مبادرة «بداية» وحقوق الإنسان في مصر    الطاهري: الشركة المتحدة تهتم بمواكبة التطور التكنولوجي في تقنيات الذكاء الاصطناعي    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية في الشرقية    مع اقتراب موعدها.. ماذا تقول استطلاعات الرأي قبل مناظرة ترامب وهاريس؟    وزير الخارجية الأمريكي: وقف إطلاق النار بغزة يصب في مصلحة إسرائيل    إجلاء 153 لاجئا صوماليا من اليمن إلى بلادهم    "فريق التحليل والمعلق".. بي إن سبورتس تعلن استعداداتها لمباراة مصر وبوتسوانا    خالد الغندور: الزمالك يتفاوض مع لاعب أجنبي «جامد»    البنك الأهلي يدخل معسكرًا مغلقًا ببرج العرب استعدادًا للموسم الجديد    منخفض جوي متمركز في مسطح البحر المتوسط.. كيف يؤثر على السواحل الشمالية؟    حكم من أول جلسة.. المشدد 10 سنوات لممرضة المقطم ووالدها في واقعة قتل شاب    نتيجة الثانوية العامة الدور الثاني 2024.. جاهزة للاعتماد    قرار من وزير الداخلية برد الجنسية المصرية ل36 مواطنًا    وزير الثقافة يكرّم صُناع العرض المسرحي «فريدة» في الإسكندرية    28 ملياراً ارتفاعاً من 10 مليارات جنيه ميزانيتها خلال 9 سنوات.. رئيس الوزراء يسلط الضوء على تطوير مستشفيات قصر العيني وعين شمس    استعلم الآن واعرف كليتك.. رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2024    عاجل.. حجز استئناف متهم بخلية السويس الإرهابية على حكم حبسه للنطق بالحكم    ضبط كميات من الأسمدة الزراعية المدعمة قبل بيعها في السوق السوداء بالوادي الجديد    نائب محافظ الأقصر يسلم مساعدات مالية ل500 سيدة من الأرامل والأيتام    الموعد الرسمي لإجازة المولد النبوي الشريف    مصدر خاص ل "الفجر الرياضي": قرار معروف صحيح بشأن إبعاد ماني عن تسديد ركلة الجزاء امام بوروندي    محافظ أسوان يشدد علي دخول مركز طب أسرة البصيلية الخدمة خلال 30 يومًا    محافظة الجيزة تطلق 36 قافلة بيطرية مجانية شاملة لدعم المربين    اليوم.. بدء المرحلة الثالثة للتنسيق بجامعة بني سويف    الداخلية تنظم الملتقى السادس لشباب المناطق الحضارية الجديدة في العاصمة الإدارية    موجة طقس شديد الحرارة.. الأرصاد تكشف موعد ذروة ارتفاع درجات الحرارة "فيديو"    لو اشتريت ايفون 16.. تعرف على محتويات "العلبة"    ميناء دمياط يستقبل سفينة تحمل 60 ألف طن قمح قادمة من روسيا    محمد رمضان في الاستديو من أجل أغنية جديدة بالتعاون مع نادر حمدي    المنسقة الأممية: معاناة سكان غزة لا يمكن وصفها ويجب وقف إطلاق النار    عزاء الفنان التشكيلى الكبير حلمى التونى فى عمر مكرم اليوم    سيد درويش فنان الشعب .. باعث النهضة الموسيقية في الوطن العربي    ذكرى رحيل فليسوف الموسيقى العربية..محطات مهمة فى مسيرة رياض السنباطى    مواليد 5 أبراج فلكية «توكسيك».. احذر عند التعامل معهم    دى بروين يهاجم لاعبى بلجيكا بعد الخسارة أمام فرنسا بدورى الأمم الأوروبية    بيت الزكاة يستعد لأول حملات توزيع ملابس ومستلزمات على الطلبة الأيتام    مطالبا بمحاكمته.. برلماني يعلق على تحريض أستاذ جامعي لسرقة الغاز والكهرباء    المقاصد الشرعية.. حفظ العقل    بالأرقام: 54 ألف عنصر أمني و1649 مركزا انتخابيا و1634 مترشحا ومترشحة في انتخابات الأردن النيابية    إيران تعتزم ترحيل مليوني مهاجر غير قانوني بحلول مارس 2025    وزيرة البيئة تشارك فى جلسة الخطة المالية لاتحاد حماية الطبيعة ل20 عاما    رئيس الوزراء يستعرض مخططا لتطوير مستشفيات قصر العينى.. زيادة المساحة ل 280 ألف متر مربع.. تقليل مدة إقامة المريض بالغرفة.. العمل بنظام الفترات التبادلية لغرف العمليات.. ومدبولى: مشروع كبير لتطوير "عين شمس"    فريق طبى بمستشفى المطرية التعليمى يجرى جراحة نادرة بفصل إلتحام الفكين لطفلة    من هو «السفير تميم خلاف» المتحدث الرسمي الجديد لوزارة الخارجية والهجرة؟    