تعتبر السيدة العذراء أكثر نساء العالم تصويرًا من خلال الأيقونات الدينية واللوحات التشكيلية والتماثيل، منذ ألفي عام وإلى الآن. ويرجع ذلك إلى مكانتها الروحية، كرمز للنقاء، والرحمة، والصبر على الابتلاء، بالإضافة إلى اعتماد أغلب كنائس العالم لفن الأيقونة الدينية، والذي جعل من رسم صورتها نوعا من العبادة. وقد تنوعت موضوعات وأساليب الأعمال التي تناولتها عبر العصور. ◄ أشهر تماثيلها «بيتا» لمايكل أنجلو وأكبرها في الفلبين ◄ أول من رسمها القديس لوقا الإنجيلي ■ إحدى أيقونات العذراء ذات الثلاثة أيدي تحظى السيدة العذراء بتبجيل عموم المصريين، وتقديس أقباط مصر. وتتنوع أيقوناتها في الكنائس والأديرة، لكنها تظهر غالبا مرتدية الأزرق لون السماء، أو الأحمر القرمزي رمز الملك، أو الأبيض رمز الطهارة. ■ أقدم صورة للسيدة العذراء من سراديب الموتى في بريسيلا بروما القرن الثاني الميلادي وعادة تقترن بثلاثة نجوم، تدل على البتولية قبل وأثناء وبعد ميلاد المسيح. وتكون على الكتفين وقرب الجبهة. وترسم العذراء في الأيقونات الدينية على يمين المسيح، إعمالًا للنص: «قامت الملكة عن يمينك أيها الملك» (مز 9:45) كما توجد حول رأسها هالة إعمالًا للنص: «أنتم نور العالم» (مت 5:14)، ولأنها تمثل في العقيدة السماء الثانية، لذلك يوجد حولها ملائكة ونجوم وسحب. وقد قام أهم فناني الأيقونات في مصر برسمها، ومنهم إبراهيم الناسخ، ويوحنا الأرمني، وأنسطاسي الرومي. ■ العذراء تتصدر لوحة عبادة المجوس لبوتيتشيلي ◄ اقرأ أيضًا | أغلى الأسماء.. السيدة مريم العذراء ◄ لمحة تاريخية أقدم رسم باق للسيدة العذراء عالميا، يوجد في سراديب الموتى في «بريسيلا» على طريق «سلاريا» في روما، ويرجع إلى عام 150 ميلاديا. ويمثل العذراء ترضع المسيح. وقبل ذلك كان يجري تصوير المسيح بشكل رمزي كسمكة أو طاووس أو مرساة، وفقا ل«جيرمي نورمان» مؤرخة المعلومات. أما أول من رسم العذراء وفق المعتقد والأدبيات المسيحية، خاصة يوحنا الدمشقي في القرن الثامن، فهو القديس لوقا الإنجيلي ثالث كتبة الأناجيل الأربعة، وصاحب «أعمال الرسل» ورفيق الرسول بولس في رحلته التبشيرية، وكان طبيبا على الأغلب. ولذلك سميت نقابات الرسامين في الفترة التالية على عصر النهضة في عموم أوروبا باسم نقابات «القديس لوقا» شفيع الفنانين، وهو اللقب الذي استحقه كونه أول من رسم صورة للسيدة العذراء. وقد ارتفعت مكانة العذراء بعد مجمع «أفسس» عام 431. ■ العذراء في لوحة البشارة لفنان عصر النهضة بوتيتشيلي وحظيت أيقوناتها بالتبجيل والتقديس العام منذ ذلك الحين. ومن أقدم الأعمال التي صورتها في تلك الحقبة، فسيفساء من القرن الخامس في روما، ولكن بدون الهالة. وتعتبر أيقونات العذراء مع الطفل والقديسين «تيودور» و«جورج» بدير «سانت كاترين» أقدم تصوير باق لها مع الهالة، وهي مرسومة بالشمع على الخشب. ويرجع إلى القرن السادس الميلادي. وعلى مدى القرون اللاحقة رسمت العذراء بطرق مختلفة، وضمن موضوعات عديدة، سواء بمفردها وهي تمنح البركة، أو وهي تحمل المسيح طفلًا، وأحيانا ينضم لهما عدد من الملائكة والقديسين. ■ العذراء والطفل من القرن السادس بدير سانت كاترين ◄ أشهر النماذج ومن أشهر نماذج تصوير العذراء في الفن البيزنطي في العصور الوسطى، فسيفساء لها تحمل الطفل، على سقف «آيا صوفيا». كذلك تبرز أعمال «بيرلنغيري» من القرن الثالث عشر في عدة أيقونات منها أيقونة «العذراء