تحولت الانتخابات الأمريكية المزمع إجراؤها فى نوفمبر المقبل إلى دمية بيد إسرائيل توظفها لصالح تحقيق أهدافها الشيطانية فى منطقة الشرق الأوسط، انطلاقًا من إطالة أمد الحرب الدائرة حاليًا فى قطاع غزة ودفع الولاياتالمتحدة للانخراط معها فى حرب إقليمية أوسع مع إيران وأذرعها فى المنطقة، وهو ما عبر عنه خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلى المتطرف بنيامين نتياهو أمام الكونجرس مؤخراً والذى عمد خلاله على قلب الحقائق بحثَا عن استمرار الدعم غير المحدود الذى تقدمه الإدارات الأمريكية المتعاقبة لدولة الاحتلال. ◄ الخطاب مؤشر على طول أمد الصراع بالشرق الأوسط ◄ نتنياهو وظف جميع المتناقضات الأمريكية لصالحه ■ نتنياهو وكامالا هاريس لم يكن خطاب نتياهو أمام الكونجرس، الأربعاء الماضي، سوى مؤشر على أن الاستمرار فى الصراع بمنطقة الشرق الأوسط سيكون طويلاً، وأن الولاياتالمتحدة لن يكون بإمكانها إثناء إسرائيل عن مغامراتها، وأن الانقسام السياسي الحاد الذي تعانيه أمريكا يدفع كلا الحزبين الديمقراطى والجمهورى للبحث عن دعم اللوبي الصهيوني والتعويل عليه نحو قدرته لحسم المعركة الانتخابية، وبالتالى فإن عوامل الضغط للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار ستكون غائبة وستحاول أطراف أخرى أوروبية لعبها خلال الفترة المقبلة لكن دون أن يُسفر ذلك عن تقدم يذكر. ◄ الأزمة تكمن الأزمة فى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى المتطرف ليس لديه خطة واضحة بشأن فترة ما بعد انتهاء الحرب وجاءت كلماته أمام الكونجرس مطاطة وبالتالى فهو يمضى للمجهول معولاً على تغيير أوراق اللعبة بما يجعله يحظى بدعم دولى أكبر فى ظل الاتهامات الدولية التى تلاحقه، إذ أكد خلال كلمته «إنه فى المستقبل القريب، ستحتاج إسرائيل إلى سيطرة أمنية كاملة على قطاع غزة». وفي الوقت ذاته دعا إلى «أن تكون غزة منزوعة السلاح وخالية من التطرف بعد الحرب، على أن تكون المنطقة تحت إدارة الفلسطينيين»، وفى كلتا الحالتين فإنه لم يوضح ما هى الآليات التى تضمن نجاح سيطرته الأمنية مع وقوعه فى حقل من الألغام تغتال جنوده فى القطاع بعد ما يقرب من عام على بدئها، وفى المقابل فإنه لم يحدد ما هو شكل السلطة الفلسطينية التى يمكن أن تُرضى إسرائيل. ■ نتنياهو أثناء إلقاء خطابه في الكونجرس ◄ جميع الأوتار وحاول نتنياهو خلال زيارته للولايات المتحدة، اللعب على جميع الأوتار وعمد توظيف جميع المتناقضات بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى لصالحه، أن يضع دولة الاحتلال فى صورة حامى الولاياتالمتحدة ومنقذها وليس العكس كما يحدث حاليًا، ومرر رؤيته الساعية للتأكيد على أن انتصار إسرائيل هو انتصار لأمريكا، لكى يضمن استمرار الدعم المقدم إليه كما أن الترحيب من جانب أعضاء الحزب الجمهورى ممن حضروا خطابه عمد من خلاله على إرسال إشارات للداخل الإسرائيلي بأنه يمضي في الطريق الصحيح وأنه يحظى بدعم كامل من الولاياتالمتحدة. لكن فى المقابل فإن الاستقطاب الذى تعانيه الولاياتالمتحدة بعد أيام من محاولة استهداف مرشح الحزب الجمهورى دونالد ترامب، وتصاعد حراك