«شتان بين هجرتين. الأولى إلى الحق لتحرير الأقصى والثانية من الباطل لإعادة الأرض لأصحابها الحقيقيين» هل يجود الزمان علينا فى العام الهجرى الذى يهل بعد أيام (1446) بعودة الأمة الإسلامية إلى سيرتها الأولى حين كانت - فى ظل دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم - خير أمة أخرجت للناس. دولة هزمت أقوى خصوم عصرها الفرس والروم، وبسطت سلطتها على رقعة من المعمورة تمتد من غانا إلى فرغانا (مدينة أوزبكية) ومن طنجة لجاكرتا. هجرتنا فى العام الهجرى الجديد هجرة إلى التوحد والاصطفاف لنصرة الضعيف وإغاثة الملهوف ونجدة المستجير ومن ثم الأخذ على يد وقدم وبدن المعتدى.هجرة من التفرق والانقسام والذى بلغ أسوأ مراحله حين أصبح البعض يقف فى الصف المعادى للأمة دون خجل أو شعور بالعار. لماذا تتخاذل 55 دولة إسلامية عن نجدة المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، فلم يعد إلا القليل من الوقت فى خطة الصهيونية الدينية المتطرفة لهدمه وبناء الهيكل. السبت: ليتهم يهاجرون جميعا ليتهم يهاجرون جميعا لتعود فلسطين لأهلها الأصليين. لقد بدأت البشارة الكبرى بعد أن هاجر 550 ألف إسرائيلى منذ عملية طوفان الأقصى ولم يعودوا طبقا لإحصاء سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية. وكانت أعجب حالات الهجرة هى هرب العائلات الأوكرانية إثر طوفان الأقصى بعد أن ظنوا أنهم فى منأى من الموت حين اجتاحت روسيا الأراضى الأوكرانية. وقالت إحدى الأوكرانيات أثناء مغادرة إسرائيل العودة لبلدها «إذا كان من الموت بد، فمن الأفضل أن أموت فى بلدى، هناك فى كييف كنا نهرع للمخابئ مع انطلاق صفارات الإنذار، ونفس الشىء تكرر فى تل أبيب. الهجرة المضادة، ضربة شديدة فى قلب إسرائيل، فالمهاجرون اليهود سواء من الاتحاد السوفيتى السابق أو يهود الفلاشا أو اليمن، يشكلون حبلا سريا يمد الكيان الصهيونى بالقوة البشرية. وأكثر ما يقلق إسرائيل هو انفضاض يهودها من حولها. ويفزع الساسة الإسرائيليون من تعبير يورديم الشائع هذه الأيام (مصطلح عبرى يستخدم لوصف اليهود المغادرين لإسرائيل). حاولت تل أبيب كثيرا طمأنة سكانها أنهم فى مأمن من صواريخ حزب الله وحماس والجهاد بفضل القبة الحديدية ولم تمنع القبة من صد الكثير من الصواريخ والمسيرات التى استهدفت الجليل الأعلى ونفس الشىء تكرر مع صواريخ حركتى حماس والجهاد الإسلامى والتى وصلت لحيفا وتل أبيب، وجرى إخلاء مستوطنات غلاف غزة والجليل الأعلى من سكانها ولم يتمكنوا من العودة إليها حتى الآن ولهذا السبب قتلت إسرائيل كل من حاول من الفلسطينيين العودة لبيوتهم بشمال غزة بعد أن نزحوا منها بفعل هجماتها الوحشية، فكيف يعود هؤلاء فى الوقت الذى لم تتمكن فيه إسرائيل من إعادة مواطنيها لمنازلهم ولا يزالون يسكنون الفنادق. الهجرة الإسرائيلية الآن نوعان: هجرة للخارج بلا عودة وهجرة للداخل بعيدا عن مناطق التماس. ويعد النوعان ضربة استراتيجية موجعة لإسرائيل لأنها ستجعل كل من يفكر فى الهجرة إليها يفكر ألف مرة قبل أن ينتقل لأرض اعتقدوا أنها أرض العسل واللبن، فإذا بها أرض البصل والسخام. الآن لم يعد أمام كل إسرائيلى إلا أن ينجو بنفسه. الأحد: أبو التليفزيون اقترب العيد الرابع والستون للتليفزيون المصرى الذى انطلق فى 21 يوليو عام 1960. وكان أول تليفزيون فى المنطقة العربية رفعه على أكتافة أبو التليفزيون المصرى د.عبد القادر حاتم رئيس وزراء حكومة حرب أكتوبر، قصة التليفزيون يحكيها د.حاتم فى مذكراته التى صدرت عام 2016 ولم ينتبه لها أحد رغم ما تحويه من أسرار. يذكر د.