الزمن الجميل تعبير يتردد على الألسنة وعبر السطور ترحمًا على الماضى الذى تراه النفس جميلاً كله، واشمئزازًا من الواقع الذى قد ترفضه كله.. ولم يسأل أحدنا نفسه أكان زمنًا جميلاً فى حد ذاته كزمن،أم أن أهله هم من جعلوه زمنًا جميلاً برضاهم وتوادهم وبساطتهم؟ وهل أهل هذا الزمن هم من جعلوه قاسيًا صعبًا بالطمع والتنافر والتصارع؟ إن من قد عاصر الزمنين لعله يلمس أن أهل كل منهما كان لهم السهم الأكبر فى جعله جميلاً أو إلباسه ثوب القبح والرذالة، لكن هذا لا ينفى بالطبع صعوبة زمننا الذى نحياه رغم كثرة رفاهياته وأدوات الراحة فيه للجسم والعقل، والتى هى فى ذات الوقت قد تكون مكمن صعوبته؛ فتلك الأدوات التى تحقق الراحة للجسد هى ذاتها التى تصيب ملكاته وقدراته شيئًا فشيئًا بالعجز وقلة المناعة وعدم القدرة على مقاومة التعب والإجهاد. وذات الأمر ينطبق على رفاهياته ومتعته اللامحدودة فعلى قدر استمتاع الإنسان بها يقل اعتماده على تحقيق السعادة الذاتية بالأمور المعنوية، فضلاً عن تحول تلك الأدوات من خانة الرفاهة والهامشية إلى بند أساسى يتعب غير القادر فى الحصول عليه فيضطر لارتكاب أخطاء ليحصل عليه بأى ثمن تطلعًا منه للاستمتاع كما يستمتع غيره من القادرين. لكن يبقى أيضًا أن مظاهر الجمال التى كانت تسعدنا يبدو أنها لا تمتلك القدرة على أن تسعد الأجيال الحالية كما أسعدتنا، والعكس صحيح أيضًا فمظاهر جمال زمنهم الحالى تقريبًا كلها مادية صناعية تكنولوجية ، لا تتوافق مع معانى الجمال كما عشناها وأحببناها، والتى قد ينظر إليها بعض الشباب على أنها خيالية أو حتى بتعبير سمعته من أحدهم»عبيطة» تعبيرًا عن مثاليتها أو بساطتها، بل حتى غرابتها . وعلى بعد سنوات من الآن سيتحول هذا الزمن الذى نراه فوضويًا متعبًا قليل المتعة إلى ماض يطلق عليه شباب هذا العصر «الزمن الجميل»ويتحسرون عليه كما نتحسر على ماضينا الذى نراه كله نموذجًا للجمال.