اليسار الأمريكى الرافض لسياسة الدعم المطلق لإسرائيل وانعكاسات ذلك على مواقف قادة الحزب الديمقراطى وهو حزب يسار الوسط فى الولاياتالمتحدة تطورات كونها منغص لزيارة نتنياهو، لكنه يدرك فى النهاية بأن دعم إسرائيل يحظى بتوافق المؤسسات الأمريكية وإن كان سيواجه بعض الضغوط الشكلية فى حال وصلت نائب الرئيس الأمريكى الحالى كامالا هاريس إلى رئاسة البيت الأبيض. ◄ الابتزاز وقال السفير على الحنفى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن شخصية نتنياهو الانتهازية تجعله قادراً على ابتزاز قادة الحزبين الديمقراطى والجمهورى، وأن زيارته الأخيرة كانت بمثابة جس نبض لمدى الدعم الذى يمكن أن يحصل عليه من جانب كلتا الإدارتين واستغل حالة الارتباك التى يعانيها الحزبان وهو ما جعله يقف أمام الكونجرس لفترة طويلة ويحظى بتصفيق متواصل دون أن يتذكر أنه هناك قرار صادر بحقه من جانب المحكمة الجنائية الدولية مع إغفال كافة جرائم الإبادة التى ارتكبها بحق المدنيين، وأشار إلى أن الواقع يشير لأن المؤسسات الأمريكية تقدم كل ما بيدها من دعم لنتنياهو ودولة إسرائيل وأن الزيارة جاءت بالأساس لخدمة مصالح شخصية لرئيس الوزراء الإسرائيلى وسعى للادعاء بأنه حقق انتصاراً على الأرض ووجه اتهاماته لكافة المؤسسات الدولية التى اتهمها بمعاداة السامية وممارسة التمييز ضد الشعب اليهودى، مشيراً إلى أن الزيارة كانت كاشفة عن المقارنة بين الأحاديث والمطالب التى تحث إسرائيل على وقف إطلاق النار وبين الضغط الحقيقى الذى غاب من جانب ترامب وبايدن وهاريس. وأكد أن مصر من جانبها استبقت أكاذيب نتياهو وقامت بنفى ما حاول ترويجه قبل خطابه بشأن تطور مفاوضات إطلاق سراح الأسرى ووجود وفد تفاوضى فى القاهرة، مشيراً إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى حذر مراراً من إمكانية انفلات الأوضاع فى المنطقة وتعرض الجميع للضرر بما فيها المصالح الأمريكية ذاتها، وأن المطالبات المستمرة بالضغط الأمريكى على نتنياهو لم تتحقق بعد، وأن احتمالات الدخول فى حرب أكبر فى لبنان يبرهن على أن إسرائيل تحاول اختلاق الذرائع التى تمكنها من التصعيد. ◄ نفي مصري وفي نفس السياق نفت مصر مزاعم نتنياهو حول تقدم مفاوضات التهدئة وفتح المعابر فى غزة، وبحسب مصادر مطلعة فإن «رئيس الوزراء الإسرائيلى يسعى لاستباق كلمته بالكونجرس الأمريكى بادعاءات غير صحيحة عن تحقيق تقدم باتفاق الهدنة والسماح بخروج مصابين فلسطينيين من قطاع غزة». كما نفى المصدر ذاته «وجود وفود إسرائيلية أو فلسطينية بمصر للتباحث حول التهدئة بقطاع غزة، أو قيام إسرائيل بإبلاغ مصر ردها حول مقترح التهدئة». ومن جانبه أشار الدكتور عمرو عبدالعاطى، الباحث فى الشأن الأمريكى، إلى أنه لا يوجد خلاف أمريكى بشأن دعم وتأييد إسرائيل ولكن الاختلافات تظهر فى المقاربات المختلفة بين كلا المرشحين، إذ إن المرشحة التى من المتوقع أن تحظى بدعم الحزب الديمقراطى لخوض الانتخابات كامالا هاريس لديها خلفية يسارية بعكس مرشح الحزب الجمهورى دونالد ترامب ذى التوجه اليمينى الأكثر تأييداً لإسرائيل انعكاسَا لرغبة التيار الإنجيلى داخل الحزب الجمهورى. وأوضح