وزير التعليم العالي يعلن صدور عدة قرارات جمهورية بتعيين قيادات جديدة    نادي الألعاب الرياضية بدمنهور يحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف    محافظ الإسماعيلية يفتتح معرض «أهلًا مدارس» بمركز التنمية الشبابية بالشيخ زايد    الفلسطينيون يدفعون نحو قرار في الأمم المتحدة بشأن انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة    ثروت سويلم: انتخابات الرابطة مطلع أكتوبر.. ومن حقنا تحديد شكل الدوري    موعد مباريات اليوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024.. إنفوجراف    «اتدارى شوية».. تعليق ناري من مجدي عبدالغني على مشاركة أحمد فتوح في تدريبات الزمالك    محامي رمضان صبحي يكشف تفاصيل استئناف منظمة مكافحة المنشطات ضد براءته    رفع 366 حالة إشغال طريق بالدقي| صور    خسوف القمر 2024.."ربنا لا تؤاخذنا بذنوبنا" أدعية تقال عند رؤية الخسوف    كيف فجر جهاز الاستخبارات الإسرائيلي أجهزة "بيجر" حزب الله؟    مسئول استخباراتي أمريكي: لا أستبعد تورط عناصر إيرانية في تفخيخ البيجر    ملف رياضة مصراوي.. أول ظهور لفتوح.. برنامج شوبير.. والمنشطات تصدم رمضان صبحي    50 جنيها زيادة جديدة في سعر أسطوانات البوتاجاز المنزلي، والتجاري 100%    مصرع شاب فى حادث تصادم جنوب بورسعيد    ترقبوا بعد قليل.. بداية خسوف القمر الساعة 3:41 فجرًا وذروته 5:44    الأمم المتحدة: انفجارت أجهزة البيجر في لبنان مقلقة للغاية    كامالا هاريس: يجب المضي قدما نحو حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي    أولى فعاليات مبادرة بداية بكفر الشيخ.. المحافظ يناقش 10 شكاوى فى لقاء المواطنين    محافظ أسيوط يشهد احتفالية تدشين المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الانسان".. صور    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 بعد تراجعه بمستهل تعاملات الاربعاء 18 سبتمبر 2024    العظمى بالقاهرة 34.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الأربعاء 18 سبتمبر    محافظ الإسماعيلية يوجه بضم فرقة القلوب البيضاء لذوي الهمم إلى عروض المهرجان الدولى للفنون الشعبية    عادات ستجعلك أكثر نجاحًا..أهمها التخلي عن وهم السعادة    ملخص وأهداف مباراة مانشستر يونايتد ضد بارنسلى    د.حماد عبدالله يكتب: ممكن من فضلك" التنحى " عن الطريق !!    سوريا تدين الجريمة الدموية الإرهابية للاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في لبنان    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024 بعد الانخفاض بالبنوك    مناقشة كتاب "أدب الرحلات في التراث العربي" باتحاد الكتاب    مانشستر يونايتد يسحق بارنسلي بسباعية ويتأهل إلى ثمن نهائي كأس الرابطة    المصرية للاتصالات يضم لاعب لافيينا    نظام غذائي يزيد من خطر الإصابة بالسكري    عواقب صحية خطيرة للجلوس على المكاتب..تجنبوها بهذه التمارين البسيطة    "الأسرع انتشارا".. متحور جديد من فيروس كورونا يضرب دول العالم    تفاصيل القبض على «زيزو» المتهم بقتل عمه وتمزيق جسد والدته في بشتيل    تساعية البايرن وفوز الريال.. نتائج مباريات دوري أبطال أوروبا    وزير الخارجية اللبنانى: نتحضر لرد انتقامى ضد إسرائيل    محافظ الغربية: أعمال التوسعة بحي ثان طنطا ستساهم في إحداث طفرة مرورية    حظك اليوم| الأربعاء 18 سبتمبر لمواليد برج الحمل    شاهد اللقطات الأولى من حفل زفاف بينار دينيز وكان يلدريم (فيديو)    أحمد أيوب لإكسترا نيوز: مبادرة "بداية" فكر وعهد جديد يتغير فيه مفهوم الخدمة المقدمة للمواطن    حظك اليوم| الأربعاء 18 سبتمبر لمواليد برج الدلو    حظك اليوم| الأربعاء 18 سبتمبر لمواليد برج الأسد    اليوم.. انقطاع المياه لمدة 10 ساعات بمدينة الفيوم    هل يدخل تارك الصلاة الجنة؟ داعية تجيب: «هذا ما نعتقده ونؤمن به» (فيديو)    احتفالية دينية في ذكرى المولد النبوي بدمياط الجديدة.. صور    آداب عين شمس تطلق دورة للإرشاد النفسي للأئمة والواعظات بوزارة الأوقاف    إصابة شخصان إثر انقلاب دراجة بخارية بالمنيا    قرارات عاجلة في مصرع وإصابة 7 نتيجة حريق شقة بإمبابة    شقيق زوجة أحمد فتوح يفجر مفاجأة بشأن دفع الدية لأسرة الضحية    وكيل صحة الشرقية يلتقي مدير مستشفى العزازي للصحة النفسية    محافظ قنا يشهد انطلاق فعاليات المبادرة الرئاسية بداية جديدة لبناء الإنسان    رسميا.. مواعيد دخول طلاب المدارس ب الجيزة لتخفيف الكثافات خلال العام الدراسي الجديد    مع بدايته الأربعاء.. كيف تؤدى صلاة خسوف القمر والأدعية المستحبة؟    رئيس الوزراء يلقي كلمة في احتفالية إطلاق المبادرة الرئاسية للتنمية البشرية "بداية"    2 مليار شخص يعيشون ببلدان بها ندرة مياه.. العراق تتطلع للاستفادة من الخبرات المصرية في إدارة المياه    فضل دعاء الصبر على البلاء وأهميته في حياة المسلم    رئيس جامعة سوهاج يستقبل طالبة مبدعة من الطلاب الجدد ذوي القدرات الخاصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالحليم قنديل يكتب: دراما «كورسك» الروسية

بدا الغزو الأوكراني لمقاطعة "كورسك" الحدودية الروسية مفاجئا بكل المعاني، وانقلابا دراماتيكيا في مسار الحرب الجارية منذ نحو ثلاثين شهرا، فقد نجحت قوات النخبة الأوكرانية في نقل الحرب إلى الداخل الروسي، ولم تعد المقاطعات الأوكرانية الأربع ( دونيتسك ولوجانسك وزاباروجيا وخيرسون) وحدها مسرحا للحرب المتطاولة، وقد شهدت شهورها الأخيرة تقدما مطردا للقوات الروسية ، وقضما متسارعا للقرى والبلدات والمدن، وبالذات فى منطقة "الدونباس"، وفى مقاطعة "دونيتسك" على وجه الخصوص، ومن دون أن يتغير الإيقاع الحربى على جبهة طولها ألف كيلومتر وأكثر فى الداخل الأوكرانى، حتى بعد مرور عشرة أيام على بدء الهجوم الأوكرانى المفاجئ فى مقاطعة "كورسك" الروسية الملاصقة لجغرافيا مقاطعة "سومى" الأوكرانية.
ولعل أول ما لفت النظر فى حوادث التوغل الأوكرانى على جبهة "كورسك"، أن القوات الأوكرانية تقدمت بسرعة مذهلة، وكأنها تمضى فى نزهة خلوية، ومن دون مقاومة تذكر من قبل القوات الروسية، التى كانت غائبة بالفعل عن ميادين "كورسك"، اللهم إلا من عناصر حرس حدود فردية التسليح، لم يكن بوسعها أن تصمد فى مواجهة غزو مقتحم منظم بالدبابات والمدرعات الأمريكية والألمانية، فيما لم تتواجد ولا جاءت قوات روسية مسلحة من أصله ، وهو ما يفسر طبيعة الخسائر البشرية التى أعلنها الروس، فقد قالوا أن عدد القتلى 12 مدنيا فى أسبوع الغزو الأوكرانى الأول، إضافة إلى 121 جريحا بينهم عشرة أطفال، بينما بدا الجيش الروسى كدب نائم فى غفوة الغياب ، وبدت أجهزة الاستخبارات الروسية العسكرية غائبة هى الأخرى، وثبت فشلها الذريع فى توقع الهجوم الأوكرانى، رغم كثافة الحشود قبلها فى مقاطعة "سومى" الأوكرانية على الجانب الآخر من الحدود، أو قد تكون الاستخبارات الروسية حذرت كما قيل، لكنها لم تجد أحدا يستمع أو يحتاط فى رئاسة أركان الجيوش الروسية، التى يتولاها الجنرال "فاليرى جيراسيوف"، وهو ابن ذات الأكاديمية العسكرية الروسية، التى تخرج منها الجنرال "فاليرى زالوجنى" القائد العام السابق الشهير للقوات الأوكرانية.