سموحة يبدأ فترة الإعداد البدني والفني استعدادًا للموسم الجديد 2025    سعاد صالح: زواج التجربة حرام مثل المساكنة.. ويفتح باب الزنا    الإسماعيلي يقترب من ضم مهاب ياسر والزمالك يرحب بالصفقة    عكس كومان.. ناجلسمان منفتح على اختيار لاعبين من الدوري السعودي لمنتخب ألمانيا    «إعلام القاهرة» تحصل على الاعتماد الدولي من مؤسسة «AQAS» الألمانية    ارتفاع أسعار النقل والمواصلات 29.8% على أساس سنوي خلال أغسطس الماضي.. و10.7% على أساس شهري    وزير التعليم يصدر قرارا بضوابط إعادة تعيين الحاصلين على مؤهل أثناء الخدمة    مبارزة الانتخابات الأمريكية.. كل ما تريد معرفته عن مناظرة ترامب وهاريس    7 معلومات عن الممثل الراحل جيمس إيرل جونز.. صاحب الأداء الصوتي لشخصية «موفاسا»    "المجتمعات العمرانية " تعلن موعد إجراء القرعة الثالثة بالأراضي المضافة لمدينة الشروق    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة مع بداية تعاملات اليوم الثلاثاء    اليوم، اتحاد الكرة يجري قرعة دوري القسم الثاني لمجموعة القاهرة    لينك تسجيل الرغبات 2024 المرحلة الثالثة بحد أدنى 50%.. الموقع الرسمي والكليات المتاحة للتقديم    «أونروا»: جيش الاحتلال الإسرائيلي اعترض تحت تهديد السلاح قافلة متجهة لشمال غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زهرة الشعر تتفتح فى هانغتشو!
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 11 - 08 - 2024

رسالة الصين: آلاء فودة
هل تذهبين إلى الصين؟ كان سؤالًا مازحًا واجهته بالتهكم والسخرية؛ الصين.. من.. أنا.. لا طبعًا.
بدا الأمر مثل خيال بعيد لا يمكننى التقاطه ولا تصوره، أنا التى لا تفضل الذهاب للقاهرة لأنها بعيدة، ولأن المكوث فى البيت هو تفضيلى الدائم. ظل الأمر يتراوح بين الرفض فى البدء ثم تقبل الأمر حتى أصبح أمرًا واقعًا، ولأن الشعر سهمٌ يندفع ولا يمكنك توقع مكان سقوطه؛ كانت رحلتنا إلى الصين.
فى العاشرة مساءً وصلنا إلى مدينة شنغهاى التى لم تتضح لى معالمها فى الليل لكن استقبالنا كان حافلًا بشكل لم أتخيله، وفد هائل من المنظمين والمترجمين والمصورين يستقبلوننا بحفاوة. نقطع الطريق من المطار إلى مدينة هانغتشو، التى تبعد ثلاث ساعات عن شنغهاى، فى ليل صامت ووديع سيتكشف لى فى الأيام القادمة كم كان ملهمًا وسخيًا على الشعراء.
أخبرتنا يان سو، قائدة الرحلة والتى سأطلق عليها «ماما يان»، أننا سننطلق فى الصباح الباكر فى الثامنة بالضبط إلى البحيرة الغربية. ماما يان سيدة أربعينية تنطلق بيننا كالرصاصة تعرف أسماءنا وأرقام غرفنا، تُلبى رغباتنا جميعًا مهما بدت غريبة وعادية، لا تتركنا للحظة، يمكنها ملاحقة كل الوفود فى آن واحد وساعتها دائمًا منضبطة، أطلقت عليها ماما يان لأن كل ما فعلته معنا كان ينطلق من مشاعر أمومة خالصة فهى تُلبى رغباتنا وتنطلق وراءنا تُلاحظ وتراقب ودائمًا ما تتدخل فى الوقت المناسب لتنقذ ما يمكن إنقاذه.
فى الصباح الباكر تبدأ الحافلات فى نقلنا إلى البحيرة الغربية، مع ضوء الشمس بدت لى المدينة أجمل مما رأيتها فى الليل، غابات من الأشجار والأحراش وسيقان البامبو.
وتقع هانغتشو عاصمة مقاطعة تشجيانغ على ضفاف نهر تشيان تانغ وتحيط بها تلال خضراء وتشتهر بجمال طبيعتها وسحرها الأخاذ، مما يضفى عليها جمالًا استثنائيًا ويجعلها وجهة مفضلة للسياحة.
