في فجر يوم الأربعاء، استيقظ العالم على خبر صادم، وهو اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في قلب العاصمة الإيرانيةطهران. هذا الحدث الدراماتيكي ليس مجرد اغتيال لشخصية سياسية بارزة، بل هو بمثابة زلزال سياسي يهز أركان الشرق الأوسط بأكمله، ويهدد بإشعال فتيل حرب إقليمية قد تغير وجه المنطقة إلى الأبد. لنتخيل للحظة أن الشرق الأوسط رقعة شطرنج عملاقة، وأن كل دولة وفصيل قطعة على هذه الرقعة، بهذه الحركة الخطيرة، قامت إسرائيل بإزاحة أحد أهم القطع من على الرقعة. لكن هل كانت هذه الحركة ذكية أم متهورة؟ وما هي التداعيات المحتملة لهذه اللعبة الخطرة؟ أولاً، دعونا نتأمل في توقيت ومكان الاغتيال، فاختيار طهران كمسرح لهذه العملية يحمل رسالة واضحة لإيران: "لا مكان آمن، ولا خطوط حمراء"، ما يعد تحدٍ صارخ للنظام الإيراني، الذي يجد نفسه الآن في موقف حرج. فإما أن يرد بقوة ويخاطر بتصعيد الموقف إلى حافة الهاوية، أو أن يخاطر بفقدانه لتأثيره على حلفائه في المنطقة، كلا الخيارين مر كالعلقم. ثانياً، لننظر إلى تأثير هذا الحدث على الساحة الفلسطينية الداخلية، فهنية لم يكن مجرد زعيم سياسي، بل كان رمزاً للمقاومة الفلسطينية ومحور التواصل بين حماس والعالم الخارجي. غياب إسماعيل هنية قد يخلق فراغاً قيادياً داخل الحركة، مما قد يؤدي إلى صراعات داخلية على السلطة أو ربما إلى تبني مواقف أكثر تشدداً من قبل القيادة الجديدة. هذا التحول قد يكون له تأثير كارثي على مفاوضات تبادل الأسرى المتعثرة أصلاً، وعلى أي آمال في التوصل إلى تهدئة في غزة. ثالثاً، لا يمكننا تجاهل البعد اللبناني في هذه المعادلة المعقدة، فاغتيال هنية يأتي بعد ساعات فقط من اغتيال قيادي بارز في حزب الله في بيروت. هذا التزامن ليس صدفة، بل يشير إلى استراتيجية إسرائيلية جديدة تهدف إلى ضرب محور المقاومة في عقر داره، لكن هذه الاستراتيجية تحمل في طياتها مخاطر جمة، فقد تدفع حزب الله إلى الرد بقوة، مما قد يشعل الجبهة الشمالية لإسرائيل ويحول الصراع المحدود إلى حرب شاملة. رابعاً لا بد من إعادة النظر في دور الولاياتالمتحدة والقوى الدولية في هذا المشهد المعقد؛ فخلافاً للصورة التي تحاول واشنطن رسمها لنفسها كوسيط للسلام، يبدو أن سياساتها في المنطقة تغذي الصراع أكثر مما تخمدهإذ ان الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، والضغط المستمر على إيران، يشيران إلى استراتيجية تهدف إلى إدامة حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. من جانب آخر، فإن النظر إلى إيران كمجرد أداة في يد الولاياتالمتحدة قد يكون تبسيطاً مخلاً للواقع. فطهران، رغم الضغوط الدولية، تسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي وتتبع سياسات مستقلة قد تتعارض أحياناً مع المصالح الأمريكية. هذا التعقيد في العلاقات الدولية يجعل من الصعب التنبؤ بمسار الأحداث في المستقبل القريب، ويزيد من احتمالات التصعيد غير المحسوب. أما روسيا والصين، فقد تجدان في هذا التصعيد فرصة لتعزيز نفوذهما في المنطقة على حساب النفوذ الأمريكي المتراجع. في النهاية، يبدو أن اغتيال هنية قد فتح صندوق باندورا في الشرق الأوسط، فما كان يُنظر إليه سابقاً على أنه خطوط حمراء لم يعد كذلك، وما كان يُعتبر مستحيلاً أصبح الآن في دائرة الممكن. نحن نقف الآن على مفترق طرق تاريخي، حيث يمكن لقرارات القادة في الأيام والأسابيع القادمة أن تحدد مصير المنطقة لعقود قادمة. هل ستنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال هذه الضربة الجريئة؟ أم أنها فتحت على نفسها أبواب جهنم؟ وهل سيتمكن المجتمع الدولي من كبح جماح التصعيد قبل فوات الأوان؟ أم أننا على أعتاب حرب إقليمية شاملة ستعيد رسم خريطة الشرق الأوسط؟ الإجابات على هذه الأسئلة ليست واضحة بعد، لكن شيئاً واحداً مؤكد وهي لعبة الشطرنج على رقعة الشرق الأوسط قد دخلت مرحلة جديدة وخطيرة، والعالم كله يحبس أنفاسه في انتظار الحركة التالية.