بحكم الجوار الجغرافى ، والعلاقات التاريخية، كانت مصر من أكثر الدول وعيا، لخطورة ماحدث في السودان في 15 ابريل قبل الماضي، عندما اندلعت المواجهات بين قوات الجيش الوطنى السودانى وميلشيات الدعم السريع ،وادركت منذ اللحظة الأولى ،ان البلد أمام الأزمة الأخطر فى تاريخه، الذى شهد فترات طويلة من حالة عدم استقرار، وتأزم على كثير من الأصعدة، وعلى مدى أكثر من عام، بذلت القاهرة جهودا مقدرة دوليا وإقليما، للتوصل الى حل وفقا لرؤية واضحة، تدرك ابعاد الأزمة وتطرح حلا شاملا لها ،على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر الجوار السوداني، الذى استضافته القاهرة منذ عام ، عبر مراحل، وهى وقف التصعيد، والتوصل الى اتفاق لوقف فورى ومستدام لاطلاق النار، وتسهيل وصول المساعدات الانسانية، واطلاق حوار جامع لكل الأطراف، لبدء عملية سياسية، والتوصل الى آلية لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل الى حل شامل للأزمة السودانية، واستمرت الجهود المصرية خلال الأشهر الماضية، ومنها المؤتمر الذى انتهى منذ أيام، بهدف توفير منصة للحوار بين المكونات السودانية، لتحقيق توافق بينها يمكن ان ينهى الأزمة، خاصة بعد ان وصلت الى منحنى خطير، توابعه لن تتوقف عند السودان وحده، ولكن على المنطقة ودول الجوار ، فى ظل الخروج عن القاعدة الأساسية الضامنة لاستقرار الدول، بقصر السلاح فى يد الجيوش الوطنية دون سواها، كما ان استمرار المواجهات، وصفة للدخول فى حرب أهلية وفوضى شاملة، نتيجة اتساع نطاق القتال، وتعميق الانقسام السياسي، وانتشار خطاب الكراهية القائم على أسس اثنية وجهوية، وتصاعد التوترات القبلية، وظهور تحالفات مع طرفى النزاع ، وزيادة حملات التسليح الواسع للمدنيين، ناهيك عن استعانة ميلشيات الدعم السريع بعناصر من خارج السودان، وقيامهما معا بارتكاب جرائم إبادة وضد الانسانية، فى أماكن مختلفة من البلاد والقتل على أساس الهوية، وعمليات الاغتصاب والسلب والنهب ، وكلها موثقة فى تقارير للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، كما سمح النزاع لجهات عديدة لها أهداف واطماع فى السودان بالتدخل، والخطر الأكبر هو الاتجاه الى تقسيم السودان بكل تبعاته على الاستقرار فى المنطقة، التى لم تعد تحتمل المزيد من الصراعات، سيناريوهات المرحلة القادمة، بفرض وقف القتال خطيرة ومخيفة، منها التعاطى مع المأساة الانسانية ، بعد معاناة 25 مليون سودانى من المجاعة، ناهيك عن وصول عدد اللاجئين خارجيا والنازحين داخليا، الى أكثر من ربع السكان ، وصعوبة التوصل الى شكل الحكم فى السودان فى ظل الفوارق بين كافة المكونات، ولعل آخر امل فى الاستجابة لدعوة الأممالمتحدة طرفى النزاع الجيش السودانى لاستئناف المفاوضات حول الوضع الانسانى الأمر كله يتعلق بتوافر إرادة سياسية لدى الفرقاء السودانيين فى الوصول الى تسوية مقبولة للجميع، لتفويت الفرصة عن من له مصلحة فى عدم استقرار السودان، وهم كثر .