وصلنا البحيرة الغربية التى تقع على مساحة شاسعة وتحيط بها تلال مشجرة وحدائق غناء، وتتزين بجسور حجرية قديمة وأشجار الصفصاف التى تتمايل مع النسيم، وأشد ما يميز البحيرة تفتح أزهار اللوتس والكرز فى حدائقها، ما يحولها إلى لوحة طبيعية ملونة.
تنوعت عروض حفل افتتاح المهرجان العالمى للشعراء الشباب الخاص بدول البريكس (الصين، الهند، السعودية، مصر، الإمارات، إيران، روسيا، أثيوبيا، جنوب إفريقيا، البرازيل) والذى ضم سبعين شاعراً، بين الغناء والرقص والباليه والأكروبات وقراءة الشعر الذى بدا كلغةٍ مشتركة بين كل تلك اللغات المختلفة، لغة يمكن الشعور بها توحد الهم الإنسانى وتصنع جسورًا بين حضارات شتى وثقافاتٍ مختلفة ومغايرة.
يجبرك النظام الصينى على النوم فى ساعةٍ محددة غالبًا ستكون التاسعة مساءً بعد انقضاء وجبة العشاء، وحين تتجول بنظرك خارج الفندق تجد أن الظلام دامس ليس لأن الليل أرخى ستائره لكن لأن المحال والمتاجر والمقاهى قد أوصدت أبوابها.
التاسعة مساءً كان موعد انطلاقنا، نحن الوفد العربى، للتسكع فى شوارع المدينة والتعرف عليها بعيون حرة خارج إطار جدول برنامج المهرجان المشدد، وبعيدًا عن عيون السيدة يان سو (ماما يان).
فى صخب الشوارع الخلفية للمدينة، الشوارع التى لا تنتمى للنظام المنضبط ولا للمواعيد الرسمية، وجدت نفسى كما لم أرها من قبل، ووجدت الشعر الذى لا يكف طنينه فى رأسى، كانت تتساقط علىَّ جملٌ شعرية أشبه بنقرات البرق، جمل صارخة وحارقة وحقيقية، أحيانًا كنت أسارع فى تدوينها مخافةَ أن تنفلت، وأحيانًا كنتُ أتركها تتساقط على رصيف المدينة المظلم والغجرى.
لم أستسلم يومًا لكتابة التداعى، الكتابة التى تأتى وتتسارع وتيرتها وتستلهمها من الأشياء حولك، كنت أعى ذلك جيدًا، إنما ما كان يأتى لى من الشعر فى هانغتشو كان حقيقيًا وجديرًا بأن يُكتب، حين ذكرتُ هذا لرفاقى قالوا حين يأتى الشعر انفصلى عنا بلا حرج واذهبى لتكتبى. أتذكر تعليق الشاعر المصرى أحمد يمانى: لو تركنا آلاء هنا لعادت لنا بكتاب شعرى جديد.
لم أندهش من الحالة الشاعرية التى استدعتها المدينة داخلى، الصين بلد شاعرى حتى فى تاريخها السياسى، ربما القارئ فى التاريخ الشيوعى الذى أسسه الرئيس ماو تسى تونغ سيجد أنه أطلق أسماءً شاعرية جذابة على حملاته التى كان يُطلقها لتحويل الصين لزعامة شيوعية واقتصادية، فأطلق مصطلح «القفزة العظيمة إلى الأمام» على حملته التى كانت تهدف إلى استخدام تعداد السكان الضخم لتطوير الدولة بشكل سريع من الاقتصاد الزراعى إلى مجتمع شيوعى حديث من خلال عمليتى التصنيع والتنظيم الجماعى.
وفى طريقه للتخلص من معارضيه عن طريق تشجيعهم على إظهار أنفسهم كناقدين للنظام قبل القضاء عليهم أطلق ماو مصطلح «دع مائة زهرة لتزهر» أو ما تم اختصاره فى الغرب إلى مصطلح «حركة المائة وردة» وفى حملته ضد الآفات الأربع أثناء «القفزة العظيمة» أطلق على عملية إبادة الجرذان والذباب والبعوض والعصافير حملة «الأعداء الأربعة».