أن مواقف هاريس التى تبدى أولوية لوقف إطلاق النار تأتى ارتباطاً مباشر بالتغير الحاصل فى تركيبة الحزب الديمقراطى مع صعود الشباب الذين ليس لديهم نفس نسبة التأييد التاريخية للديمقراطيين من إسرائيل، وهؤلاء يرون بأن الدولة اليهودية أصبحت عبئَا على الولاياتالمتحدة فى ظل مشكلات داخلية تعانيها، وهؤلاء يحصلون على المعلومات من مصادر إعلامية مختلفة ويصعب السيطرة على توجهاتهم. وأشار إلى أن أبرز ما يواجهه نتياهو يرتبط بصعود التيار التقدمى داخل الولاياتالمتحدة والذى يرفع شعارات العدالة الاجتماعية ويرفضون الاضطهاد الذين يعانيه أصحاب البشرة السمراء باعتبارهم أقلية، وهؤلاء يربطون بين التحديات التى يواجهها الأقليات واستهدافهم المستمر وبين القضية الفلسطينية وهؤلاء يؤمنون بعدالتها ويرون بأن الشعب الفلسطينى يتم استهدافه أسوة بالسود، لافتَا إلى أن المظاهرات التى شهدتها جامعات أمريكية عديدة برهنت على أن مصنع النخبة المستقبلى فى الولاياتالمتحدة سيكون لديهم آراء مغايرة من إسرائيل، لافتا إلى أن وجود ولايات متأرجحة يحسمها اليهود يقابلها أيضا ولايات مماثلة من الممكن أن يحسمها العرب. ◄ ممارسة الكذب وشدد الدكتور جهاد الحرازين، القيادى بحركة فتح، على أن نتنياهو يحاول أن يكون لاعبا رئيسياً فى الانتخابات الأمريكية، ويعلم مدى حرص الحزبين على إرضاء إسرائيل، وهو شجعه على ممارسة الكذب لما يقرب من ساعة كاملة حاز خلالها على التصفيق الحار من جانب الأعضاء الذين صمت آذانهم وعميت أبصارهم عما يجرى فى الأراضى الفلسطينية، كما أنه تلاعب بكلا الحزبين من خلال التأكيد على أن إسرائيل شريك استراتيجى للولايات المتحدة، وأوضح أنه يمكن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار إذا أراد نتياهو ذلك وفى كل مرة يتم فيها تجاوز إحدى العقبات يخرج بمجموعة من الاشتراطات الجديدة، ويحاول كسب الوقت لخلط الأوراق من خلال التصعيد تارة فى اليمن وأخرى فى لبنان، مشيراً إلى يحاول الوقوف أمام العالم باعتباره ضحية ويصور إسرائيل على أنها طرف يتم الاعتداء عليه، لكن فى الوقت ذاته فإن الولاياتالمتحدة مازالت حريصة على أن تظل قواعد الاشتباك مع إيران وأذرعها وفق قواعد الاشتباك المتفق عليها منذ بدء حرب السابع من أكتوبر، بحيث لا تتوسع دائرة الحرب. وكانت إيران قد حذرت إسرائيل، الأحد الماضي، من أي «مغامرات» عسكرية جديدة فى لبنان مما قد يؤدى إلى «تداعيات غير متوقعة»، وذلك بعد ضربة صاروخية على الجولان المحتل اتهمت إسرائيل حزب الله بتنفيذها. فيما كان الجيش الإسرائيلى، قد أعلن قبلها بيوم أن 12 شخصاً تراوح أعمارهم بين 10 و20 عاماً، قتلوا جراء سقوط صاروخ على ملعب لكرة القدم فى بلدة مجدل شمس فى الجولان السورى الذى تحتله إسرائيل منذ العام 1967 وأعلنت ضمه لأراضيها، ومجدل شمس بلدة ذات غالبية درزيّة الذين رفض كثيرون منهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية. وتوعد نتنياهو الذى اختصر زيارته للولايات المتحدة من أجل العودة مبكرا إلى إسرائيل، بأن «إسرائيل لن تدع هذا الهجوم الوحشى يمر دون رد، وحزب الله سيدفع ثمنا باهظا لم يسبق أن دفعه من قبل».