الدالة على الطريق»، والتي تشير فيها إلى ابنها الرضيع بوصفه الطريق للهداية والخلاص. كما اشتهرت خلال العصور الوسطى أيقونات رسمها «لوتشي» وتصور العذراء في الفترة الانتقالية لبداية التحرر من الأسلوب البيزنطي الجامد مطلع القرن الرابع عشر. ■ العذراء والطفل والملائكة من أعمال شيمابوي في فلورانسا من القرن الثالث عشر ويبدو الفرق واضحا مع الفنان «جيوتو» حيث يتجه للواقعية في التصوير ويكتسب البراعة ويهتم بالنسب والتفاصيل، كمرحلة انتقالية نحو عصر النهضة. ومن أشهر أيقوناته للعذراء، تلك التي تصورها حاملة الطفل، وفي يدها الأخرى زهرة. وفي مرحلة تالية تظهر أعمال «فيليبو ميمي» في مدينة «سيينا» الإيطالية، والتي صارت مدينة العذراء منذ معركة «مونتابيرتي» التي يعتبرها أهل المدينة قد حسمت لصالحهم ببركتها. ■ تمثال العذراء بدير درنكة «العذراء ذات الثلاثة أيدي»، في دير «خيلانداريو» للروم الأرثوذوكس بصربيا هي واحدة من أغرب أيقونات العذراء في العصور الوسطى، وتضم ثلاث أياد اثنتان منها للسيدة العذراء والثالثة يد يوحنا الدمشقي الذي استعاد يده المقطوعة ببركة السيدة العذراء. ومنذ القرن الثامن، رسمت الأيقونة مرات عديدة، إحياء لتلك الذكرى. ■ تمثال بيتا لفنان عصر النهضة مايكل أنجلو في كاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان ◄ مادونا عصر النهضة حظيت السيدة العذراء باهتمام بالغ في عصر النهضة، وتطورت رسومها، وظهرت ضمن موضوعات عديدة على يد فناني ذلك العصر. وكان الميلاد أحد الموضوعات، في أعمال حملت اسم «الميلاد» أو ضمن الأعمال المسماة بعبادة أو تبجيل المجوس للطفل يسوع. كما تم تصوير الميلاد بصحبة الملائكة وبعض القديسين. ■ تمثال عذراء السلام في فنزويلا ومنها لوحة «بوتيتشيلي» «البشارة» والتي تصور تلقيها البشارة بميلاد المسيح من رئيس الملائكة. كذلك هناك لوحة رسمها «ليوناردو دافينشي» في فترة مبكرة من حياته في فلورنسا بتكليف من رهبان أغسطينيين من «سان دوناتو»، وقد سافر إلى «ميلانو» دون أن يكملها. ومع ذلك فهي تعرض ضمن معرض «أوفيزي» في فلورانسا. ■ عبادة المجوس للفنان بيتر بول روبينز كذلك رسم «ساندرو بوتيتشيلي» السيدة العذراء تتصدر مشهد عبادة المجوس، حيث يجثو ملوك المجوس الثلاثة إجلالا للطفل يسوع. وقد وضع «بوتيتشيلي» نفسه أقصى يمين اللوحة، ينظر للمشاهد. كما رسم الفنان السيدة العذراء مع الطفل يسوع، والقديس يوحنا المعمدان صغيرا. ■ لوحة الزيارة للفنان دومينيكو جيرلاندايو أواخر القرن الخامس عشر ورسم فنان عصر النهضة «كرفاجيو» لوحته الشهيرة «ميلاد المسيح مع القديسين «فرانسيس» و«لورانس» عام 1609، وقد سرقت من مذبح كنيسة في باليرمو بصقلية عام 1969 بعد خلع إطارها. وعلى ذكر السرقات، فهي ليست الوحيدة، إذ سرقت أيضا لوحة «صعود العذراء» للفنان «جوزيبي بابيني» من القرن التاسع عشر، وعثر عليها بعد 18 عامًا في ولاية تكساس الأمريكية. كما سرقت لوحة «مادونا وطفلها» للفنان الإيطالي «بونتوريكيو» وعثر عليها بعد ثلاثين عاما. ■ لوحة العذراء والطفل يسوع والقديس يوحنا المعمدان صغيرا لفنان عصر النهضة بوتيتشيلي وسرقت عام 2014 لوحة «العذراء مع القديسين يوحنا وجريجوري صانع المعجزات» من كنيسة مدينة «مودينا» شمال إيطاليا، وسلمتها السلطات المغربية بعد العثور عليها قبل أربع سنوات، والقائمة طويلة. ■ لوحة تمجيد المجوس للطفل يسوع بريشة ليوناردو دافينشي ◄ الترنيمة