فى الصباح كان موعدنا مع زيارة القناة المائية الكبرى فى هانغتشو؛ التى تُعرف أيضًا باسم «قناة بكين-هانغتشو الكبرى»، تمتد لأكثر من 2700 كيلومتر مما يجعلها أطول قناة مائية فى العالم وهى واحدة من أعظم الأعمال الهندسية فى تاريخ الصين، بُنيت خلال عصور مختلفة، بدءًا من القرن الخامس قبل الميلاد. أخبرنا رئيس المهرجان د. بسام أن القناة مكان شاعرى ألهم العديد من الشعراء والكتاب على مر العصور، وفى مقهى على القناة، اعتاد أدونيس زيارته من آن لآخر خلال تواجده فى الصين، كانت قراءتنا الشعرية الثانية مع الاستماع للموسيقى التراثية والغناء.
تخيلت الصين بلداً تكنولوجياً سريع الحركة ومتصلا بالعالم لكن صدمتى أنه على مدار سبعة أيام لم أتمكن أنا ورفاقى من الاتصال بشبكة الإنترنت، ولم تشبك هواتفنا بأى شبكة واى فاى فى أى فندق أو مطار أو محطة قطار، كما أن تطبيقات التواصل الاجتماعى محجوبة داخل الدولة، انعزلنا عن العالم، كانت الرحلة أشبه برحلات الرهبان للتطهر من لوث الحياة والروتين اليومى، ربما أثار الأمر غضبى ولكن حين تأملت الرحلة بعد انتهائها اكتشفت أننى لم أنتبه لغياب الإنترنت إلا لعدم القدرة على التواصل مع أهلى، عدا ذلك كانت الرحلة ثرية بالتفاصيل الملهمة.
يضعك النظام الصينى على ترس إيقاعه بمواقيت يفرضها، وحين تدور معه تفقد طقوسًا كثيرة وتشعر بعدم أهميتها كإدمان تصفح وسائل التواصل الاجتماعى، حين وصلت مطار القاهرة وبدأت الرسائل والإشعارات تتوافد على رأسى شعرت كأن أحدهم يمسك مطرقةً ويهوى بها على جسدى، فى لحظة تمنيت لو أن الحياة توقفت فى شوارع هانغتشو المظلمة بين غابات البامبو وصوت الجراد يُشكل جوقة خلفية لمكان لا يتصل بالعالم.
انتقلنا فى آخر يومين إلى العاصمة بكين عبر القطار فائق السرعة، طريق زراعى يشبه طرق الدلتا، ممتد بين مناطق زراعية واسعة، وجبال خضراء، وقرى تقليدية، كما يمر القطار بعدة مدن رئيسية مثل جينان ونانجينغ، مما يتيح للركاب إلقاء نظرة على هذه المدن التاريخية.
تبدو بكين مدينة صناعية تجارية على الطراز الحديث، تطغى عليها المادة والسرعة فى كل أرجائها. فندق إقامتنا كان فى وسط المدينة متوسطا بنوكا مركزية كبرى، ولم أستطع ورفاقى أن نكتم حنينًا جارفًا إلى هانغتشو بجبالها الخضراء وبحيراتها وطبيعتها الريفية، لم أحب بكين ولم أتعلق بها فقد تركت قلبى هناك فى غابات هانغتشو.
لن تكتمل رحلة إلى بكين سوى بزيارة سور الصين العظيم هذه الأعجوبة الهندسية تمتد لأكثر من 13,000 ميل، وتعتبر رمزًا للقوة والصمود، الوقوف على هذا السور وتأمل مناظر الجبال المحيطة يمنح الزائرين شعورًا بالدهشة، ويأخذهم فى رحلة عبر الزمن إلى أيام الإمبراطوريات الصينية القديمة.
فى ذلك اليوم كان موعد قراءتى الشعرية، قرأت قصيدتى فى قاعة ملحقة بسور الصين، ربما لو تمهلت ساعتها لرأيت نفسى.. تلك الطفلة الصغيرة التى تكتب قصائد الشعر خلسةً داخل كتبها المدرسية، تعود من المدرسة الابتدائية لتتسلق مكتبة أبيها باحثةً عن نسخة من الشوقيات طبعة بيروت، وتقرأ قصيدة زحلة ومعارضات شوقى. لو تخيلت الطفلة الصغيرة أنها يومًا ما ستصبح شاعرة كما تمنت، وأنها ستذهب إلى آخر بقاع الأرض وتقرأ على سور الصين العظيم، ووسط حشود من دولٍ عدة ولغاتٍ متعددة، قصيدة كتبتها فى غرفة صغيرة وضيقة فى الرياض، لشعرت أن الطريق الطويل الذى عليها أن تخوضه.. يستحق.
الصين أهدت لى وردة فى قلبى تزهر كلما تذكرتُ الشعر، وردة تحمل فى بتلاتها عناوين الفرح والأحلام والخيال الذى لا ينضب معينه. شكرًا للشعر وللناس الذين كانوا أجمل ما حدث فى هذه الرحلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.