وقد أطاح به الرئيس الأوكرانى "فلوديمير زيلينسكى"، وأحل محله الجنرال "ألكسندر سيرسكى" بتعليمه العسكرى الروسى أيضا، والذى لم تظهر له أى كرامات عسكرية منذ تعيينه فى 8 فبراير 2024 ، لكنه كان قائدا للهجوم الصاعق فى "خاركيف" أواخر عام 2022 ، وقد نجح وقتها فى إزاحة سريعة للقوات الروسية إلى جيب صغير شرق مدينة "كوبيانسك" ، ثم تبدت مهاراته أخيرا فى خداع الروس ، وبدء الهجوم الأوكرانى الحالى فى مقاطعة "كورسك" الروسية ، وهكذا بدا "سيرسكى" كأنه جنرال المفاجآت السعيدة للأوكران طبعا ، وما من شك فى الأثر الفورى لمغامرة "سيرسكى" ، ورفعه الروح المعنوية المنهارة للشعب الأوكرانى ، وإثبات أن الجيش الأوكرانى قادر على إيذاء الروس ، والاستفادة من تكاسل البيروقراطية العسكرية الروسية ومركزيتها المفرطة، واستهتارها بقدرات قوات النخبة الأوكرانية المدربة بمعرفة الجيوش الغربية ، واستيعابها لتقنيات السلاح الغربى المتطور.
وقد لا يكون ما جرى ويجرى فى "كورسك" الأول من نوعه ، فقد سبقته غارات برية متقطعة فى مقاطعة "بيلجرود" الروسية المجاورة ، وقيل وقتها ، أن قوات من المتطوعين الروس الانفصاليين شاركت فى الغارات ، تماما كما قيل هذه المرة مع توغل الأوكران داخل "كورسك" ، وهو الأكبر من نوعه ، بل لم يحدث شئ من ذلك أبدا منذ العام 1941 ، حين أقدمت جيوش "هتلر" على غزو روسيا ، ودارت بعدها ملاحم ومعارك ما يسميه الروس بالحرب الوطنية العظمى (1941 1945) ، وكانت نقطة التحول فيها على أرض "كورسك" ذاتها ، حيث جرت ما تعد أكبر معارك الدبابات فى التاريخ ، وقد عرفت باسم معركة "فوس كورسك" ، التى استمرت لأسابيع منذ 5 يوليو 1943 إلى 23 أغسطس من العام نفسه ، وفيها وبعدها ، تدحرجت جيوش حملة هتلر (بارباروسا) من هزيمة إلى هزيمة ، وإلى أن سبق الروس (السوفييت وقتها) إلى اقتحام "برلين" ، وهو ما دفع مسئولون روس بتداعى الذكريات إلى تكرار التهديد باقتحام "برلين" مجددا ، بعد مفاجأة الغزو الأوكرانى السريع فى "كورسك" ، خصوصا مع وجود العربات الألمانية المدرعة "ماردر" مع القوات الأوكرانية الغازية ، وإصابة الهيبة الروسية المفترضة فى مقتل ، ولو إلى حين ، فقد بدا الروس كعادتهم التاريخية المتكررة ، يتلقون الضربات المفاجئة ، ثم يفكرون فى التكيف السريع معها ، ومعالجة الأخطاء الفادحة واستيعاب الدروس ، ثم يبحثون فى الرد وطرق كسب النصر ، وتحويل المحن والنوازل إلى منح وفرص حربية ، وهو ما يفسر طبيعة الإجراءات الفورية التى اتخذوها ، من نوع إجلاء عشرات الآلاف من المدنيين عن مقاطعة "كورسك"، وعن "بيلجرود" المجاورة، والبدء بوقف التقدم الأوكرانى عند المساحة المستولى عليها ، والمقدرة بأكثر من 2% من مساحة "كورسك" البالغة 190 ألف كيلومتر مربع ، وبعدد قليل من سكان لا يجاوزون 440 ألفا، والتركيز أولا على حماية المنشآت الأهم ، وأولها المحطة النووية الكهربية غرب مدينة "كورسك" عاصمة المقاطعة ، ومحطة نقل الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا فى مدينة "سودجا"، التى كانت قوات الغزو الأوكرانى وصلت إلى أجزائها الغربية ، ولا تزال محطة نقل الغاز تعمل ، وتضخ الغاز إلى دول أوروبية عبر أراضى أوكرانيا نفسها، وبعد تأمين السكان والمنشآت الكبرى ، وعلى نحو يبدو رتيبا منتظما ، يجرى نقل القوات الروسية الخاصة إلى ميادين النار فى "كورسك" مع الحرص على عدم سحب أى قوات روسية عاملة فى أوكرانيا ، وبعد إكمال الاستعدادات وحشد القوات المطلوبة، وإعلان حالات الطوارئ فى المقاطعات الروسية المحاذية للأراضى الأوكرانية (كورسك وبيلجرود وبريانسك)، ربما تبدأ على ما يبدو عملية حصار وسحق القوات الأوكرانية الغازية ، فالشعار الذى يرفعه الروس اليوم ، هو أنهم لا يريدون أسرى أوكرانا جددا، فلديهم ما يكفى ويزيد من الأسرى ، وقد بدت رغبة الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" فى الانتقام ظاهرة ناطقة ، وبدا "بوتين" غاضبا فى اجتماعات متلفزة عقدت مع مساعديه، ربما تؤذن بإقالات لاحقة لكبار المسئولين فى الجيش وأجهزة الاستخبارات الروسية، قد تجرى قبل أو بعد أن تنتهى المهمة العاجلة، التى قد تستغرق أسبوعين أو أكثر.
