الآن، بعد نحو عشرة شهور على السابع من أكتوبر يحق لنا أن نقف أمام هذا الحدث بالدراسة والفهم دون انحياز له أو ضده. مبدئيًا أرى أن لهذا الحدث الكبير مميزات هائلة وعيوبًا جسيمة. الإيجابية - أعادت القضية الفلسطينية لبؤرة الاهتمام العالمي، بعد أن كادت تذهب لمجاهل النسيان. - أظهرت وحشية إسرائيل للعالم كله، مما انعكس على مواقف بعض الحكومات مثل البرازيل وبعض دول أمريكا اللاتينية، كما انعكست على بعض الشعوب فى العالم كله، خصوصًا الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة، التى قام فيها طلاب الجامعات باحتجاجات غير مسبوقة ضد الكيان الإسرائيلى وتعاطفًا مع غزة. - أظهرت أن إسرائيل بمفردها كائن هش، ويمكن هزيمتها بسهولة تامة، وأنها لولا مساندة الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوروبية ما استطاعت أن تبقى فى الوجود. ونعنى بالمساندة هنا: المساندة بالسلاح، والمشاركة فى الحرب عند اللزوم لصالح إسرائيل، كما حدث فى صد الهجوم الإيراني، والدعم السياسى فى الأممالمتحدة، والمحافل الدولية، والدعم المعنوى. - لم تستطع إسرائيل حتى الآن تحقيق أهدافها المعلنة للحرب، والمتمثلة فى: القضاء على حماس، استعادة الأسرى. وتم أخيرًا تعديل مبدأ القضاء على حماس باستسلام حماس. - أوقعت الحرب بإسرائيل خسائر بشرية ضخمة لم تقع لها مثلها فى حروبها السابقة. - أوقعت بإسرائيل خسائر اقتصادية جسيمة، والمعروف أن إسرائيل تعتمد دومًا على حروب قصيرة خاطفة، لأن اقتصادها لا يتحمل حروبًا ممتدة. - أوقعت بإسرائيل خسائر قانونية هائلة، بعد أن صدر ضدها حكم من محكمة العدل الدولية بإيقاف الحرب على غزة، وطلب المدعى العام فى المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه جالانت. وترتب على هذا ظهورها بمظهر من لا يهتم بالقانون الدولي، ويتبنى سياسة البلطجة القائمة على القوة. - أظهرت للعالم أكذوبة الحديث الأمريكى عن حقوق الإنسان والديمقراطية. وكشفت ازدواجية المعايير الأمريكية فى التعامل مع إسرائيل وبقية دول العالم، خصوصًا الدول العربية. -تسببت فى قلاقل داخلية عنيفة ضد نتنياهو، قام بها أهالى الأسرى والمحتجزين. - تسببت فى مشاكل عنيفة داخل الميدان السياسى الإسرائيلي، وعلت حدة النقد لنتنياهو، وطالبت المعارضة بذهاب نتنياهو لأنه يدير الحرب لحسابه وليس لحساب إسرائيل. - أظهرت تعصب اليمين المتطرف الحاكم فى إسرائيل. -شجعت على الهجرة العكسية من إسرائيل. - دفعت عددًا هائلا من الدول الأعضاء فى الأممالمتحدة للاعتراف بدولة فلسطين. -بينت أن إسرائيل لها أهداف غير معلنة قامت بتنفيذها، فى الوقت الذى فشلت فيه فى تحقيق أهدافها المعلنة، وأهم الأهداف غير المعلنة: - قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين خصوصًا النساء والأطفال. - إصابة أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، والتركيز على تسبيب عاهات مزمنة لمعظم المصابين. - تدمير