطق على الجبهة وهو ما يُرجعه الخبراء والمحللون إلى أنه قد يكون فشل روسى فى استدعاء ما يكفى من قوات الاحتياط الروسية إلى المكان المناسب فى الوقت المناسب من أجل المضيّ قُدما فى شنّ الهجوم، أو أن سببا آخر قد يكون بدء وصول عتاد عسكرى غربى جديد للقوات الأوكرانية، مما ساعدها على التصدى للهجوم الروسى بل والنجاح فى استعادة بعض المناطق المحتلة. اقرأ أيضا| روسيا في مأزق.. هجوم كورسك يكشف عن ثغرات في الدفاعات الروسية وبعد أشهر من التراجع الروسى على الجبهة الشرقية، أطلقت أوكرانيا عملية واسعة النطاق غير مسبوقة الأسبوع الماضى فى منطقة كورسك الحدودية الروسية، سمحت لقواتها بالتوغل حتى عمق كبير داخل الأراضى الروسية والسيطرة على عدة مواقع، فى عملية لم تفاجئ موسكو فقط، بل فاجأت داعمى كييف الغربيين أيضا وفى مقدمتهم واشنطن. وأكد الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى أن كييف تسعى إلى «نقل الحرب» داخل روسيا، وقال إن أوكرانيا «تثبت أنها قادرة على ممارسة الضغط الضرورى على المعتدي»، كما أفصح مسؤول أوكرانى كبير لوكالة الصحافة الفرنسية أن آلاف الجنود الأوكرانيين يشاركون فى عملية التوغل المباغتة فى كورسك بهدف «تشتيت قوات موسكو وزعزعة الوضع فى روسيا».. وقال المتحدث باسم القوات المسلحة الأوكرانية، دميترو ليخوفا إن الجيش الروسى بدأ بالفعل فى سحب وحدات من منطقة زابوريجيا وخيرسون لحماية منطقة كورسك. وتتعارض روايات أوكرانيا التى تؤكد نجاحها فى السيطرة على 74 بلدة فى منطقة كورسك، مع تأكيدات روسيا بأن تقدم قوات كييف توقف وتم صد الهجمات فى قرى على بُعد نحو 26 إلى 28 كيلومتراً من الحدود، وأشار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى أن الهجوم الأوكرانى يهدف إلى تحسين موقف كييف التفاوضى قبل أى محادثات محتملة، وإبطاء تقدم روسيا على الخطوط الأمامية، إلا أن المفاوضات بين روسياوأوكرانيا متوقفة تماماً فى الوقت الحالى إذ يرى كل من الطرفين مطالب الطرف الآخر غير مقبولة. أما البيت الأبيض فى أمريكا فأعلن أن أوكرانيا لم تبلغه مسبقاً بتوغلها فى منطقة كورسك، ونفت المتحدثة باسمه كارين جان بيير أى دور لواشنطن فى العملية وقال الرئيس الأمريكى جو بايدن إن التوغل العسكرى الأوكرانى فى روسيا «خلق معضلة حقيقية» للرئيس الروسي، وأكد أن بلاده على اتصال دائم بأوكرانيا للوقوف على أحدث المستجدات.