وبالعودة إلى لوحات العذراء فقد حظيت «ترنيمة العذراء» باهتمام الفنانين، وهي واحدة من أقدم ثماني ترنيمات مسيحية، وتتلى غالبًا في صلاة الغروب بالكنيسة الشرقية، والكنيستين الكاثوليكية واللوثرية. وهي متضمنة في إنجيل «لوقا»، وتنطق بها السيدة العذراء خلال لقائها بابنة عمها المسنة «إليزابيث». ومن أشهر صور الترنيمة لوحة «الزيارة» للفنان «دومينيكو جيرلاندايو» من عصر النهضة بفلورانسا. ■ لوحة صعود السيدة العذراء لفنان عصر النهضة تيتيان كما رسم «تيتيان» فنان عصر النهضة من «فينيسيا» لوحة صعود العذراء، في القرن السادس عشر، لتوضع في المذبح الرئيسي للكنيسة الفينيسية في «سانتا ماريا جلوريوسا دي فيراري» وبفضلها اعترف به كفنان مهم. ■ لوحة ظهور العذراء للقديس بيرنارد لفنان عصر النهضة فلبينو ليبي وتظهر اللوحة السيدة العذراء فوق سحابة، مع مجموعة من الملائكة الصغار، وفي الأسفل مجموعة من القديسين المتضرعين، وفي الأعلى ينتظرها المسيح مع الملائكة. أما فنان عصر النهضة «فلبينو ليبي» ابن الفنان «فليبو ليبي» وكلاهما عاش تحت رعاية عائلة ميدتشي، فقد رسم كوالده العديد من الأعمال الدينية، وضمن لوحات «فلبينو» الابن لوحة «ظهور العذراء للقديس «برنارد». ■ لوحة عذراء الصخور لليوناردو دافينشي كما رسم «ليوناردو دافينشي» لوحته الشهيرة «عذراء الصخور»، والتي استوحى مشهد خلفيتها من منطقة على الطريق إلى «ميلانو» وفق وثائقي لقناة «DW» الألمانية، بعنوان «ما سر لوحة عذراء الصخور الغامضة؟» وقد صارت لوحات السيدة العذراء تعرف باسم «مادونا» منذ عصر النهضة، وتعني بالإيطالية: «سيدتي» وهو المصطلح الذي انتقل إلى الإنجليزية منذ القرن السابع عشر. ■ مادونا المتوجة بريشة جيوتو دي بوندوني أوائل القرن الرابع عشر ◄ تماثيل الأم يعتبر تمثال «بيتا» أو «الرحمة» لفنان عصر النهضة «مايكل أنجلو» نقلة نوعية في تماثيل السيدة العذراء. وقد صنعه وهو في الثالثة والعشرين من عمره، أواخر القرن الخامس عشر. ويصور العذراء تحمل المسيح مضرجا بدمائه بعد موته مصلوبا وفقا للعقيدة. وقد علق البعض على التمثال بأنه يظهر وجه العذراء وكأنها أصغر سنا من ابنها. ورد الفنان على ذلك بقراءة النشيد الثالث والثلاثين من «فردوس» «الكوميديا الإلهية»، والذي يقول فيه «دانتي»: «أيتها العذراء والأم، يا ابنة ابنها، أيتها المتواضعة والعلية، أنت أكثر من مجرد خليقة، أنت العبارة الثابتة عن المشيئة الأبدية.» وقد تعرض التمثال للاعتداء عام 1972 حيث انهال عليه شخص هنجاري بمطرقة، وجرى ترميمه، ووضع أمامه زجاج واقي من الرصاص. وقد كرر «أنجلو» التمثال في منحوتتين هما «بيتا الفلورانسية» وأخرى رحل قبل إتمامها. ■ مادونا الكتاب لفنان عصر النهضة ساندرو بوتيتشيلي وفي مصر قام الفنان جرجس الجاولي رئيس قسم النحت السابق بكلية الفنون الجميلة بالمنيا بنحت تمثال من البرونز للسيدة العذراء، بطول يزيد على تسعة امتار، وجرى تثبيته بدير «درنكة». أما أكبر تمثال للعذراء في العالم، فيقع في الفلبين، ويطلق عليه «أم كل آسيا» ويقع أعلى إحدى الهضاب، في موقع الحج «مونتيماريا» بمنطقة «باتنجاس»، ويبلغ ارتفاعه أكثر من 98 مترًا. وجه ويدا التمثال مصممة من قبل النحات إدواردو كاستريلو، وتم تنفيذها بالخرسانة المسلحة. أما باقي الجسد فهو عبارة عن مبنى متعدد الطوابق، يضم مكانا للعبادة. وقبل إقامته كان تمثال عذراء السلام في «فنزويلا» الأكبر في العالم.