حاتم أن الرئيس عبد الناصر حدد له ميزانية لإنشاء التليفزيون قدرها 200 ألف جنيه فقط، ثم أضاف له الدكتور عبد المنعم القيسونى وزير الاقتصاد 400 ألف جنيه، ولكن بعد أن اتصب مبنى ماسبيرو سأله عبد الناصر: كيف استطعت أن تبنى هذا الهرم الكبير بهذا المبلغ القليل. فشرح د.حاتم له أنه استطاع جمع 4 ملايين جنيه فى شهر واحد، بعد أن أعلن أن أى مصرى يستطيع الحصول على جهاز تليفزيون بمقدم حجز 5 جنيهات للجهاز الذى يتراوح سعره بين 15 و20 جنيها ويقسط الباقى كل شهر. ويمضى د.حاتم فى الحكى «وجدت فى أول يوم طوابير ممتدة واستطعنا جمع 80 ألف جنيه، لدرجة أن أحد المنتظرين لدوره مات من الزحام، فاحتفلت بأولاد هذا المواطن وقدمت لهم جهاز تليفزيون مجانا وإعانة من التليفزيون». كان الاقتراح الأول لموقع مبنى ماسبيرو أن يكون بميدان التحرير فى حضن مجمع التحرير، لكن د.حاتم رفض الفكرة لأنه أراد أن يكون المبنى على شاطىء النيل. والغريب أنه حتى 10 يناير 1960 لم يكونوا قد وضعوا طوبة واحدة فى المبنى، لكنهم اختصروا عمل 5 سنوات فى 7 أشهر، لأنه كان من المقرر افتتاح التليفزيون قبل أيام من العيد الثامن لثورة يوليو فى 1960 والأغرب أنه قبل البدء فى إنشاء التليفزيون وحين كان مجرد فكرة عرضها د.حاتم فى اجتماع لمجلس الوزراء فوجئ بمعارضة كل الوزراء. ويكتب أنه كان «لكل وزير حجته ومبرراته. وزير التعليم: الأفضل إنشاء مدارس جديدة للتعليم فهى أجدى وأنفع مما سوف يقدمه التليفزيون. وزير الزراعة: الأمن الغذائى هدفنا وهو أمر يتوقف على الفلاح الذى ينام بعد العشاء ويصحو مع الفجر حتى يمكنه القيام بعمله ودخول التليفزيون سيلهيه عن أن ينام مبكرا ويؤدى دوره مما يؤدى إلى تدهور الزراعة. وزير الأوقاف: إننا بلد إسلامى طبقا للدستور ويجب أن نعمل على نشر المبادئ الإسلامية والأخلاقية وهذا يتعارض مع إنشاء التليفزيون وما سوف يقدمه من غناء ورقص وتمثيل. وزير الصناعة: ليست لدينا مصانع قادرة على تصنيع التليفزيون. وزير الاقتصاد: من أين نأتى بالمال لتمويل إنشاء التليفزيون. وجاء الدور على رجل الاتحاد الاشتراكى فى مجلس الوزراء (لم يذكره بالاسم): لا نريد أن نعطى الآمال للمواطن لأننا لا نملك المال لتحقيقها فإذا شاهد المواطن فى التمثيليات القصور والفيلات وحمامات السباحة والسيارات الفارهة وهو يعانى من الفقر والحياة البائسة، فنحن نعطى المواطن آمالا كاذبة» ويكمل د.حاتم «أعطانى عبد الناصر الكلمة وقال لى رد. بدأت حديثى: سأقول كلمة واحدة وهى بسبب ما قاله الإخوة الأفاضل ومن معارضتهم لإنشاء التليفزيون، يجب أن ننشئ التليفزيون لأنه سيعلم الشعب ويثقفه ويعمل على محو الأمية بين جميع فئات الشعب من خلال نشر وتوزيع أجهزة التليفزيون فى الشوارع والأندية والمقاهى والبيوت وسأجعله فى متناول كل مواطن وسنقدم من خلاله أسس الأخلاق الفاضلة والسلوكيات السليمة وسأبدأ الإرسال بالقرآن الكريم وأنهيه به وسأذيع الأذان وأنقل صلاة الجمعة والأعياد وكذلك بالنسبة للإخوة المسيحيين سأنقل شعائر صلواتهم وسأقدم تفسيرا للقرآن الكريم على لسان كبار العلماء بدلا من الدعاة فى الجوامع الذين يقدمون أحيانا الإسلام تقديما خاطئا، أما بالنسبة للفلاح فهو ينتج 6 أرادب قمح فى الفدان فسنعلمه الأساليب الحديثة لينتج 25 أردبا كما فى المكسيك، أما بالنسبة لتصنيع التليفزيون فسنبدأ بتجميع الأجهزة أولا وعند زيادة الطلب سنوجد صناعة كبيرة للتليفزيونات وكان ردى على مندوب الاتحاد الاشتراكى بأنه ليس حراما أن يحلم المواطن بتحسين أحواله» الآن هل تحققت أحلام «أبو التليفزيون» المصرى؟