البنية التحتية لغزة، بحيث لا تصلح للسكنى مرة أخرى خلال فترة قريبة، وتُحمل تكلفة بعشرات المليارات لإعادة الإعمار مرة أخرى. النتائج السلبية - تسببت فى إعادة احتلال إسرائيل لغزة، وصار خروجها من غزة مطلبًا للمقاومة، وأظن أن إسرائيل ستحاول باستماتة أن تحتفظ لنفسها بما يجعلها فى مأمن من تكرار الهجوم عليها مرة ثانية. - قتل عدد من كبار قادة حماس، وعلى رأسهم إسماعيل هنية. - تسببت فى قتل ما يقرب من أربعين ألفًا حتى كتابة هذه السطور. - تسببت فى جرح أكثر من تسعين ألفًا حتى الآن. - هدمت معظم البنية التحتية لغزة. - تسببت فى مجاعات طاحنة للشعب العربى فى غزة. - أشعرت الغزاوية بالذل والقهر أمام السلطة الإسرائيلية الغاشمة وتحكماتها فيما يتعلق بعودة النازحين إلى أماكنهم السابقة. - تسببت فى تسليح بن غفير لعدد كبير من المستوطنين مما سبب اعتداءات يومية منهم على أهل الضفة الغربية. - أثبتت قدرة إسرائيل على الحرب فى أكثر من جبهة فى وقت واحد، إذ تحارب فى غزةولبنان وتضرب فى سوريا والعراق واليمن. - أبرزت الخلاف بين السلطة الفلسطينية وحماس. - كشفت عن كثير من مواقف الكارهين لمصر الذين لا يتوقفون عن نقد مواقفها، رغم أن مصر تقدم ثمانين فى المئة من المساعدات التى تدخل غزة، وتحاول القيام بدور الوسيط للوصول إلى تسوية فلسطينية إسرائيلية. - تسببت فى خسائر كبيرة للاقتصاد المصرى بسبب قلة حركة السفن عبر قناة السويس بسبب ضرب الحوثيين للسفن الذاهبة لإسرائيل، أو المملوكة لها، أو لأمريكا وبريطانيا. وبسبب تأثر السياحة فى سيناء بعد وقوع القذائف الحوثية فى شواطئها. - تسببت فى دمار جزئى لجنوب لبنان معقل حزب الله، ووصل الضرب أخيرًا إلى بيروت. - أنهكت المقاومة، وقتلت الكثير من أعضائها وقياداتها ضمن عشرات الآلاف من الشهداء الذين تحدثنا عنهم، واستهلكت معظم أسلحتها، ولعلنا لاحظنا أن المقاومة لم تعد تضرب بالصواريخ بغزارة مثلما كانت تفعل من قبل. - أظهرت أن المقاومة فى غزةولبنان ينقصها سلاح الدفاع الجوى، وينقصها امتلاك سلاح ردع حقيقى يخيف إسرائيل. - أظهرت اختراق إسرائيل لمراكز القيادة الفلسطينيةواللبنانية، مما يمكنها من اغتيال قادة المقاومة الكبار. - أتاحت لإسرائيل استغلال انشغال العالم بقضية الإبادة الجماعية لتقوم بضم المزيد من الأراضي، والتوغل فى الضفة الغربية، واعتقال المزيد من الفلسطينيين. والسؤال الآن: - هل الحصيلة النهائية إيجابية لصالح الفلسطينيين أم سلبية؟ الإجابة صعبة، لأن الحدث لم يتم بعد، ولا يزال فى حالة فوران. لكن المؤكد أن الخسائر جسيمة. أضف إلى ذلك أن الحديث عن غزة وحدها يعتبر ناقصًا، ولا بد أن نتحدث عن غزة وحزب الله معًا. المهم أن المقاومة تعتبر نفسها منتصرة، ولا تعتبر أن عشرات الآلاف من القتلى والجرحى داخلين فى حساب النصر والهزيمة. كما أن هناك أصواتًا عديدة تتعالى فى إسرائيل بأنها قد هزمت، وأن استمرار الحرب هو مجرد عناد من نتنياهو والمتشددين.