كانت الدنيا سهلة وبسيطة وغير معقدة. لم نكن مثل الجيل الجديد نقول على الطعمية «جرين برجر» ولا على الحرنكش «جولدن بيرى»، والبطاطا «سويت بوتيتو»، والملوخية «جرين سوب» والفسيخ «سولتد فيش»، ولم نكن نعرف «باشون فروت». ولم تكن الحروب معقدة ولا بالذكاء الصناعى، وكان هتلر ووزير إعلامه جوبلز يحتلون الدول بالمنشورات التى تلقيها الطائرات، والراديو الذى يبث دعايته، وكم سقطت دول قبل أن تقتحمها جيوش النازى. وفى الفيلم الرائع «فى بيتنا رجل»، كانت وسائل مطاردة الثوار هى المخبر الذى يرتدى جلباب وبالطو طويل، ويجلس على المقهى قريباً من «الهدف»، وفى يده جورنال مخروم يراقبه منه، ثم يقترب من «إبراهيم حمدى» عمر الشريف، ويقول له العبارة التاريخية «تسمح تولعلى». كانت الدنيا بسيطة، مثل الجملة التى جاءت على لسان راقية إبراهيم فى فيلم «زينب» «من 95 سنة»: اللى مالوش أهل الحكومة أهله، فى مجتمع ما قبل الثورة «النصف فى المائة»، ولم يعرف العالم وقتها برامج الحماية الاجتماعية ولا توفير مظلة لغير القادرين. لم يكن فى يد 99% من المواطنين موبايلات، يدفعون عن طيب خاطر فواتيرها الباهظة دون شكوى، ويصرخون إذا زادت أسعار الطماطم أو البطاطس أو اختفى السكر. وإذا كان فى يدك وفى يد غيرك موبايل «أنت» و»هم» تحت التهديد دائماً، بسبب إساءة استخدامها فى أفعال تشكل جرائم يعاقب عليها القانون، وكم من بشر راحوا ضحية انتهاك خصوصياتهم، غير حالات تدمير الحياة الخاصة. وفى سجلات المحاكم تصدر أحكام رادعة لمعاقبة جريمة جديدة اسمها الاعتداء على القيم الأسرية، وحرمة الحياة الخاصة على «فيسبوك»، مثلما حكمت المحكمة على «شيرى هانم» وابنتها «زمردة» بالسجن المشدد خمس سنوات. كانت الدنيا سهلة، وسوف يأتى يوم تبكى فيه البشرية على أيام زمان بسبب التدمير الإليكترونى للحياة، فمازلنا فى سنة أولى ذكاء اصطناعى، والقادم هو الرعب. فأمريكا وروسيا والصين تمتلك الآن أسلحة يطلقون عليها «فرط الصوتية» وهى صواريخ سرعتها 8 كيلومترات فى الثانية، وتحلق بشكل قوس تقع ذروته على ارتفاعات عالية فوق الأرض، ثم ينفصل الصاروخ وينقض فى ثوانٍ على الهدف المحدد ويدمره. إسرائيل قامت بتجريب أنظمة أولية مثل «لافندر» الذى حدد لها فى بداية الحرب 37 ألف هدف، من بينها أفراد مطلوبون.. ولا أدرى لماذا فشل هذا النظام فى العثور على قادة حماس؟ الشركات الكبرى مثل أمازون ومايكروسوفت وجوجل فى حرب رهيبة مع الشركات المماثلة فى روسيا لتحديد أسلحة المستقبل، وأصبحت الشركات فى قلب الحروب القادمة، وتسعى إلى تفجيرها. كانت الدنيا بسيطة ولكنها تعقدت إلى حد الرعب، وسلاح المقاومة الوحيد هو اللحاق بقطار الذكاء الاصطناعى، وأن نعلم أجيالنا مفردات حقيقية غير «جرين سوب» وأخواتها .