فلا يبدو الروس فى عجلة من أمرهم رغم هول المفاجأة ، وقد لوح "بوتين" بحرب إبادة لمن يعتبرهم أوكرانا "نازيين" ، وهو ما لا يعنى بالضرورة ، أن يلجأ الروس لاستخدام أسلحتهم النووية التكتيكية فوق أرضهم فى "كورسك" أو غيرها ، بل ربما اللجوء لتطوير خطط وأهداف ما يسميه "بوتين" بالعملية العسكرية الخاصة ، ومن دون إجراء تعبئة عسكرية عامة شاملة ، أو حتى الإعلان الرسمى القانونى للحرب ، فقد يلجأ الروس إلى غزو مقاطعة "سومى" الأوكرانية المحاذية لمقاطعة "كورسك" ، وبدعوى إقامة منطقة أمنية عازلة فيها ، وعلى نحو ما فعلوا ويفعلون فى مقاطعة "خاركيف" الأوكرانية المحاذية لمقاطعة "بيلجرود" الروسية ، وقد يعيد الروس النظر فى أهدافهم النهائية داخل أوكرانيا ، وعلى نحو لا يقتصر على إكمال السيطرة على المقاطعات الأربع المعلن عن ضمها (دونيتسك ولوجانسك وزاباروجيا وخيرسون) ، وقد تتمدد أهداف الروس جنوبا إلى الاستيلاء على "دنيبرو بتروفسك" و"أوديسا" ، وقطع اتصال ما تبقى من أوكرانيا بمياه البحر الأسود ، ولو استطاع الروس أن ينفذوا ما يخططون له ، فقد تصبح مغامرة الغزو الأوكرانى لمقاطعة "كورسك" مجرد حدث معزول ، وجملة اعتراض حربية ، لا توفر للأوكران ولا للغرب أى ميزة عسكرية أو سياسية ملموسة ، فلن تستطيع القوات الأوكرانية غالبا ، أن تبقى سيطرتها على أرض داخل روسيا فى "كورسك" ، ولا استخدام أرض روسية مستولى عليها فى مقايضة لا حقة مع الروس ، يعود بها كل طرف إلى حدوده الدولية المعترف بها ، وربما لذلك ، تكتم "واشنطن" حماسها لما فعله الأوكران فى "كورسك" ، وتدعى أنها لم تكن تعلم ، وأن الأوكران يتصرفون من تلقاء ذاتهم ، مع أن أهداف الأوكران المعلنة ، تبدو مطابقة لأهداف الأمريكيين ، وبينها زعزعة الوضع الداخلى فى روسيا ، وإثارة نقمة الشعوب الروسية على حكم "بوتين" ، والسعى لتفكيك روسيا ذاتها ، وهو ما لم يتحقق شئ منه طوال الثلاثين شهرا من الحرب الجارية ، التى قد يواجه فيها الروس صدمات ومفاجآت ونكسات ، على طريقة ما جرى ويجرى فى "كورسك" ، لكنهم سرعان ما يعودون إلى التماسك ، واستعادة الهيبة مجددا ، ويعيدون فى كل مرة ، ما نتصوره تكرارا ، يرقى إلى مرتبة قانون العادة الحربية التاريخية ، فالروس يهزمون ثم يهزمون ، لكنهم ينتصرون أخيرا ، فعلوها مع حملة "نابليون" وحملة "هتلر" ، ويفعلونها اليوم مع حملة أمريكا وحلف "الناتو" فى الميدان الأوكرانى.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.