لا تكتفى إسرائيل بالإصرار على استمرار حرب الإبادة على شعب فلسطين فى غزة وتعطيل أى جهد للتهدئة.. لكنها تتخذ من توسيع الحرب سياسة ثابتة، ومن تفجير الأوضاع فى المنطقة كلها وسيلة للهروب من أزماتها التى لا تنتهى.. وها هى تكرر الأمر مع مسلسل الاغتيالات للقائد العسكرى لحزب الله فى بيروت، ثم للقائد السياسى لحماس إسماعيل هنية فى قلب طهران، وهى تدرك جيداً ماذا يعنى ذلك فى عز أزمة لا تحتمل المزيد من التصعيد. تعرف إسرائيل أن كل أطراف الصراع بما فيها أمريكا وإيران لا تشاركها الرغبة فى تفجير المنطقة بحرب إقليمية قد تتطور لصراع عالمى مفتوح، لكنها تعرف أيضاً أن استقرار المنطقة وإقامة السلام العادل هو الخطر الذى تخشاه أكثر من كل الحروب كأى كيان إرهابى آخر!!. وبالتأكيد فإن هدفاً رئيسياً للتصعيد الاسرائيلى الأخير سيظل إنهاء أى احتمال لإيقاف إطلاق النار فى غزة وإغلاق الطريق أمام إنهاء حرب الإبادة.. لكن ذلك ليس كل شىء. إسرائيل تريد الحرب الإقليمية لكى تصبح فلسطين مجرد بند صغير فى أجندة قضايا المنطقة والعالم، ولكى تستدرج أمريكا بالذات إلى التدخل المباشر فى حرب لا تنتهى، ولكى تمضى فى مخطط إقامة «التحالف الإبراهيمى» وهو الوليد غير الشرعى لصفقة القرن المشئومة التى تستهدف تصفية قضية فلسطين وإدخال المنطقة فى صراع دينى يقسم العالم الإسلامى بين سنة وشيعة، بينما يتفرغ الكيان الصهيونى للاستيلاء على ما تبقى من فلسطين واستكمال تهديد القدس. والأهم من ذلك كله عند نتنياهو وعصابته الإرهابية الحاكمة أن تستعيد اسرائيل قوة الردع التى فقدتها بتوالى الفشل فى تحقيق أى هدف لحرب الإبادة التى تشنها منذ عشرة شهور - حتى وهى تعرف «والعالم كله يعرف أيضاً» أنها لا تستطيع أن تحقق شيئاً بدون دعم أمريكى كامل لا تستطيع بدونه أن تصد بضعة صواريخ بدائية أو تقنع أحداً «حتى فى الداخل الإسرائيلى» أنها قادرة على الحرب على كل الجبهات، بينما الكل يدرك أنها ليست إلا ذراعا عسكرية كان مفيداً لأمريكا وأصبح الآن عبئاً يأكل من رصيد أمريكا المتبقى فى المنطقة والعالم، الذى لم يعد كما كان لأسباب عديدة منها هذا الانحياز بلا حدود لدولة مارقة قامت على الإرهاب وتعيش عليه. بعناية شديدة اختار نتنياهو موعد التصعيد الخطير فى الموقف بحملة الاغتيالات التى يعرف أنها لن تمر بدون رد.. اختار الموعد مع عودته من أمريكا حيث حصل على مباركة ترامب وتيقن من أن أمامه إدارة أمريكية بلا قرار حاسم حتى الانتخابات.. إدارة تدفع ثمن إعطاء نتنياهو انحيازها الكامل حتى لو على حساب مصالح أمريكا.. كما قال الرئيس الأمريكى بايدن، ومنحتها كل دعمها العسكرى والسياسى ولو بالمخالفة للقوانين الأمريكية نفسها، وارتضت فى النهاية أن يكون القرار الأمريكى «رهينة» فى يد نتنياهو وحلفائه من زعماء عصابات اليمين النازية التى تشاركه الحكم والإرهاب. الأرجح بالطبع أن أمريكا لا تريد التورط فى حرب تعرف عواقبها الوخيمة، لكنها لا تملك أن تخرج من الالتزام بدعم اسرائيل، والثرثرة حول حقها فى الدفاع عن النفس، ومحاولة ضبط ردود الفعل على جرائم اسرائيل، تقول أمريكا إن المباحثات من أجل اتفاق التهدئة لم تغلق أبوابها بصورة نهائية، ولكنها تعرف أن نتنياهو لن يوقف الحرب وسيواصل التصعيد الذى لا يجد وسيلة أخرى غيره ليبقى فى الحكم وليعبر الأزمات الطاحنة التى تهدد الكيان الصهيونى بالانفجار.. وستبقى المنطقة تدفع ثمن الجنون الصهيونى والتواطؤ الأمريكى الذى ترك قرار واشنطن «رهينة» لدى تل أبيب وعصابات الإرهاب الصهيونى التى تقود المنطقة والعالم نحو الكارثة.